لحج نيوز/وكالات -
من الانتصار إلى التراجع وسط تقدم مستمر لقوات الزعيم الليبي معمر القذافي، فبعد ان ابّنه المعلقون الغربيون والعرب بدأ القذافي يستعيد السيطرة واخذت مع انجازات جيشه تترفع التقديرات التي ترى انه قادر على دفع المقاومة الى معقلها الاخير في بنغازي، حيث تعهدت الاخيرة بمقاومة شرسة ووقفة اخيرة كما وصفها تقرير في صحيفة 'الغارديان'.
وجاء التغير في النبرة بعد ان تشتتت قوات الثوار في اجدابيا التي تعهد قادتها بالدفاع عنها لكن قوات القذافي سيطرت على اجزاء كبيرة منها وقطعت بينها وبين الطريق الرئيسي المفضي الى بنغازي. جاءت هذه التطورات على خلفية استمرار الجدل الدولي حول فرض الحظر الجوي الذي وافقت امريكا اخيرا على الانضمام الى دعمه ولن يتم التوصل اليه الا نهاية الاسبوع الحالي او بداية الاسبوع القادم مما يعني انه سيكون متأخرا مع مواصلة القوات الليبية تقدمها.
واشارت تقارير بريطانية إلى ان بعض سكان بنغازي بدأوا بالرحيل نحو الحدود مع مصر فيما قالت 'التايمز' ان مواطنين في اجدابيا عنفوا الثوار لتخليهم عنهم. ودعت الصحيفة نفسها الادارة الامريكية إلى قيادة الجهود للتخلص من القذافي.
وفي افتتاحية 'هناك حاجة للقيادة' انتقدت تردد الادارة، وقالت ان الوقت بدأ ينفد من يد الثوار المتعبين وان ربيع العرب سيتحول لربيع دموي. وتساءلت ان كان باراك اوباما حريصا على نجاح الثورة الليبية ام لا. وان كان الجواب بنعم فلماذا اتسم رد الادارة على الاحداث في ليبيا بالحذر المبالغ فيه. وقالت ان جهود الحكومة البريطانية من اجل جعل الديمقراطيات الاخرى تحمل مسؤولياتها كانت عبثية.
وقالت ان ليبيا 'تذكرنا بالفرق بين السلطوية والشمولية' ففي حالة سحق النظام للثورة فان هذا لن يكون بسبب شعبية القذافي في بلده مقارنة بل لانه كان مستعدا لسفك دماء شعبه. وتؤكد انه في حالة سقوط بنغازي فان الليبيين هم من سيعانون اولا ثم العالم بعد لنجاة نظام منبوذ غير مستقر. واكدت أنه لا يزال هنالك وقت لتغيير المعادلة ومنع سقوط بنغازي واسقاط النظام بدلا من ذلك، ولن يتم هذا بدون اظهار القذافي استعداده للقيادة. ولعل فقدان القيادة سبب واحد من اسباب تقدم وتماسك النظام.
ويرى محللون نقلت عنهم 'واشنطن بوست' ان الزعيم القذافي نجا من الازمة الحالية لانه احتفظ بولاء الجيش له على الرغم من انشقاق مجموعات من الجنود يقدر عددهم بحوالي ستة الاف جندي وضابط لكنهم لم يرو في معارك الثوار الا القليل منهم.
كما ان صحيفة 'نيويورك تايمز' اشارت الى ان الزعيم الليبي استطاع شراء دعم عدد من الدول الافريقية التي زودها بالنفط وزودته بمن قالت عنهم المرتزقة للدفاع عن نظامه. ويتوقع المحللون ان تتحول الثورة الشعبية الى شكل من اشكال حرب العصابات يتراجع فيها الثوار الى مناطق امنة في البلاد ومنها يواصلون اجهاد النظام واضعافه.
