|
|
|
لحج نيوز/كتب:آمال عوّاد رضوان -
أقامَ منتدى الحوار الثّقافيّ يومَ الخميس الموافق 2011/3/3 ندوةً، في جاليري مركز التّراثِ في الكرمل، ناقشَ فيها روايةَ "أحداث نيفارا"، للكاتب الأمريكيّ بروفيسور ويليام. أ. كوك، التي ترجَمتها إلى العربيّةِ الأديبة سعاد قرمان. افتتحَ اللّقاءَ الشاعر رشدي الماضي بكلمةٍ ترحيبيّةٍ بالحضور، ثم تحدّث د. فهد أبو خضرة عن أهمّيّةِ التّرجمةِ كإطلالةٍ فاحصةٍ على الآخر، وإضاءاتٍ عن الكتاب حولَ أسلوب الرّوايةِ والرّمزيّةِ كنوع من التشويق والتمويه خوفا من السلطة، ورغم أن الكاتب نوه إلى أنها خيالية، إلاّ أنّها جدًّا واقعيّة تحكي عن واقعِنا الفلسطينيّ الإسرائيليّ.
مداخلةُ الشّاعر والفنّان د. سليم مخّولي: "الثّوابُ والعقابُ في أحداثِ نيفاريا":
"أحداث نيفاريا" روايةٌ ترجمَتها عن الإنجليزيّةِ الأديبة سعاد عبد الرؤوف قرمان، الطبعة الأولى 2010، إصدار دار الشروق للنشر والتوزيع رام الله، للكاتب ويليام. أ. كوك أستاذ اللّغة الإنجليزيّة في جامعةِ "لا فيرني" La Verne في كليفورنيا، مِن كتبِهِ: الأملُ المُحطّم، العدالةُ المحرومة، اغتصابُ فلسطين، مزامير للقرن الواحد والعشرين، ملاحقة الخداع، سياسة بوش الشرق أوسطيّة.
بينَ الحقيقةِ والخيال كثافةُ شعرة، فعندما يَرقى الواقعُ إلى الخيال يتسامى بهِ الفكرُ في شموليّةِ المعنى، ليُلامسَ أطرافَ نبوءاتٍ علويّةٍ لم تكن سوى شؤونٍ صغيرةٍ متراكمةٍ مدفونةٍ في حنايا النّفس، حجَبتها رياحُ الزّمن بغبارٍ يتكاثفُ تحتَ وطأةِ الهموم اليوميّةِ وسرعةِ عبورِنا عنها، ننظرُ فيما حولنا آبهينَ أو غير آبهين أحيانًا، وعندما ينزلُ الخيالُ مِن عليائِهِ إلى أرض واقعٍ نعرفُه ونعيشُهُ، ينكشفُ ما كان مستورًا تحتَ غبارِ الزّمن، هنا وهناك في ميادين تركضُ خيولُها في ساحاتِ النّصر، لها معجبونَ مُصفّقون، عابرة على أجساد تسحقُها حتى الموت بلا رحمة، حتى يصرخَ الخيالُ بهذا الواقع اللّعين المرير. لم ينتبه الذاهبون مع هذا السّقوط في طريق الهاوية إلى أيّ جحيم ينزلقون، حتى يأتي ناظرٌ مِن فوق يقرعُ الجرسَ في آذان الغافلين في غِيّهم، يدعوهم إلى الصّحو ويقول انتبهوا!.. فهل يُسمع صوتُهُ ويُثمرُ صِدقُ تحذيرِه؟
في الكتاب رسالةُ نبوءةِ الإنسان بحقّ الإنسان في الحياة، خيالٌ يصرخ في وجهِ واقع بكلّ جنونِهِ ونزواتِهِ، الظّلم والغطرسة والقتلُ والدّمار وخبايا النفس الشّريرة المتعالية التي لا رادعَ أمامَها في طريق السّلطة والسّيطرة، مقابل الرّوح الملائكيّة في العمل الإنسانيّ الذي ينمو في عالم المسحوقين، لا لشيءٍ سوى استمراريّة الحياة، بمعنى الحياة كما نريدُها طبيعيّة نفرحُ فيها.
يهدي الكاتب كتابَهُ "إلى جميع الذين تعذبوا ويتعذبون على أيدي المُخادعين والقساة والمخبولين"، ويقولُ لنا: "في هذا الكتاب قصّة خياليّة، كلّ الأسماء والشخصيّات والحوادثِ والأماكن هي مِن نتاج مخيّلة المؤلف"، لكن القارئ مِن حين عبورِهِ في الصّفحاتِ الأولى لا ينتظرُ طويلا، حتى يرى أنّ هذا الخيالَ في القصّة له أرجلٌ تُغرَزُ عميقًا في أرض واقع مألوفٍ مريرٍ نراه ونسمعُهُ ونشعرُ به ونعيشه، هو هاجسُنا وقضيّتنا ومأساة عصرنا. هنا وفي كلّ مكان حيث يوجدُ احتلالٌ بجنودِهِ وشرورِهِ، بطش وقتلٌ ودمار، جورٌ وإذلالٌ وإلغاء الآخر باسم العِرق والدّين، تتحكّمُ به نزواتُ النّفس الشّرّيرة، ويبقى السّؤال، إلى أين تقودُنا يا ظلام؟ وتأتي النّهاية أخيرًا، التي تسيرُ منذ البدايةِ في مسيرة "الثّواب والعقاب"، سوداءَ قاتمةً في انهيارٍ كبيرٍ وسقوطٍ في منزلقِ الهاوية، إلاّ إذا نجحت الملائكة في غنائِها الرّحيم!
