لحج نيوز/كتب:عبدالرحمن العواضي - في مدينة "باندونج" الإندونيسية اجتمع عام 1955م ممثلون عن (27) دولة آسيوية وأفريقية بينهم زعماء ليعلنوا للعالم نواة دول عدم الانحياز التي هدفت إلى البقاء خارج صراع القطبين السوفيتي والأمريكي.
لكن هؤلاء ومن التحق بهم من دول العالم الثالث عجزوا في واقع السياسة الدولية عن التزام حقيقي بالحياد بين القوتين المتنازعتين، حيث مالت هذه الدول أو تلك بدرجة أو بأخرى لإحدى القوتين.
وفي حين جذبت الأيديولوجية الشيوعية "الماركسية- اللينينية" العديد من دول العالم التي تبنت الأسلوب السوفيتي الشيوعي ومن ثم التبعية للسوفيت، وبين الدول العربية التي تبنت النهج الشيوعي بشكل صريح الشطر الجنوبي لليمن آنذاك.
في المقابل كانت الليبرالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية " أيديولوجية غير متماسكة نظرياً، ولا محددة المعالم عملياً ، فسادت الفلسفة البراجماتية "النفعية" ثقافة وسياسة العالم الغربي باعتبارها أمريكية المنشأ وبالتالي الأكثر تأثيراً في إدارة الصراع.
وعمدت الولايات المتحدة إلى استخدام عديد أدوات في مواجهة العقيدة والمد الشيوعي ومن بين تلك الأدوات استغلال ونفخ النظرة السلبية للماركسية إلى الأديان بما فيها الدين الإسلامي، وعملت على خلق ودعم حزام ديني من الحركات الإسلامية على الخاصرة الجنوبية الغربية للنفوذ الشيوعي وبذات الوقت حول وفي مناطق أول وثاني احتياطي نفطي في العالم بالخليج وقزوين، فاستخدمت حركة الإخوان المسلمين السنية وحركة الخميني الشيعية، واستفادت من السلفية الوهابية وجاء التدخل العسكري السوفيتي المباشر في أفغانستان نهاية السبعينات فرصة لاستنزاف القوة الشيوعية السوفيتية وبالفعل استغلت المخابرات الأمريكية مقولة الجهاد ضد السوفيت الملاحدة، وساهمت مع الدولة الميالة لها في المنطقة العربية في فتح الأبواب أمام حركة الإخوان المسلمين وفروعها لتفويج المجاهدين إلى أفغانستان ، ومن هؤلاء كون أسامة بن لادن تنظيم القاعدة.
إخوان اليمن :الحاضن للقاعدة
بعد انتكاسة 1967م وهزيمة العرب من إسرائيل انحسر التيار القومي العربي لصالح المد الإسلامي ولم يكن اليمن الشمالي"سابقاً" ذلك الحين بدعاً من ذلك. فظهرت أصوات الإسلاميين لا سيما الإخوان المسلمين، ولم يجد نظام الحكم أيام الحمدي بداً من الاعتراف بالإخوان كواقع بل والدعم عبر السماح لهم بفتح المعاهد العلمية " معاهد دينية".
ولظروف تغلغل الماركسية في الجنوب ومن ثم سيطرتها ممثلة بالحزب الاشتراكي على الحكم هناك ومد عينيه إلى الشمال، إضافة لحسابات إقليمية متصلة بالسعودية "الوهابية" ، ترسخ التحالف بين النظام الحاكم وبين الإخوان المسلمين.
وشكل إنشاء الجبهة الوطنية الديمقراطية ذات الاتجاه اليساري والمدعومة من الجنوب، وقيامها بأعمال مسلحة في الشمال عاملاً حاسماً في دمج الإخوان في نظام الحكم في الشمال واستيعاب العديد من كوادرهم في أجهزة الدولة المختلفة بما في ذلك جهاز الأمن الوطني "المخابرات".
ومع انطلاق الصراع في أفغانستان كان شمال اليمن"سابقاً" إحدى الدول التي فوجت المجاهدين إلى هناك من خلال التغاضي عن رجال بن لادن في اليمن وأغلبهم من القيادات الإخوانية وساهم رجالهم في الأمن الوطني بتسهيل سفر المجاهدين بصور مختلفة منها ما عرف في الثمانينات بـ"بيوت الشباب" في بعض المحافظات كمراكز لتجميع وتسفير الراغبين في الجهاد، وكان الكثير منهم منتمين لحركة الإخوان المسلمين التي رأت قيادتها استغلال الحرب الأفغانية لتقوية الكيان العسكري للحركة.
بانتهاء الحرب الأفغانية نهاية الثمانينات، وعقبها انهيار الاتحاد السوفيتي تحول المجاهدون الأفغان إلى خطر بنظر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين ، فبدأت بممارسة ضغوطها على الدول العربية بفك الارتباط مع الأفغان العرب، غير أنها لم تصل إلى حد حاسم إلا عقب الاعتداء الأمريكي الغربي على العراق، وإعلان زعيم القاعدة أسامة بن لادن استهداف المصالح الأمريكية، ومعاداة الأنظمة العربية والإسلامية المساندة لها.