ويذهب محللون الى نفس التحليل حيث يعممونه على بقية الانتفاضات التي تجري حاليا في البحرين واليمن، فالجيش البحريني المجهز جيدا لم يكن قادرا على مواجهة تظاهرات مستمرة مما ادى الى دعوة ما يسمى بقوة ردع الخليج التي تسيدتها القوات السعودية ودخلت بقوة مكونة من الفي جندي.
وترى صحيفة 'واشنطن بوست' ان الحلقة الضيقة والمقربة من القذافي هي من انقذت النظام، فقد تجاوز الزعيم الارتباك الاولي الذي اصاب نظامه بعد سقوط بنغازي ومناطق الشرق وهروب طيارين وانشقاق اعداد كبيرة من الجنود على الدائرة المقربة منه والتي مثلت له ولنظامه صمام الامان.
واهم القوات التي اتخذت مهمة حماية النظام هي الكتائب التي يقودها نجل الزعيم خميس، المتدرب في روسيا ويقود الكتيبة 32 والتي تعتبر الاحسن تسليحا من بين القوات الليبية، ونقلت عن مسؤولين امريكيين قولهم ان الكتيبة هي التي امنت العاصمة طرابلس وقامت بإعادة السيطرة على مدن ساحلية مثل الزاوية ومصراتة.
كما ان نجل القذافي الاخر الساعدي قاد كتيبة اخرى توجهت نحو بنغازي وهناك المعتصم وهو مستشار لشؤون الامن الوطني لوالده ومعهم عبدالله السنوسي، صهر القذافي. ونقلت عن تشاك سيسل الذي عمل كدبلوماسي في ليبيا بين عامي 2006 ـ 2007 ان من يدعمون القذافي يعرفون ان مصيرهم مرتبط بمصير القذافي وهم بدفاعهم عنه يدافعون عن حياتهم. ولم تأت القوة الحالية من النظام من الجيش وحده الذي لا يزيد تعداد قواته حسب اكثر التقديرات عن 119 الف جندي اضافة الى 45 الف جندي احتياط وتضم 10 كتائب مدرعات، والفي مدرعة كتيبة مشاة وسبع كتائب سلاح جوي.
وعلى الرغم من وصف المحللين العسكريين معدات الجيش الليبي بالعتيقة والتي تعود الى الزمن السوفييتي لكن الجيش الليبي سلح بأسلحة من عدد من المصادر الاخرى.
استخدام محدود للطيران
وعلى الرغم من ان المعارضة المسلحة قد اتهمت القذافي بالاعتماد على الطائرات في قصف المدن والتجمعات المدنية والثوار الا ان المسؤولين الامريكيين يرون ان السلاح الجوي لم يستخدم الا بطريقة اختيارية واعتمد النظام على القوات البرية والمدافع وهي المهمة في السيطرة على المدن، فالقصف الجوي وان ترك آثارا نفسية على المقاتلين الا ان الطائرات لا تحتل المدن.
وعلى الرغم من حصول الثوار على كميات كبيرة من الاسلحة منها صواريخ مضادة للطائرات، وحاملات الصواريخ وكميات كبيرة من الذخائر الا ان فقر التدريب لدى الثوار عاق استخدامها. وكان يونس عبدالفتاح العبيدي، وزير الداخلية الذي انشق على القذافي ويترأس المجلس العسكري قد اكد ان لدى قواته عدداً كبيراً من المصفحات والتي لم يستخدمها بعد. واكد في عدد من تصريحاته انه هو وقواته يعملون على جر قوات القذافي وتشتيتها بشكل يجعلها غير قادرة على التواصل والتزويد بالاسلحة والوقود، وهو ما يراه المراقبون وينظرون لما تنجلي عنه المعركة.
وهناك سيناريو آخر ويشير الى ان الثوار الذين لم يصمدوا امام الجيش الليبي الذي يعتبر من افقر الجيوش في افريقيا واضعفها، سيدفعون الى بنغازي، ومنها سيقومون بتبني اسلوب حرب العصابات بدلا من الاستمرار في عمليات المقاومة المنظمة، ونقل عن محلل في مؤسسة راند قوله ان 'الثوار يفتقرون إلى الخبرة والمعدات العسكرية اللازمة للسيطرة بشكل دائم على المناطق'.