يُبحرُ الكاتبُ عميقًا في أغوار النفس والفكر البشريّ، يُحلّلُ ويُفسّرُ الإيمان الزائف، يأسى لحال المسحوقين والمظلومين في الأرض، ويكشف نوايا ونزواتِ العتاة والسّياسيّين الكذبة والسّلطويّين النفعيّين إلى آخر ما في جرابهم مِن شرورٍ وجرائم، ويسردُ الكثيرَ مِن الحوادثِ وألوان الظلم والقتل والدّمار للرّازحينَ تحت نير الاحتلال، ويكتبُ شعرَ نبوءاتٍ وصلاةٍ ودعاءٍ وأغانٍ سماويّة، كلّ ذلك بأسلوب مؤثّر شيّق، يستعرض حقائق مؤلمة بجدّيّةٍ رصينةٍ وسخريةٍ لاذعة، بوصفٍ رشيق جميل وخيالٍ شاعريّ يشدّ القارئَ حتى النهاية.
سبعة فصول الكتاب هي سبعة أيام "موسم الغفران والعقاب"، فيه تذهبُ جموع "الحجّاج" المُصلّين "النيفاريّين" إلى معبدهم كلّ يوم في نهاية السّنة وِفقَ طقوس دينهم، كما ورَدَ في كتاب "الأحكام"، في حين أنّ "أبا الشعب" القائدَ العظيم بعد عمليّاتٍ جراحيّةٍ لم تنجح أن تعيدَهُ إلى الحياة، يرقدُ في غيبوبةٍ منذ زمن طالَ أمدُهُ حتى تخلى عنه الجميع، مُهمَلاً في غرفتِهِ في المستشفى مُعلّقًا مع الأجهزة الطبّيّةِ بين الحياة والموت، فلا هو حيّ بين الأحياء ولا ميت ليُدفن، كأنّ الأرض ترفضُهُ "لكثرة شرورِهِ"، "فهو أضعف من أن يصحو وأشدّ لؤمًا مِن أن يموت"، تعتني به الممرّضة طيّبة القلب "هوميليا" التي لا تتخلّى عن إنسانيّتِها، وهي من الشّعب البسيط، شعب "إليوسيا" الذي يحتلّ أرضَهُ "النيفاريّون" ويسحقُهُ جنودُ هذا القائد العظيم، الذين حطّموا رجْلَيْ والدها وتركوه مُقعدًا! يا للمفارقة!
هنا تكمنُ مقدرة الكاتب الذي جمع الأضداد والمتناقضات في مكان واحد، في حوارٍ صامت، بل حوارٍ مع الصّمت يمتدّ حتى نهاية القصّة هو محورها. يسردُ الكاتبُ بوصف دقيق تفاصيلَ كثيرة عن الأماكن والأحداث، ممّا لا يترك شكًّا أنّه يعرف جيّدًا أوضاعَ الحياة عند الإليوسيّين. الجدار "السّجن"، بارتفاع 24 قدَمًا يتلوّى بين البيوت، ويفصلُ الأرضَ عن أصحابها، الحواجز والتفتيش والإذلال على المداخل والطرقات، التصاريح مِن قوّات الأمن ومنع التجوّل، مصادرة الأرض بحجج أمنيّة، فإنّ نيفاريا التي قامت على أرض الإليوسيّين ما زالت تلاحقهم على ما تبقّى لهم من أرض، الجرّافات وهدم البيوت، وتلك الجرّافة التي قتلت متضامنة أجنبيّة وغيرها الكثير، كما أنه يصفُ جيّدًا حالة المخيّم المزرية، الفقر والقهر واليأس ممّا يدفع البعض للانتقام بعمل انتحاريّ، أو إلقاء الحجارة وإطلاق صواريخ تبدو كلعب الأطفال أمام الآلات الحربيّةِ المتطوّرة الحديثة، ليقولوا للنيفاريين إنّنا هنا على أرضنا نعيش!