وفي اليمن بعد إعادة الوحدة بداية التسعينات وجد النظام الحاكم سابقاً في الشمال - وشريك الاشتراكي أثناء الوحدة - نفسه واقعاً بين ضغوط الخارج، وبين ظروف المرحلة الانتقالية (90-1993م) وعمق التحالف مع الإخوان المسلمين " الإصلاح بعد الوحدة"وانعكاسه على الأفغان اليمنيين " اليمنيين العائدين من أفغانستان" ورأى أن من مصلحة البلد التخلص التدريجي من الأفغان اليمنيين "ما بات يعرف بالقاعدة" وكسر تداخلهم مع حركة الإخوان الحليف القديم، والمعتدل إلى حد ما، بنظر النظام الحاكم، خصوصاً بعد أن طالت عمليات القاعدة – تحت مسميات مختلفة – اليمن بدءاً بالهجوم على فندق عدن 1992م وتفجير منشآت نفطية في عام 1994م ، مروراً باختطاف وقتل سياح أجانب في 1998م بأبين وصولاً إلى الهجوم على المدمرة الأمريكية في أكتوبر 2000م وما تلاه من استهداف مصالح غربية ويمنية.
وإثر حرب صيف 1994م وتحديداً 1995م قامت السلطات اليمنية بحركة ترحيل واسعة للأجانب من اليمن معظمهم من الإسلاميين والأفغان العرب، الذين وجدوا من الأزمة السياسية إبان المرحلة الانتقالية وانتخابات 1993م فرصة للنشاط في اليمن وبالفعل تواجدت عناصر من تنظيم الجهاد المصري والجماعة الإسلامية المصرية وحولته إلى مرتكز لها، كما وطد أسامة بن لادن علاقاته مع عبدالمجيد الزنداني وطارق الفضلي، وساهم في إنشاء سبعة معاهد علمية في لحج وعدن، وتبرع ببناء الجامعة الإسلامية في تعز ، واتُهم بأنه كان وراء افتتاح عدد من المعسكرات التدريبية للأفغان العرب في صعدة.
ورغماً من ذلك ظلت السلطة مثقلة بتحالفها الاستراتيجي مع الإخوان المسلمين" الإصلاح" وعاجزة أيضاً عن تفكيك علاقات لبعض قياداتهم بالجماعات الجهادية بما فيها القاعدة ولم تتنفس الصعداء إلا مع إعلان أمين عام الإصلاح حينئذ محمد اليدومي عن موت التحالف الاستراتيجي أول العقد الماضي.
الجنرال على الخط
في الظروف العصيبة التي انتخب فيها الرائد علي عبدالله صالح رئيساً لليمن توقع وجهاء قبيلة سنحان ألا يستمر الرجل طويلاً فوقعوا عهداً بأن يخلف صالح في الحكم الضابط علي محسن القاضي ( الأحمر ) رفيق صالح في الجيش وابن قبيلته، وكان للجنرال محسن دور بارز في إفشال الانقلاب الناصري على صالح عام 1979م، ما رفع رصيده لدى الرئيس.
ولعل ذلك هو ما جعل الجنرال يعتقد بنديته للرئيس مع أنه كان بحق الرجل الثاني في الدولة اليمنية لمراحل عديدة.
ومن هذا المعتقد انطلق محسن في تكوين تحالفاته الخاصة مع شيوخ قبائل واستثمر ميوله الإخوانية ليشكل قناة الحاكم وذراعه في التحالف مع الإخوان وإعطائهم الامتيازات والأموال، واستفاد من موقعه كقائد فعلي منذ سنوات طويلة لأحد أهم فصائل الجيش "الفرقة الأولى مدرع" في تجنيد كوادر الإخوان ومنحهم الرتب العسكرية والمرتبات والسيارات والمخصصات وغيرها، ومن خلالهم كذلك مد علاقاته إلى الجماعات الجهادية وعناصر القاعدة بل وتجاوز ذلك لإقامة ارتباطات مستقلة بالجهاديين عززها بمصاهرة طارق الفضلي أحد القيادات القاعدية المعروفة.
واستغل محسن موقعه كضلع مهم ومحل ثقة في السلطة في إقناع الحاكم أن تحالفاته الخاصة موظفة لخدمة النظام، الذي لم يجد بداً من مسايرة الجنرال القوي وبذات الحين العمل على تفكيك قوة محسن، حتى قرر الأخير المواجهة واستخدام تحالفاته الخاصة مع الإخوان وبعض شيوخ القبائل وعناصر القاعدة كأدوات لإنهاء حقبة صالح.
واليوم مع تفجر الأزمة في اليمن ما زالت الأوراق غير واضحة، والمستقبل مجهولاً، وخارطة القوى القادمة مبهمة، بيد أنها بالتأكيد ستكون محصلة لهذا التاريخ من العلاقات، والتحالفات وبالأخص استمرارية أو تجزؤ ثلاثية الإخوان النظام، أمريكا ومن ورائها السعودية والخليج. |