ورأت مجلة 'التايم' في تحليلها لسبب تراجع الثوار ان تصريحات قادة الدول الغربية قد عززت آمال الثوار بحصولهم على دعم غربي وجيشهم غير المنظم، لكن شيئا من هذا لم يتبلور، وقالت ان الثوار الان يواجهون 'كارثة'. وقالت انه مع وجود تضارب بين ما تقوله الحكومة وما يقوله الثوار الا ان المعارضة بدأت تواجه خيارين اما الفرار نحو الحدود مع مصر او التمترس في بنغازي. وايا كان شكل الخيار، فالمجلة توافق مع كل التعليقات الاخرى التي تقول ان فرص نجاح الزعيم الليبي بالحفاظ على نظامه باتت قوية.
وتعتقد ان النظام لو تمكن من تحقيق النصر فان مصير المدن في الشرق التي ثارت على النظام ستواجه مصيرا مرا من ناحية اعتقال وعقاب كل من شاركوا في الثورة، ولا يعرف كيف سيكون الموقف الغربي: الامريكي والدول الاوروبية خاصة ان الاخيرة مثل فرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا تعتمد على النفط الليبي بطريقة او بأخرى. ونقلت المجلة عن سيف الاسلام القذافي قوله انه واثق من ان الشركات الاجنبية ستطالب بالعودة للعمل في حقول النفط وفي وقت قريب، لكن القذافي اكد ان المانيا هي التي ستكون المستفيد من النفط الليبي. ومع أن المعركة لم تنته بعد الا ان المعارضة ومعها الانظمة الغربية بدأوا يتساءلون عن الطريقة التي اساؤوا فيها فهم قوة النظام، خاصة انه كان لقمة سائغة بعد انهيار حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس.
ويعترف سيف الاسلام ان النظام فوجئ بالاحداث وأخذ وقتا كي يستعيد قوته وينظم نفسه وعندما اتم الاستعداد اصبح الطريق امامه لامتحان قوة الثوار واضحا.
ونقلت عن اكاديمي في العاصمة طرابلس ان التقديرات الغربية بدت خرقاء فقد قامروا على امور غير صحيحة وارتكبوا اخطاء حمقاء. واكد الباحث ان احد اهم اخطاء الغرب انه قادة ونخبه عبروا عن سذاجة في فهم شبكة الولاءات القبلية المعقدة وهي التي ساعدت القذافي على البقاء في الحكم لمدة اربعة عقود.
وتقول المجلة ان بعض التحالفات القبلية تعود الى الاستعمار الليبي، واكد الباحث ان عدداً كبيراً من القبائل حتى تلك الحانقة عليه هرعت لتأييده بعد تحول التظاهرات الى عصيان مسلح. واشار الباحث إلى ان القذافي قد عزز قوته من خلال تحشيدهم للدفاع عن ليبيا خاصة بعد ان تبنى الثوار علم المملكة الادريسية الذي يمثل للكثيرين عهد الفقر والاستغلال الاجنبي.
ومع ان الثوار يقولون انهم يقاتلون من اجل ليبيا موحدة الا ان القبائل التي سافرت مئات الاميال من اجل دعم القذافي قال افرادها انهم يقاتلون من اجل ليبيا البلد وليس القذافي.
