لحج نيوز:بقلم:توفيق أبو شومر -
اسمحوا لي أن أبتدع هذا الاشتقاق الجديد!
نعم هناك مرض أسميه القهر التراكمي، وهذا المرض لا يصيب الأفراد فقط ، بل يصيب الشعوب والأمم التي تتعرض للحروب والنكبات، فالمصائب والكوارث، تفعل في النفوس كما تفعل الزلازل والبراكين .
فقد يكون ناتج الزلازل والبراكين كارثيا بالنظر إلى حجم الدمار والتصدع في سطح القشرة الأرضية ، وما يُخلفه من حطامٍ وغازاتٍ سامة قاتلة.
كذلك فإن تراكم القهر والإحباط واليأس والكآبة في نفوس البشر تولِّدُ أيضا شحناتٍ غازية مميتة، تؤدي في النهاية إلى تفجير النفوس وتحطيم العواطف، وتدمير المجتمعات وتخريب الأوطان.
ويظهر كناتجٍ طبيعي لهذا المرض، مرضٌ آخر مرتبط به ، وهو مرضُ التشفَّي.
ومرض التشفي كذلك لم يرد في كتب علم النفس ، ولكنني نَحَتُّهُ أيضا من منطلق تجديد مصطلحات الأمراض النفسية والاجتماعية.
ومرضُ التشفي، مرضٌ مُعدٍ سريع الانتشار، يستوطن الأجساد والعقول والنفوس، ويعتبر هذا المرض هو الأكثر انتشارا في مجتمعنا الفلسطيني بحكم ما تعرضنا له من تراكمات قهرية خلال تاريخنا.
ومن أعراض هذا المرض، أن المصاب به يُحسُ بالراحة لما يُصيبُ الآخرين من نكبات، وينتعش المريضُ على وقع الكوارث والمصائب التي تحُلُّ بغيره، وقد يكمُن مرضُ التشفي ولا تظهر أعراضُهُ على الوجوه، وقد يبدو المصاب به سليما معافى أمام الآخرين!
ومن أعراض هذا المرض في مراحله الخطيرة ، أن المصابين به ينتقلون من طور التشفِّي والسرور بكوارث الآخرين ، إلى طورٍ آخر أكثر خطورة، وهو تحطيم الأصحَّاء الأكفاء الناجحين المتفوقين ، ممن نجحوا من الإفلات من مرض القهر التراكمي بوسائل عديدة، كنشر الشائعات حولهم لإحباطهم وإقصائهم.
وعندما تصل درجة المرض إلى المرتبة الثانية، فإنه يتحول من مرض إلى وباءٍ اجتماعي خطير يقضي على مستقبل الأوطان، ويحولها من مواطن وبلدانٍ محبوبة إلى منافٍ مبغوضة، ويحول الحياة فيها إلى جحيم لا يُطاق، ويشعر الشباب بالإحباط والاغتراب النفسي، ويشرعون في الهروب منها إلى كهوف الادمانات المختلفة!
وتصبح أوطانهم سجونا ، وتزول هالات الأبطال والرموز ، وتنطفئ في عيون الأبناء المصابين شعلات التاريخ الوطني المملوء بالبطولات.
استدراك أخير:
لم أُشر في الأعراض السابقة، إلى كيفية تحويل هذا المرض الاجتماعي، إلى فيتامينات وعضلات تقوِّي سواعد الوطن، فقد نجحت دولٌ كثيرة في صناعة لقاحات من التراكمات القهرية، تمكنت بواسطتها من حقنها في الأجيال المستقبلية كتطعيمات ولقاحات ضد الأمراض السارية والمعدية والمستوطنة.
ولم أتحدث أيضا عن أمم أخرى نجحت أيضا في جعل التراكم القهري يحول الفحم البشري الهش إلى ألماس فائق الصلابة، فقامت أممٌ متقدمة بإشفاء أبنائها من مرض التراكم القهري بواسطة الثقافة والفنون والرياضات، وحوّلت الإحباط إلى عضلاتٍ تبني، وصاغتْ من صفحات تاريخها المملوءة بالقهر والعذاب والألم والفقر والذل إشاراتِ مرورٍ، تشير إلى المستقبل.