يصفُ البلدة القديمة في المدينة "ديسبيريا" داخل الأسوار بأزقتها الضّيّقة، الجنود يجوبون الشّوارع وعلى السّطوح، مضايقات "الحجّاج" للسّكّان والسّخرية منهم والاعتداء عليهم يحرسهم الجنود، لدفعهم على ترك منازلهم والرّحيل، الجامع الذي لا يُحافظ على حرمتِهِ، أمّا خارج السّور حيث المستشفى الذي تقصده هوميليا للعناية بمريضها، هناك ترى الفارق الكبير عمّا هو داخل السّور، حيث أرصفة نظيفة لدكاكين دائمة التجديد بمعروضاتها الثمينة والشوارع الواسعة والمدخل الرّخاميّ المقنطر وغير ذلك، ممّا يدلّ على أنّ الكاتب لم يخلق شيئًا مِن لا شيء في قصّته الخياليّة هذه، كما أنّه يعرف جيّدًا طباع ومعتقدات النيفارين ويشرحُهُ بدقة بصورة تحليليّة، وهذا هو الموضوع المركزيّ والهامّ لمحور الرّواية، تتحرّكُ به وحوله الأحداث، يجري به السّردُ مِن الصّفحات الأولى حتى النّهاية في فكرة الغفران والعقاب.
هذا القائد المُسجّى بلا حركةٍ فاقد الحواسّ إلاّ حاسّة السّمع التي توقظه عند سماع أيّ صوتٍ فيعودُ لوعيِهِ مِن حين لآخر، يسمعُ الأصوات حوله وكلّ ما يُقال عنه ولا يستطيع أن يتجاوب معها، فهو مُكبّلٌ لعذابهِ في جسدِهِ الميت، يسمعُ كلامَ مَن كانوا تحت إمرتهِ، تهكّماتِهم وسخافاتهم، وكلام الطبيب الذي كان منافسه، غير المبالي الذي يسخر منه، كلام المنافقين والسّياسيّين الذين جاؤوا ليطمئنوا إن كان ثمّة جدوى لوجوده بعد؟! ويتعذب! يسمع صوت هوميليا وغناءَها وحديثها مع مساعدتِها كاريتا، وهي إليوسيّة أيضا، وهذا عذابُهُ الآخر أن يعتني به مَن يحتقرُهم، في حين ترَكَهُ الجميعُ حتى أهل بيته!
القائد العظيم صاحب السّلطة والسّطوة أصبح وحيدا، الوحدة في سجن جسدِهِ الميت، لكنه يجدُ بعض عزائِهِ في صوت هوميليا الملائكيّ فيأنس لها، بل يثني على جرأتها حين تصدّت للطبيب الذي سخِرَ منه وهي تدافع عن حق مريضِها بالعنايةِ اللازمة!
شخصيّتها الشّجاعة نابعةٌ مِن قدرتِها على الإحساس مع الناس، من طبيعة الإنسان الصّادقة في عملها في الحياة، فهي لا تنحني مثل النيفاريّين الانتهازيّين الزاحفين على وجوهِهم من أجل مكاسبِهم، وهو واحد منهم بل على رأسهم.
وفي بيت الموتى الصّامت الذي هو فيه يشعرُ بما لم يفكّرْ به قبلا أنّ "عجرفته هي دليله"، وهو يعرفُ دوافع النيفاريين، أيّ خوفٍ وراءَ طموحهم، "أيّ ثِقلٍ يحملون خلالَ قرون مِن العذاب والعنف، يحملون أسلافهم على ظهورِهم مُثقلين بآلامِهم وذنوبهم، وأيّة رغبةٍ في الانتقام تضطرم في أرواحهم، أيّ شعور بالنقص يدفعُهم لتدمير ودفن أي شعور بالذنب"، فقد غمرَهُ الخوفُ الذي يمتلك مَن يتعرّضون بالأذى والقتل والتشريد مِن بلد لآخر محتقرين مِن الجميع، وهو يعرف جيّدًا تأثيرَ هذا على النفس، فقد ذاقَ العذابَ وسخريةَ الأولاد منه صغيرًا، كما عرف الرّعبَ والألمَ عندما أطاح الانفجارُ بابنِهِ في الحافلة، ومِن حينها وهو يطلب الانتقام ككلّ نيفاري تعذب، "والانتقام يتغلب على الرّحمة والشفقة".
نفسُ الدّوافع للانتقام جعلت إسماعيل أخ هوميليا يلتحقُ بصفوفِ المقاومة في جنوب إليوسيا، غيرَ أنّه يسيرُ في طريق آخر هو الشّهادة مع جمعيّاتِ حقوق الإنسان، ليفضح انتهاكات الاحتلال ويوصلَ صوت شعبه إلى العالم الأخرس، لكنّ الاحتلالَ يَنشرُ تقاريرَ مزيّفة تقلب الحقائق، صوتها يعلو على صوت الضعفاء. والمريض الرّاقدُ في قبر جسده هو المزيِّف الكبير في تقاريره، هو الذي بعث الكثيرين إلى قبورِهم بحروبِهِ بحججٍ كاذبة، مُنسّقًا ذلك مع صديقه "إمبراطور الولايات المتّحدة الاشتراكيّة", الذي يرعاهُ ويؤازرُهُ بكلّ أعمالِهِ وطمْسِ الحقيقة عن العالم، بما يدّعيهِ بأنّ شعبَهُ ضحيّةُ الإرهاب ويواجهُ خطرَ الإليوسيين.
