لحج نيوز/كتب:سوسن احمد -
لا ينفك جنرال الفرقة الأولى عن إثارة التعجب ورسم علامات استفهام كبيرة حول نفسه عندما يكثر من الحديث عن القاعدة ويصر على إقحامها في كل إطلالة له، حتى يشعر المرء أن في الأمر حسابات شخصية يحاول تصفيتها، أو ربما هي عقدة نفسية تسيطر عليه لا إرادياً ناتجة عن تهمة مزمنة يحاول التبرؤ منها ليلصقها بنفسه دون أن يشعر.. مثله في ذلك كمثل المُريب- حين يكاد أن يقول خذوني!
إذ يبالغ الجنرال العتيق- ذو الخلفية الأصولية- في الحديث دوماً عن ورقة القاعدة أمام الراي العام المحلي والدولي لا لشيء إلا ليقول إن الرئيس وراء وجودها في البلد.. فكلما تسنت له فرصة ظهور إعلامي، او إصدار بيانات عصماء، يقحم القاعدة في حديثه ويسوق لها المبررات تلو المبررات.. وفي كل حديث لا ينسى أن يحمّل الرئيس وزرها وتبعات مآسيها!!
سبق أن أبدى خشيته وقلقه مبكراً من ان يقوم الرئيس باستغلال ورقتها للانقلاب على "ثورة الشباب" ليصرف انظار العالم عن ساحاتهم.. لكنه تارة ينكر وجود القاعدة ويعتبرها كذبة.. وتارة يهوّن من خطرها ليقول بأن الرئيس يهوّلها لابتزاز العالم وتخويف الجيران واستجداء الدعم.. ثم سرعان ما يتراجع ليعترف بوجودها ويؤكد خطرها لكنه يتعاطف مع أنصارها وضحاياها معتبراً أنهم ضحايا النظام، مثلما فعل في بيانه الاخير حول تطورات الاوضاع في أبين ولحج.. تارة يصفهم "بالقاعدة"، وتارة يصفهم "بالمسلحين" لتبرئتهم من الإرهاب!
يعتبرها ورقة يجيد الرئيس استخدامها لتصفية حساباته مع خصومه والانتقام من ابناء "الجنوب"، بل يتهمه بإخلاء المحافظات للقاعدة لإقلاق المجتمع الدولي، رغم سقوط المئات من المواطنين وجنود الأمن والجيش بسببها طيلة السنوات الماضية وحتى الأحداث الاخيرة.
عبثاً يحاول تبرئة نفسه من ماضي القاعدة والإصرار على اتهام النظام بدعمها وتسليحها.. ومثل هذا التخبط في احاديث الجنرال وكل هذه التناقضات حول حقيقة وجود القاعدة وخطرها، وإقحامها بتكرار ممل في بياناته وتصريحاته، بمناسبة وبدون مناسبة، يمكن قراءته وتحليل مضمونه من زاوية نفسية بحتة.. فالرجل يعيش حالة قلق وصراع مع النفس، ناجمة عن ماضٍ أسود يتذكره الجنرال جيداً ويحاول طمسه حاليا.. يتنصل من ملف سيء لإسقاط التهمة عن نفسه بعد أن لاحت فرصة تاريخية لتبييض صفحاته أمام أميركا والمجتمع الدولي، لذا يحاول إنكار علاقته بأي إرهابي.. حتى لو قُدِّر له ان يتنكر لصهره القاعدي السابق "طارق الفضلي" لفعلها، بل قد يهدر دمه إذا وجد أنه عقبة كأداء في سبيل تجميل وجهه المحترق!
ربما يعتقد البعض أن القاعدة ظلت ورقة بيد الرئيس، لكنها أكبر من مجرد "ورقة".. بل هي "ملف" كبير بيد الجنرال... ومثل هذا الانطباع ترسخ عنه بسبب علاقته المعروفة مع الأصوليين بشكل عام منذ بداية الثمانينيات- جهاديي افغانستان- سلفيي صعدة- أتباع الوادعي- جماعة التكفير- أنصار القاعدة- انصار الشريعة- جيش عدن ابين- وغيرها من المسميات التطرفية الكثيرة.. بل وحتى تجمع الاصلاح بجناحيه الإخواني والقبلي والذي كان للجنرال قصب السبق في عقد القران بينهما في مفتتح التسعينيات عبر الأحمر والزنداني، فالأول تجمعه به أواصر قبلية، والثاني تربطه به علاقة أصولية منذ الحقبة الافغانية..
