لحج نيوز/بقلم:ازهار العجي -
لم يعد الإنسان المكتئب أو الحزين أو الذي يشعر في نفسه برغبة شديدة في البكاء، يستحي من دموعه أن تنهمر أمام الناس بعد اليوم، فقد باتت هذه الفرصة متيسرة ومتاحة لكل راغب، بل أًصبح البكاء اليوم منظماً وجماعياً ومحدداً بأوقات معينة، يجتمع لأجله كل أفراد العائلة عندما يتذكرون شخص عزيز وغالي عليهم يعتبرونه عمود البيت..
ما أقوله ليس من قبيل المزاح، أو الاستهزاء، بل هذه هي حقيقة ما جرى في الأيام القليلة من مشاهدة ما لا يسر، وما يجري أيضاً في أيامنا هذه، حيث تقوم بعض المحطات التلفازية، وتحت ستار مساعدة الناس في أزماتهم، بتوظيف الدموع وظيفة مزدوجة.. وظيفة النقل الحي والمباشر لدموع الآخرين ومآسيهم وأحزانهم من جهة، ووظيفة تأجيج مشاعر الحزن والألم عند المشاهدين من جهة أخرى.
إن هذه السياسة التي وضعتها بعض القنوات في إطار ما يسمى بالتلفزيون الواقعي والذي يقوم ببث نقل حي ومباشر (بدون روتوش) لأحداث واقعية تثير الأشجان في النفوس أكثر مما يثيره مشاهدة فيلم هندي يستدعي منّا وقفة تأمل أمام هذا الواقع المؤلم الذي بات فيه الفقر والجوع وسيلة لمشهد يمنح ويعطي البرنامج التلفزيوني ومذيعه أهمية لدى المشاهد، بل ومن أجل زيادة عدد المشاهدين، أو من أجل استقطاب المزيد من المروجين (المعلنين) وربما من أجل إبراز التفوق على المتنافسين ليصبح باباً للاستغلال الإعلامي.
قد يتساءل البعض ويقول: ما الضرر من وراء إدخال البهجة والفرح على قلوب الناس؟ وما الضرر من السعي إلى التقريب بين الناس والمسؤول؟ وما الضرر من إبراز حقيقة الواقع المر الذي يعيشه كثير من الناس؟ أليس في إثارة هذا الموضوع تشجيع للناس على فعل الخير؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات توضح الأسباب التي دفعتنا لإثارة هذا الموضوع، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى احترام الإنسان، كائناً ما كان وضعه الاجتماعي، لا ينبغي أن يستهان بهذا الموضوع واعتباره حالة فردية، بينما الموضوع أكبر من ذلك بكثير.
فقد شهدت الفترات الأخيرة ونتيجة للصراعات السياسية، وانتشار العولمة المتوحشة، تزايداً كبيراً للفروقات الطبقية بين الناس، إن كان من ناحية غياب الطبقة الوسطى أو كان من ناحية ازدياد الفجوة بين الفقراء والأغنياء. ومن هنا فإن إيجاد الحلول الجذرية لمشكلة الفقر، والذي يشكل بنداً من أهم البنود, لذا لا يمكن أن نصور المأساة عبر برنامج تلفزيوني، يصور الناس وهم يبكون فرحاً لتجاوب إحد المتبرعين لهم عبر برنامج يعرض عبر قناة من القنوات حينها يتم إذاعة الخبر من قبل المذيع بان فلان وعلان قام بالتبرع لمشاهدته للقطات المأساوية التي نشاهدها بينما المستفيد الأول من كل هذا بالتأكيد القناة والمذيع.
ويفضل ان يتم مساعدة الناس وحل قضاياهم عبر برامج إنمائية عامة تقوم بها الدولة لتضمن تأمين المساعدات المجانية. والدائمة سرا لأعلنا، دون استفادة.. فتؤمن للعجوز شيخوخة كريمة، وللمريض دخولاً كريماً إلى المستشفيات، وعناية طبية متساوية بينه وبين غيره من الناس.. وتؤمن في الوقت نفسه فرص عمل للشباب تحميهم من الانحراف بجميع أشكاله، وتؤمن أيضا لرب الأسرة الراتب الذي يكفيه لتحميه من نار الهجرة, فإيجاد حل عجائبي لأحد الفقراء، أو جمعه بأحد المسؤولين ليستمع إلى شكواه، لا يمكن أن يكون حلاً لمشكلة الكثير من الناس والعائلات الذين لا يعلم بحالهم سوى الله عز وجل، فمن لمثل هؤلاء المساكين في مثل هذه الحالة؟ ومن لكل هؤلاء الذين يسكنون في بيوت الأعشاش والخيام؟ ومن لكل هؤلاء الذين لا يحملون ذنباً إلا كونهم وجدوا في الدنيا ليروا غيرهم ينعم ويعيش ويلهو ويمرح؟
إن هؤلاء بتمسكهم بوطنهم حكم عليهم بالفقر، وسدت في وجوههم أبواب العمل، وحرموا من العلم والعيشة الكريمة.. بل وحتى منعوا من بناء سقف يقيهم حر الشمس ومطر الشتاء. هؤلاء هم الفقراء والمساكين الطبقة المنبوذة من قبل الأغنياء.. لذا فإن دعوتي بهذه المناسبة مجانية لكل غني وميسور الحال ولكل منظمة حقوقية ولكل صحفي ومصور يريد أن يصور عينات حيّة مما ذكرتها ،علية بزيارة قصيرة على الأقدام لبعض تلك الأحياء، التي لا يسمح فيها بدخول السيارات، تماماً كالمحميات الطبيعية التي تحرم دخول الآليات..
ويا ليت المسؤولين والأغنياء يتذكرون قول عمر بن الخطاب، الذي قال: "لو عثرت شاة على شاطئ دجلة لكان عمر مسؤولاً عن ذلك لعدم تعبيده الطريق". ونحث بعدم تشويه صورة الفقير والمحتاج والتشديد على إبراز ذله وهوانه وشدة حاجته والحرص على عدم السماح لأية دمعة بالسقوط إلى الأرض وهذا الأمر حرمه الإسلام عندما حرم التشهير بالناس، وجعل أفضل الثواب على صدقة السر.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدقة السر تطفئ غضب الرب) وصدق الشاعر بوصفه للفقير بقوله: يمشي الفقير وكل شيء ضده.. والناس تغلق دونه أبوابها وتراه مبغوضاً وليس بمذنب ويرى العداوة ولا يرى أسبابها.