المريض المُثقل بالحقدِ والكراهيّةِ والغدر وعدم الشعور بالندم على فظاعة أفعاله، غرسَ هذه المفاهيم في نفوس النيفاريّين والحجّاج خاصّة، فهو الذي دشّن طقوسَ العبادة في أسبوع الغفران والعقاب، فصار المؤمنون "يجدون عزاء في كثافة شعائرهم الدّينيّة القديمة، فهي تُوحّدُهم بغضّ النّظر عن التغييراتِ التّاريخيّةِ والتّقدّم العلميّ"، وهذا الغشّ يؤكّدُ له أنّ لقب "شعب الله المختار" يضمنُ طاعتَهم العمياء ونجاحَهُ الأكيد.
يوضحُ الكاتبُ أنّ "الخوف مِن الثواب والعقاب المطلق يخدمُ غاياتِ السّلطةِ الدّينيّة والحكومة"، وقد كان هذا المفهوم مدفونًا في مخطوطاتٍ باليةٍ مِن البردي اكتشفت قبلَ ستين عامًا؛ هي نبوءاتُ كتاب الدّينونةِ للنبيّ "ثورثانا" الذي عاش قبل 3500 سنة، فيها يُحذّرُ مِن غضب الله والعقاب المُريع الذي سيحلُّ في يوم الدّينونةِ، على الذين اقترفوا الجرائمَ على أبناء جنسهم، ولا تتجاهلها العدالة.
في مسيرة الاعتراف في شارع "بيوكريسز" يتمايلُ الحجّاج يمينًا وشمالاً، معاطفُهم السّوداءُ تتمايلُ بنفس الإيقاع، يضربون صدورَهم بقبضاتِ أيديهم على إيقاع صوت الطبول، يتساءلُ المريضُ الذي يصحو على قرع الطبول "بماذا أعترف؟ هل أتحمّلُ أخطاءَ هؤلاء الحجّاج؟ وهل يحملون خطئي؟ ما هي الخطيئة؟ إذا كانت أعمالهم حصيلة وجودِهم هنا، وأنا الذي أحضرتهم ولولا ذلك ما اقترفوها." ويمضي يتساءل إذا كانت الأحداثُ السّياسيّة سببَ الخطأ، ولكن مَن يهتمُّ ومَن يُحاسِب! "أنا الذي جعلتُ كتاب الدّينونة لثورثانا أساسَ هذا الموسم، إذن هل إلهي إلهُ الدّينونة؟ ما أسخفَ أن تتحوّل المعتقداتُ إلى لبِّ الحقيقة إذا ما كانت المعتقدات باطلة!"
على النّقيض يأتي غناءُ هوميليا العذب وهي تعتقد أنّ المريض يسمعُها: "سأمدح كلّ مخلوقات الأرض/ مِن أعماق قلبي/ سأتكلّم عن أعمالِكم الرّائعة/ سأفرحُ وأسعدُ معك/ وأتغنّى بحمدِك أمام كلّ الشعوب/ لن يكون لي أعداء بين الناس/ لن يتعثّر أو يهلك أحد أمامي/ لن أقاضي أو يقاضيني أحد/ ولن يكون لي ربّ يُحاسِب/ ويوبّخ أو يُدمّر شعوب الأرض/ ويحرمهم الحياة/ ليُمجّدني فوق الجميع".
غناؤها الحلو يوقظه، لكنه يشعرُ كأنّ هذا الإله الّذي تتوجّهُ إليه يسخرُ منه، فهو ليس له سوى أعداء منتشرين في العالم، ويعمل عكس الأغنية تمامًا، في عالم مجرّد مِن الرّحمة، "الظلام في العالم ليس لغزًا ينبعُ مِن الغاباتِ وشرور الأفاعي، إنه أنا". هوميليا وكاريتا تغنيان معا"
سوفَ تلحق بإخوتِكَ وأخواتِك/ بالحبّ سوف تلحق بهم/ لأنك ستعلم أنّ الحياة قصيرة/ والأمراء وكلّ السّلاطين كالنّاس/ لديكم لحظة واحدة من الزّمن/ لتعبدوا بعضكم، وأنتم ترتجفون/ قبل نهاية الوجود.
لتعبدوا بعضكم وأنتم ترتجفون! ما أروعه من تعبير شاعري!
لكن في فكر المريض تسيطر القوّة، هي التي تُعبد، فهو لم يشعر بالقرب مِن أحدٍ خلال خمسين عامًا، ويفكّرُ أنّ هذه أغاني الضّعفاء والشّحاذين الذين يعيشون على الأحلام، وأنّها نفس الأغاني التي كان يغنّيها النيفاريّون المُشرّدون قبل أن يصير لهم وطن! وهذه المشاعرُ السّاذجة لا توجد لدى الوحوش؛ الذين مصلحة الذات عندهم هي الدافع لشهواتهم وليس الرّحمة، "فالرحمة ضعف"... تغنّيان:
يا أصدقائي، تَعلّمنا من ماضينا/ الدّمار يُولّدُ دمارًا/ حطام وخراب على أطفالنا/ وأطفال أطفالنا/ ما كان لن يعود/ (العين بالعين والسّنّ بالسّنّ)/ طريق الفناء لمن يُدمَّرون/ والذين يوقعون الدّمار بالآخرين...
