لحج نيوز/بقلم:الحبيب علي زين العابدين الجفري -
في صحيح البخاري "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا اليَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ" (كتاب المناقب، باب إتيان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة).
فإلى جانب دلالات أننا أولي بسيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات والسلام من يهود ؛ أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه وكليمه سيدنا موسى على نبينا وعلى آله أفضل الصلاة والسلام في يوم عاشوراء بالنصر على عدوه ، وكلنا نعرف قصة سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، إلى حين أمر الله تعالى رسوله بأن يسري ببني إسرائيل خروجاً من طغيان فرعون الذي تملكه الكبر والكبرياء ، والكبر إذا تمكن من القلب مع وجود سلطة ما من قوة أو مال أخذه إلى معاني الطغيان ، والطغيان يخرج الإنسان عن الثبات وإتزان التصرف.
حتى إذا وصل بنو إسرائيل إلى حد البحر وتلاقى الجمعان وأدركوا أنهم قد أحيط بهم من البر والبحر و أسقط في أيديهم إذ لم يعد لهم من الأسباب من شيئ، فها هو فرعون يلاحقهم ويطبق عليهم بكل كبريائه وجبروته، قالوا :" إِنَّا لَمُدْرَكُونَ"، فما كان جواب سيدنا موسي إلا قوله :" كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " ، فالهداية والنجاة التي كان يرتقبها عليه السلام لم تكن من التخطيط ولا التدبير ؛ فهذا كله من قبيل الأخذ بالأسباب التي تعبدنا الله بضرورة الأخذ بها ، لكن اعتماده عليه السلام كان على مسبب ورب الأسباب ، فإذا توقفت الأسباب الدنيوية وانتهت إلى حصار البر والبحر وإطباق فرعون وجنوده عليهم من كل جانب ، فإن رب الأسباب ومسببها باق سبحانه وتعالى.
وهذا يورث في قلوب المؤمنين حقيقة اليقين وعدم الاهتزاز ، وعندما يمتلئ قلب المؤمن بأن الله معه تظهر عجائب آيات وقدرات الله تعالى في التثبيت والنصر، فما ظنكم بطائفتين دخلتا بقعة واحدة من البحر فينجى الله تعالى بفضله الأولى ويغرق الثانية ، لأن الأولى دخلتها باعتماد على الله عز وجل وثقة بموعوده ونصره ، ودخلتها الثانية باعتماد على الطغيان وآلة الحرب وعدم تكافؤ العدد والعتاد.
فهذا من معاني يوم عاشوراء فيما يتصل بالنصر الأول ، والتي جعلها نبينا عليه وآله الصلاة والسلام مناسبة خاصة بنا تستوجب شكر المنعم سبحانه وتعالى بصوم يوم عاشوراء ، إذ نحن أولى بموسى من اليهود.فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ : أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ( صحيح البخاري، باب وهل أتاك حديث موسى) ، بل ووصفه عليه الصلاة والسلام بقوله :" إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ"( صحيح مسلم، باب صوم يوم عاشوراء).
ومن فضل يوم عاشوراء أن قريشاً والعرب في الجاهلية كانت تعظم هذا اليوم وتصومه، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:" كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لاَ يَصُومُهُ"( صحيح البخاري، باب أيام الجاهلية)، مع حثه عليه الصلاة والسلام على فضل صوم يوم عاشوراء بقوله :"وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" ( صحيح مسلم، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر).
لكن هناك معاني أخرى للنصر وإن لم يظهر بادي الرأي للناس معنى النصر فيها، فهل نعد على سبيل المثال ما جرى في غزوة أحد نصراً ؟ وكيف نسميه نصراً رغم ما به من قتلى وجرحى وتمثيل بالأجساد ؟ إن وجه النصر في هذا الموقف هو ما تعلمه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من أن النصر قرين الثبات على المنهج والثبات على أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقولوا لي بالله عليكم كيف كان للمسلمين أن يشعروا بالنصر مع مخالفتهم لمنهج رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟
وهو الأمر الذي تكرر في غزوة حنين حين خرج مع جيش المسلين عدد من حديثي العهد بالإسلام ، وأعجبتهم كثرة الجيش من عدد وعتاد وقالوا لن نهزم اليوم من قلة تعبيراً عن تحول خطير في منهج الاعتماد على الأسباب. فلما أعجبتهم كثرتهم حصل الانكسار والهزيمة المحققة، لتبرز لنا معاني النصر الحقيقي في ثبات الرسول عليه الصلاة والسلام والناس من حوله ينهزمون، ثم يأمر عمه العباس رضي الله عنه بأن ينادي أصحاب بيعة الرضوان والمهاجرين والأنصار والأوس والخزرج، أي كل هؤلاء الذين عايشوا معنى التربية على الثبات وعرفوا معنى الصلة بالنصر الحق ، بل و يذكر ابن هشام أن الرجل منهم كان يذهب "لِيُثْنِيَ بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ فَيَقْذِفُهَا فِي عُنُقِهِ وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَتُرْسَهُ وَيَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ وَيُخَلّي سَبِيلَهُ فَيَؤُمّ الصّوْتَ حَتّى يَنْتَهِيَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ".
ولكم أن تقارنوا وجهي النصر في ارتباطه بالثبات في غزوتي أحد وحنين ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، فعندما تعيش الأمة عقلية البحث عن الغنائم وتتنازل عن الثبات طلباً لها تخرج صفر اليدين:لا نصر ولا غنائم ، وعندما تتعلم الأمة حقائق الثبات وتثوب إلى رشدها تأتيها الغنائم بأكثر ما توقعت مع النصر المبين .
وذلك أيضاً هو المنهج الذي تربي عليه الإمام أبو عبد الله الحسين سبط رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام وعاشه وعلمنا إياه في يوم النصر الثاني ، من الثبات على الحق مهما كانت دعاوي الباطل وزيفه وجبروته دون مداهنة ولا نكوص ولا قبول إغراءات، معنى لا زالت الأمة تنهل من دلالاته بعد كل تلك القرون المتلاحقة.