كل هذه المسميات ظلت أوراقاً وتيارات غير مأمونة أجاد استخدامها وتطويعها وابتزاز النظام بها، لا لشيء إلا للحفاظ على ثقله المؤثر وحماية نفسه على مقربة من الرئيس، حتى يصل لحلم خلافته بأمان.. ثم حين فشل مشروع خلافته انقلب اليوم على رئيسه ونزع ورقة التوت عن نفسه ليجاهر بعدائه الشخصي للرئيس ويكشف علاقته الخفية بتلك القوى التقليدية وانحيازه المطلق لها.. لا غرو في انحيازه اليوم، فهي القوى التي جاهد الجنرال الأصولي طويلا في سبيل والحفاظ على بقائها- أو ربما كليهما حافظ على بقاء الآخر.. بل حماها حتى من رياح التغيير في شتى المراحل، ففي الوقت الذي كانت مستجدات العصر تفرض التوجه نحو التحديث في بعض المراحل ومشروع بناء الدولة المدنية والمؤسساتية، وإزاحة التيارات الراديكالية، بضغوط غربية واقليمية، كانت قوى الجنرال المتشبثة بالماضي أقوى من مشاريع التمدن وأكبر عائق أمام اليمنيين حتى اليوم.. بمعنى أن دعمه للقوة الاصولية والقبلية جاء على حساب مشاريع تقدمية تعرضت لانتكاسات صادمة، بسبب قوة راديكالية مشبوهة تثير حفيظة المجتمع الدولي والاقليمي وتؤخر الانتقال الحتمي للعصرنة.
يتحدثون اليوم عن أن الرئيس هو المتسبب في انقلاب الجنرال عليه- بحجة أنه حاول التخلص منه لتوريث الحكم.. لكن هل كان الرئيس صالح او غيره في الداخل والخارج سيفكر في التخلص من الجنرال لولا تلك الصفحات السوداء في سجله؟؟؟
يعلم الجنرال جيدا ان بقاءه في النظام احرج صالح كثيرا مع الاشقاء والأصدقاء.. وخاصة مع اميركا التي وصلت شكوكها حوله وشكواها من عدم التزامه بحسن السيرة والسلوك الى حد المطالبة برأسه ضمن قائمة الارهابيين المطلوبين للحملة الدولية لمكافحة الارهاب- ظهر اسمه حينها مقروناً بالمرشد الاعلى "آية الله الزنداني"، بسبب ثنائيتهما التاريخية، وصِلاتهما المبكرة بالفكر التطرفي الذي ساهم بقوة في صناعة الموت.
صحيح ان ثنائية (محسن- الزنداني) نجحت في اللعب بالورقتين- الاصولية والقبلية- لحماية نفسها من انقلاب النظام عليها، قبل انقلابها عليه- لكنهما نسيا أن العيون حولهما.. فكان ان وقعا بسهولة في مصيدة الحرب العالمية ضد الارهاب، تحولا إلى مطلوبين دولياً.. لدرجة أن هذين الرجلين كانا الوحيدين في اليمن المحرومين من التنقلات والسفريات خارج البلد- خوفا من ملاحقة الانتربول الدولي.. فهل كانت اميركا ستفكر فيهما لولا تلك العلاقة سيئة الصيت؟؟ لماذا لم تطالب واشنطن برأس صالح مثلا أو أبنائه- كما فعلت بالرئيس العراقي الراحل؟؟
الجواب: لأن الامريكان يدركون جيدا ان قاعدة اليمن ماركة مسجلة للثنائي الشهير.. لكنهما في بلدهما عاشا معززين مكرمين في كنف الرئيس.. لم تطلهما اليد الاميركية.. لعل شخصية الرئيس وتسامحه وذكاءه في التعامل مع الأمريكان مع ورقة القاعدة واحتواء التائبين منها، ودعم الاشقاء والاصدقاء له هي التي حمتهما من جنون الوحش الاميركي الهائج إبان أحداث11سبتمبر- الشهيرة.. كانا يدركان حجم الخطر المحدق بهما حتى الآن.. لكنهما منذ نجحت ثورتا الفيس بوك- المصرية التونسية- انتهزا فرصتها الذهبية للتخلص من ملفهما الاسود.. حاولا خداع المجتمع الدولي بركوب موجة العصر، ليس حباً في التغيير، بل للانقضاض على خصمهما الأقوى.. لقد حان الانقلاب على الرئيس الذي يحتفظ بتلك الورقة المُذلة وبأسرار علاقتهما بالقاعدة.. وبسبب هذا الانقلاب رفع الرئيس الغطاء عنهما ليقعا في المصيدة الدولية.. نسيا أن تهمة الارهاب ودعم انصار القاعدة جريمة دولية لا تسقط بالتقادم.