عند سماع هذه الأغنية يرى المريض الشبه بالحشرة والمبيد، "لكن هذا المبيد لا يبيد المساجد والبيوت وأهل إليوسيا فقط، إنّما أحشاءً روح نيفاريا أيضًا. هذا الخوف من اضطهادِنا الفطريّ صار عندنا فضيلة جبّارة تحوّلُ الكُرْهَ والاضطهادَ إلى مكافأةٍ مُنحتْ مِنَ الله إلى "شعبه المختار". الشّرّ يُثمرُ فضيلة!.. أعرف أني خلقت في نفوسنا أرضًا قاحلة ومكانًا عقيمًا لا رحمة فيه ولا رضا، مجرّد خوف يتقيّح باستمرار، خوف ليس من الآخرين فقط بل من نفوسنا".
يعرفُ أنّ قصّته أكذوبة خلقها لهذا الموسم، وأنه يكذبُ على القادة والإمبراطور حين يقولُ إنّنا ضحايا من يكرهوننا، فهو الكارهُ للآخرين، ويكذب على الصّحفيّين المأجورين ويُلفّقُ ما ينشرون لخدمة أهدافِهِ. "الصّدقُ للعالم هو صدقي، لعلّ ما عملتُهُ لروح النيفاريّين هو كالابتلاء بخلايا سرطانيّةٍ تتكاثرُ وتنتشر في الجسم وتفسدهُ مِن الدّاخل، ويصبحون مثلي الأحياء الأموات"!
ويجعلُ الكاتبُ المريضَ يستيقظ في حُلمِهِ، فيرى نفسه في مكان واسع كأنّه كنيسة قديمة، شموع مضاءة وجموع في ثياب بيضاء محتشدة حول نعش ورؤوسهم محنيّة، ولحن حزين يملأ سمعه، يرتفع بنظره نحو القبّة الواسعة، فيرى نفسه هناك ينظر من عَلٍ إلى الجموع المحتشدة، فيعرفُ أنّ المُسجّى في النعش هو نفسه بوجهه الرّخاميّ الميت وثيابه البيضاء. من الباب يدخل شبح بثيابه السّوداء على رأسه قلنسوة، يبدو كأحد أولائك الجلادين الذين كانوا في محاكم التفتيش في العصور الوسطى، يشعر أنه يعرف ذلك الشبح بإحساسه دون أن يراه، فيندفع ليلمسه ويتعرّف عليه فيخترقه! وتأتي المفاجأة في لحظة مخيفة، إنها هوميليا! تقترب مِن النعش وأضواء الشموع تنيرُها، تنظرُ إلى وجهه المنتفخ، تلمس عينيه المغمضتين وفمه "وترفع رأسها ببطء باتجاه القبّة كأنّها تعرف أنّه واقف هناك يرقبها في الأسفل، وبهدوءٍ تقرأ ترنيمة لم يسمعها منها في السّابق، يكاد لا يسمع صوتها الخافت وإنّما صداه إذ يرتدّ إليه برفق "ما عدنا غرباء".
في هذا المشهد المسرحيّ الرّائع يصوّرُ الكاتب حال الإنسان في نهايته، حال الموت الذي يتساوى فيه الجميع، "ما عدنا غرباء"، لا أحد غريب عن الآخر، كما أنّ الناس جميعًا خلقوا أطفالا متساوين، لكن التعاليم والمعتقدات الباطلة التي يُلقّنها الكبار لصغارهم تسير بهم في شعاب الغربة، وتكون النهاية المريرة التي يُحذّرُ منها الكاتب، ويتجلّى خيالُ الكاتب وفِكرُهُ في الفصْليْن الأخيريْن، فأيّ حذفٍ أو تلخيص لا يُغني عن النّصّ المُتكامِل بمضمونِهِ وقوّة تعبيره، أتركه لمتعة القارئ.