ومع الدعم القبلي وتوحيد الجيش والقبائل اضافت ' نيويورك تايمز' عاملا اخر، وهو ان الكثير من الافارقة الذين دعمهم القذافي خلال سنوات حكمه سارعوا للدفاع عنه ونقلت عن بعضهم قولهم انهم 'مستعدون للموت من اجله لانه فعل الكثير من اجلنا'. ونقلت عن مصلين في جامع باماكو الكبير في العاصمة المالية قولهم ان المسجد بناه الزعيم القذافي. وهو من انشأ القناة التلفزيونية الوطنية منذ اكثر من ثلاثة عقود، وتبرع القذافي ببناء مجمع حكومي بقيمة 100 مليون دولار. وترى الصحيفة ان مالي البلد الفقير هي مثال يوضح الدعم الافريقي للزعيم الليبي، فقد استثمر القذافي اموال النفط في دول الصحراء، داعما كل الاطراف والحكومات والثوار، وبنى الفنادق الفخمة ومصانع المطاط وحقول الارز ومناجم الماس ومحطات الغاز الطبيعي ومراكز التسوق. وقالت انه من ليبريا الى جنوب افريقيا وحتى جزيرة مدغشقر تبدو السيطرة الليبية واستثماراتها مثل شركة عملاقة للاستثمار وهي اداة للحصول على الدعم والولاء من هذه الدول الفقيرة. ولهذا تقول الصحيفة يمكن تفسير السهولة التي اعتمد فيها القذافي على مقاتلين من دول الصحراء الذين هرعوا لمساعدته حين الحاجة، في حين تلكأ القادة الافارقة بتوجيه النقد اليه.
ونقلت عن اكاديمي مالي قوله ان قادة الدول الافريقية كلهم حصلوا كل منهم على شيء من الزعيم، ولهذا وجدوا انفسهم في حالة حرج وعليه يفهم اللهجة الحذرة التي تعامل فيها الاتحاد الافريقي مع الازمة حيث قرر متأخرا لجنة لتقصي الحقائق والتفاوض بين الطرفين.
وعلى الرغم من الموقف العربي الذي سارع الى تعليق عضوية ليبيا في الجامعة العربية، وشجبه الشارع العربي الا ان الكثيرين من ابناء دول الصحراء الهموا بافكاره الداعية إلى الولايات الافريقية المتحدة. وترى ان الزعيم محبوب في مالي من اصغر مواطن إلى الرئيس، حيث تنقل عن مواطن قوله ان البعض ينظر الى القذافي كشيطان لكنه افريقي عظيم. ويرفض ماليون فكرة ان القذافي يشتري ولاء الدول الافريقية بالنفط والمال ويقولون ان القذافي قرر ان يشرك الافارقة بثروته على خلاف نيجيريا التي ترفض. وعلى الرغم من علاقة القذافي بإفريقيا وسمعته الحسنة فيها الا انها لم تكن بدون مشاكل خاصة تدخلاته في الحروب الداخلية فيها من ليبيريا الى موريتانيا ودارفور. وفي الوقت الذي يحمل فيه باحثون القذافي مسؤولية هذه الحروب التي ادت لدمار وازهاق ارواح الا ان الافارقة الذين تنقل عنهم يؤكدون ان 'ليس هناك ملاك'.
ويرى مشايخ في قبائل طوارق ان الطوارق الذين يقاتلون الى جانب القذافي الان ويعتمد عليهم هم ممن يخدمون في الجيش منذ سنوات وممن جاؤوا الى ليبيا هربا من الحروب في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي من النيجر ومالي حيث آواهم القذافي ووفر لهم المال والعمل.
ومع ذلك يعترف المشايخ ان اعدادا قطعوا الحدود الوعرة مع ليبيا كمهاجرين وانضموا للقتال. ويشكك مشايخ قبائل من تصريحات لشخص قال انه كان مقربا من الحكومة وتحدث عن اعتماد القذافي على مرتزقة بلغ عددهم ما بين 3 الى 4 الاف مرتزق تلقى كل واحد منهم الف دولار.
وقالوا انه من الصعب تنظيم هذا العدد في ايام قليلة. ولكن مسؤولين قالوا انه حتى لو لم يطلب منهم القذافي المساعدة كانوا سيذهبون بانفسهم لانه قائدهم وحاميهم ولا يريدون خسارته.
|