لعل سببا أساسيا من أسباب تعثر ثورة الشباب وطول زمنها يعود لانضمام هذين الرجلين، فقد قررا معاً الالتحاق بها في نفس التوقيت ليثيرا الشبهة حولهما.. إذ شهدت ما سمي "بجمعة الكرامة" انشقاق الجنرال فوراً بحجة حماية المعتصمين، كان سيبدو الامر منطقياً لو لم يلفت النظر.. لكن أن يلحقه الزنداني مباشرة بعد ساعات قليلة فذاك ما أثار الريبة التي لم تخطر على بال أحد.. فانضمام جنرال الأصولية مع المرشد الأعلى للتتشدد، بجانب رموز القبلية المسلحة، لم يكن بشارة خير على الساحات بقدر ما دق أجراس الخطر.. لهذا شهدنا تراجع الدعم الدولي لثورة الساحات والذي اقتنع أخيراً بأن ما يحدث في اليمن انتفاضة مطلبية- لا ثورة مصرية، واعتبارها أزمة سياسية معقدة تتطلب حواراً جادا بين الفرقاء وانتقالا سلميا ودستوريا للسلطة، لا انقلابا جذرياً يسلم البلد لقوى تدور حولها الشكوك.. لأن تلك الثلاثية التقليدية هي المتهمة الأولى أمام العالم بأنها الحاضن الرئيسي لأنصار القاعدة في المناطق القبلية، فلولا الدعم القبلي والصولي لما استأسدت القاعدة، بل لولاه لما اعيق المشروع التقدمي لليمن.. فهل انقلاب الجنرال مع المرشد و"امشيخ" كان غباء سياسيا؟ أم دليل دهاء؟
صحيح انه كان اكثر الناس اقترابا من الرئيس ودرس في مدرسته الجامعة طيلة 33 عاما.. لكنه لم يتعلم درسا واحدا من ذكائه السياسي الذي أوقعه في الفخ..
مشكلة الجنرال أنه يتعامل في تصريحاته وبياناته بعقليته العسكرية القتالية دون إعمال للفكر والعلم، لذا يقع في مطبات فاضحة.. لا يوجد من يرشده إلى أن كثرة ترديد اسم القاعدة وإقحامها في كل بيان وفي أي مناسبة والتماس العذر لها يدل على حالة نفسية مرتبكة وشخصية مهزوزة لمتهم مشبوه لا يصرف التهمة عنه بقدر ما يلفت الانظار إليه.. فقد تحول من قائد عسكري يفترض ان يحمل السلاح ضد القاعدة إلى منظر ومحلل سياسي يفلسف أسباب ومبررات وجودها ويبحث عن شماعة يعلق عليها خطيئته ويلتمس لها العذر في كل تصريح، لا لشيء إلا ليزيل التهمة عنه.. في الوقت الذي ينتظر منه العالم ان يكون في ميدان المعركة بجانب الجيش لاقتلاع القاعدة من اليمن، وإنقاذ العالم من شرورها!! فهل بعد هذا ينتظر ثقة دولية أو حتى محلية- تمنحه وسام الشجاعة والبطولة الثورية؟