أمّا النّهاية فلا بأس لاختزالِها للذين يودّون معرفتها، فهي انهيارٌ عظيم ربّما وفق نبوءة ثورثانا، يراه المريض في حُلمِه؛ إذ يسير في موكبه الملكيّ مُتوّجًا بالعظمةِ في دسبيريا المدينة المقدّسة، حتى يخرج والجموع وراءَهُ إلى أرض الإليوسيّين، يسير بين التلال بمحاذاة الجدار السّجن الذي يبدأ يتحرّك يكادُ يُطبق عليه، تتحوّلُ جموع الحجّاج النيفاريّين وراءه إلى موكب جنائزيّ يجرّون التوابيت، قطار من التوابيت، مِن البيوت على الجانبيْن تخرج هياكل عظميّة تُلوّحُ بأعلام الإليوسيّين الخضراء، وعندما يصلُ قمّة التّلّ الذي يشرفُ شمالاً باتّجاه "جوّيًّا"، يلتفت ليرى منظرًا مقزّزًا حيث يعجّ الحجّاج كالدّيدان يزحفون على الهياكل العظميّة والبيوت الخاوية، يسمع عويل ونواح المقلنسين الذين يحملون التّوابيت، تتحرّك قطع الجدار كالأشرعة تكتسحُ التلال وتنحدر إلى الوديان كاسحة الأشجار والبيوت والحجارة والرّمال أمام ضخامتها، تقترب وتكبر وتعلو أهوالاً إسمنتيّة تحوّلُ النّهارَ إلى ليل، وتدفن في جوفها كلّ ما يقابلها، يلتفت إلى مدينته دسبيريا ويلمحها وهي تغوص في الرّمال في هدير صاخب من الرّياح والبرد، والحجّاج ينزلقون إلى الوراء عبْر الشّوارع والممرّات، أذرعهم تلوح وسيقانهم تنزلق تحتهم في الهوّة التي خلّفها الجدار، وحيث دسبيريا باعثة من الأسفل غيومًا مِن الغبار، ويسمع نواح المؤمنين وهم يرتمون في الهاوية التي تنادي الحجّاج إلى مصيرهم المحتوم.
نهاية مأساويّة كما في زلزال عنيف، تفتح الأرض شدقيْها وتبلع كل ما عليها، هي نهاية "المخبولين" الذين يجرون لدمار الآخر ودمارهم معا! الذين يصنعون إلههم حسب مشيئتهم، إلهًا يخصّهم وحدهم يجعلهم مميّزين فوق الجميع، هي ردّة فعل الخوف والاضطهاد المغروسة في نفوسهم، فيتقوقعون في صدفة الذات كارهين الغير، معزولين عن العالم بلا تواصل ومحبّة، طالبين الانتقام بلا رحمة أو شعور بالذنب، فمهما فعلوا من سيّئات فإلهم سيغفر لهم دائما، ويرقصون فرحًا عندما يطلبونه في نهاية كلّ عام!
يعطي الكاتبُ مقابلَ المعتقدات والمظاهر السّلبيّةِ غير الإنسانيّة صورة أخرى للأنسنة في المودّة والتعامل الرّحيم، يراه الطريق السّويّ يريده أن يكون، يبكّت ويعنّف الذاهبين في غيّهم في طريق القوّة المدمّرة، يُحلّلُ الأحداث من منطلق المعتقدات المتطرّفة الفاسدة، فارضة مسالك وطقوسًا كأنّها الحقّ اليقين لتخدم مصالح فرديّة أو أقلّيّة حاكمة، ويُستغلّ الدّين لخدمة السّياسيّين وكأنه يقول، اِفصلوا الدّين عن السّياسة أيّها الحكّام ولا تستعملوه لتخدير عقول الناس! خاصّة المفاهيم الدّينيّة القديمة التي لا تتماشى مع روح العصر والتقدم العلميّ، تفوح منها رائحة النمطيّة والسّلفيّة البالية "كأننا نحملُ أسلافنا على ظهورنا"، بل موتانا!
ومن منطلق النهج الخاطئ؛ بأنّ على السّلطة تنمية الإيمان الدّينيّ الذي بدوره يباركها ويخدمها فيصبح المسيطر عليها، تنتج الرّجعيّة في مسار الحياة التقدّميّ عند الشعوب، تنمو وتتضخّم العصبيّة الدّينيّة والمقولة: نحن على حقّ وصادقون لأنّنا نحقّق مشيئة الله إلهنا!
كما أنّه يفضح دور الإعلام الكاذب وسيطرة السّياسيّين عليه، الذين يستغلّونه لخدمتهم مثلما يستغلّون الدّين، وهذا عنصر آخر خطير الأهمّيّة لِما في صفحاتِهِ مِن غبار إخباريّ يذرونَهُ في أعين الناس، فلا ينظرون الحقيقة على حقيقتها. فالدّين والإعلام قوّتان في يد الحاكم، يضرب بحدّيْ سيْفيْهما لتحقيق أهدافه.
والكتاب لوفرة ما فيه من تفاصيل وحوادث وشرح وافر لمظاهر الظلم والمعاناة والقهر تحت نير الاحتلال، هو قوّة إعلاميّة عظيمة بحدّ ذاته، خاصّة لمن يقرؤُه في لغتِهِ الأصل، أولائك الذين في بلادهم تصلهم الأخبارُ معلبة منمّقة حسب أهواء كتّابها، وكأنّهم لا يرَوْن ولا يسمعون.
ختامًا، إنّ محاولة استعراض الكتاب في صفحاتٍ قليلة مهما كانت دقيقة وأمينة، لا يمكن أن تُغْني عن قراءة النّصّ الغنيّ بمضمونِهِ والمُؤثّر في أسلوبه، تظهر فيه مقدرة المترجمة والجهد الذي بذلته، فيبدو العمل كأنّه أصلٌ بلغته غيرُ مترجَم، فللكاتب والمترجمة كلّ التقدير لهذا العمل الأدبيّ الهامّ، في زمن نعيشه تقرع فيه طبول الحرب من جديد بعد حروب لم يتلاشَ دخانها بعد، وتشحذ السّكاكين كأنّ البشر خرافٌ في حظيرة أرباب حقّ القوّة وتعاليهم وزيفِ معتقداتهم!
أمّا مداخلة د. منير توما فكانت بعنوان: "الرّمزيّةُ مِن خلال تيّار الوعي في رواية أحداث نيفاريا":
لا يُخفى على القرّاء أنّها رواية رمزيّة وإن كانت تبدو واقعيّة في أحداثها وشخصيّاتها، حيث تتمحور بمعناها وأحداثها حول شخصيّة رئيس وزراء نيفاريا المريض، القابع في المستشفى والمتأرجح في حالتِهِ بينَ الوعي واللاّوعي، وإن كانَ يُصوّر غائبًا عن الوعي، والذي تقومُ بخدمتِهِ ورعايتِهِ ممرّضة مِن الشعب الإليوسيّ، الذي عانى الكثيرَ مِن الممارساتِ القاسية لهذا الرّجل المريض حينما كان في السّلطة، وذلك على خلفيّة العداء التاريخيّ السّياسيّ العسكريّ المتمثّل في احتلال نيفاريا لأراضي شعب الممرّضة هوميليا.
إنّ هوميليا الممرّضة التي تقوم برعاية رئيس الوزراء المريض والعناية به في غيبوبته، دون أن يبدو منها أيّ حقد دفين ظاهر أو مشاعر بالانتقام منه نتيجة معاملته القاسية لشعبها في أيّام حُكمِهِ وسطوته، تُمثّلُ وترمزُ إلى النزعة الانسانيّة والتّسامح الكامن في شخصيّة هذه الممرّضة البسيطة، والتي يرمز اسمُها هوميليا إلى هذه المعاني، مِن حيث أنّ اسمَها مأخوذ مِن الكلمة الإنجليزيّة homely، التي تعني بلديّ أي بسيط وساذج، وهنا تكمن المفارقة السّاخرة irony ، التي يريد الكاتب بها أن يُبيّن أنّ سلوك وتصرّف هوميليا تجاه رئيس الوزراء المريض عدوّ شعبِها، يتطابق ويتماشى مع قوْل السّيّد المسيح: "كونوا حذرين وحكماءَ كالحيّاتِ وودعاءَ كالحَمَام" متّى 10:16. وعليه فإنّ هوميليا تبدو بسيطة وساذجة ووديعة، لكنها حذرة وحكيمة في تعاملها مع هذا الرّجل المريض، الذي تعرفُ تاريخَهُ مع شعبِها، ومن الجهة الأخرى فإنّ تعاملها المتسامح والإنسانيّ مع هذا المريض، يتماثل مع قول السّيّد المسيح: "أحسنوا إلى مُبغضيكم وصَلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم، فتكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السّموات" متّى 5: 43-45.
أمّا زميلة هوميليا في المستشفى فيدعوها الكاتب باسم كاريتا، وأعتقدُ أنّ الكاتب قد تعمّدَ اختيارَ هذا الاسم من منطلق التّرميز، حيث أنّ اسمَ كاريتا مأخوذٌ من كلمة caret الإنجليزيّة، التي تعني علامة ^ في تصحيح المطبوع، وتدلّ على المكان الذي فيه تُزاد الكلمة أو العبارة، وكاريتا زميلة وصديقة هوميليا هي بمثابة المرافقة والمصاحبة المرشدة والمُصحِّحة، التي تضيف إلى منظور ورؤية هوميليا للأمور في تعاملها مع رئيس الوزراء النيفاري المريض، كما أنّها تزيد في تصوّرات وانطباعات وتساؤلات هوميليا، عن الكثير ممّا يتعلّق بتداعيات عملها، وعلاقة ذلك بشعبها الإليوسيّ الذي يتعرّضُ للمعاناة والقهر، وهكذا فإنّ رمزيّة هذيْن الاسميْن توحي بفِطنة وذكاء الكاتب في تصوير ورسم هاتيْن الشّخصيّتيْن المِحوريّتيْن في الرّواية، وتعكسان فنّيّة الكاتب وبراعته في تحريك وتحفيز القارئ ومداعبة أفكاره، بغية التّحليل بعين ثاقبة وذهن حاضر.
إذا انتقلنا إلى التّقنيّة السّرديّةِ في رمزيّة الرّواية نجد أنّها ثلاثيّة الأبعاد، بكوْنِها بَصَريّة وبصيريّة وتعبيريّة، وتظهر فيها طريقة الشّخصيّات العاكسة أو المرايا، حيث تكشف شخصيّات الرّواية نفسها وذاتها للقرّاء، وهي تتحدّث عن شخص آخر، كما يُرى الشخص الآخر مِن خلال وعيها، وهذا ما نلمحه في الرّواية من خلال حوار وحديث هوميليا وكاريتا عن رئيس وزراء نيفاريا المريض، الذي يمرُّ في غيبوبتِهِ وحالته المتأرجحة بين الوعي واللاّوعي شريطٌ مِنَ الذّكرياتِ والانطباعاتِ والمشاعر، حول هوميليا التي ترعاهُ في المستشفى، وكلّ ذلك من خلال تقنيّةِ تيّار الوعي stream of consciousness ، والاسترجاع flash back.
تقنيّةُ تيّار الوعي هذه تُعبّرُ عن الانسياب المتواصل للأفكار والمشاعر داخل ذهن الرّجل المريض، وهي نمطٌ مِن السّرد الحديث، يعتمد هذا الشّكل الانسيابيّ، حيث برعت هذه الرّواية في إبراز تجربة الفرد الدّاخليّة، ولم تقتصر على نقل الأفكار، بل أفسحت المجال أمام الاستبطان introspection ، فنقلت الانفعالات والأحاسيسَ والمشاعرَ والاستيهامات، وبهذا نجد أنّ الاتّجاه هنا في حالة رئيس وزراء نيفاريا المريض، يميل نحو تركيز الواقع في ذهن شخصٍ فردٍ عاجزٍ عن توصيل كاملِ تجربته إلى الآخرين، وبالتّالي يُشكّلُ هذا التيّارُ التّعبيرَ الأدبيّ عن مذهب الأنانة الذي ينفي وجودَ أيّ واقع خارج دائرة الفرد، ويعتبر أنّ الأنا وحدها هي الموجودة، وأنّ الفِكر لا يدرك سوى تصوّراته، ولكن يمكن القول عن هذا التيّار أيضًا، أنّه طريق للإفلات مِن الدّائرة الضيّقة، لأنّه يُتيحُ للفرد الدّخول إلى وعي أفراد آخرين، ولو كان هذا الدّخول وهمًا كما في حالة المريض وتصوّراتِهِ عن هوميليا، وعن تجربتها معه في هذا الوضع.
الاقتباسُ التّالي مِن نصّ الرّواية يُبيّن بوضوح تقنيّات تيار الوعي، خاصّة المونولوج أو المناجاة solilogay :
"آه يا هوميليّتي، ليت الأمورَ غير ذلك. أتمنّى لو أستطيع كرهك كما كنتُ عندما علمت للمرّة الأولى مَن أنت. أن تعتني بي إحدى الإليوسيّات دفعني للجنون. لقد انحضّت الكلمة في معدتي كالأسيد. كنتم شرّيرين أردتم موتي كأيّ نيفاري" ص 69.
وهذه الكلمات تشير إلى عودة رئيس لوزراء النيفاري المريض إلى الماضي، حيث تعكس هذه التّقنيّة انتقال الأفكار من ماضٍ يُمثّلُهُ اللاّوعي، إلى حاضر يُصوّرُهُ الوعي رمزيّا، كما لو كانت أحداثُ الواقع ترتسمُ في مخيلة رئيس الوزراء المريض بين الوعي واللاّوعي، وإن كان النّصّ التّالي يؤكّد غيبوبته:
"هل تدركين كم يكون الوضعُ حزنيا، لو كان يسمع طيلة هذه الأشهر دون أن يتمكّن مِن إخبارنا؟ هل فكّرتِ بذلك أن تكوني حيّة ولكن مدفونة في جسدِكِ" ص 117.
لقد رأينا في حواراتِ هوميليا وكاريتا طريقة السّرد التّقليديّ، ولهذا كان الاسترجاعُ مُنظّمًا، أمّا في طريقة تيّار الوعي التي استخدمت لدى رئيس الوزراء المريض، فجاء الاسترجاعُ فوضويًّا وغيرَ مترابط، مُفعَمًا بتداعي الأفكار والصّور.
ومِن اللّافت أنّه في الرّواية يتجلّى الإحساس بالزّمن في وعي معظم الشّخصيّات، حيث يتحرّكُ وعيُها في الزّمان، بينما الشّخصيّاتُ ثابتة بمكانها، كما أنّ هناكَ تطابقًا وتفاعلا تامًّا بينَ الزّمان والمكان في ذهن شخصيّات هذه الرّواية، وبالتالي لا يمكن الفصْلَ بينهما.
وأخيرًا.. لا بدّ مِن كلمة إطراء وثناء للأديبة سعاد قرمان على الجهد المُضني المحمود، الذي قامت به لنقل الرّواية إلى اللّغة العربيّة، حيث جاءت ترجمتها في غاية الدّقّة والإتقان من حيث اللّغة والأسلوب، بالإضافة إلى الحصافة اللّغويّة وحُسن الإخراج والأناقة في الإصدار، ممّا يعكس الذائقة الرّفيعة ورهافة الحسّ، التي نتمنّى لها دوام الصّحّة والعمر المديد والمزيد من العطاء في عالم الإبداع والثقافة.
وبعد كلمات الأخوات والإخوة المشاركين في النّدوة، وكلمة المترجمة المُحتفى بها الأديبة سعاد قرمان، قدّم الباحث نظير شمالي وابنته الجميلة غفران شمالي وصلةً شعريّةً مختارة. |
|
|
|
|
|
|
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
إعجاب |
نشر |
نشر في تويتر |
|
|
| |