لحج نيوز/بانوراما -
قبل أربع سنوات، عندما كانت رنا في السادسة عشرة من عمرها، أجبرها زوجها على العمل في تجارة الجنس. وبالرغم من معرفتها بمخاطر الأمراض المنقولة جنسيا، إلا أنها غالبا ما لا تستخدم الواقيات الذكرية، مثلها في ذلك مثل العديد من العاملات المحليات في هذه التجارة، واللواتي يقدر عددهن بما لا يقل عن ستة آلاف عاملة.
وتعلق رنا على ذلك بقولها: "أترك الاختيار للزبون. فأنا أريد استخدام الواقي الذكري، ولكن معظم زبائني لا يرغبون في ذلك". وعند سؤالها عن سبب تجاهلها لخطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري أو غيره من الأمراض الأخرى المنقولة جنسيا، أجابت ببساطة: "أنا لا أريد أن أخسر زبائني".
وفي هذا السياق، حذر إيلي الأعرج، رئيس جمعية الرعاية الصحية في لبنانSIDC ، من أن عدم استخدام الواقي الذكري بين العاملات في تجارة الجنس المحليات يمكن أن يصبح في القريب العاجل مشكلة صحة عامة. وأوضح أنه "حتى الآن لم يتم تسجيل حالات إصابة بفيروس نقص المناعة البشري بين العاملات في تجارة الجنس في البلاد اللواتي شملهن الاستطلاع. ولكن بمجرد أن يصل الفيروس إلى هذه المجموعة فإنه سينتشر بسرعة كبيرة".
الإجراءات الوقائية
في مسح أجرته الجمعية على مدى أكثر من خمسة أشهر خلال عام 2008، قابل موظفوها 502 عاملة في تجارة الجنس في لبنان وتوصلوا إلى أن ثلثهن مصاب بأحد الأمراض المنقولة جنسيا.
ووفقاً للبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، هناك حوالي 1234 حالة إصابة بفيروس نقص المناعة البشري بين عموم المواطنين، في حين يقدر البرنامج أن يكون هناك ما بين 2500 و 3000 مصاب بالفيروس يجهلون حقيقة إصابتهم .
وحسب لارا دبغي، منسقة مشاريع ببرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز والعدوى بفيروسه، فإن "هذا الرقم يدل على الانتشار المنخفض في البلاد ، فهو لا يتجاوز واحد بالمائة... ونحن نأمل ألا تزيد النسبة عن ذلك".
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز والعدوى بفيروسه، لم تخضع سوى حوالي 200 من العاملات في تجارة الجنس في لبنان لاختبار الكشف عن الإصابة بالفيروس. ولم تكشف الفحوصات عن إصابة أي منهن.
وقد عزى العاملون في مجال الصحة ذلك إلى انخفاض معدل انتشار الفيروس في لبنان. ولكنهم أقروا بأن هذا الوضع قابل للتغير بشكل سريع للغاية. حيث أفادت دبغي أن "بعض الناس لا يعلمون بأمر إصابتهم. حيث أن عشرة بالمائة فقط من المصابين هم الذين يعلمون بحقيقة حملهم للفيروس على الصعيد العالمي".
وقد تم تشكيل فريق عمل يضم وزارات مختلفة ومنظمات غير حكومية ومنظمات الأمم المتحدة والبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بغرض تصميم حملة توعية وطنية، في محاولة للحفاظ على انخفاض نسبة الانتشار.
استخدام الواقي الذكري
وتتمثل أحد أهداف هذه الحملة في زيادة استخدام الواقي الذكري. حيث قالت دبغي "لقد وجدنا أن ما بين 28 و30 بالمائة فقط من العاملات في تجارة الجنس هن اللواتي يستعملن الواقيات الذكرية. وتكمن المشكلة في كون الزبون هنا يعتبر هو الملك وهو من يقرر ما يريد ويحصل عليه".
من جهتها، أفادت هبة أبو شقرا الأخصائية الاجتماعية في دار الأمل، وهي عبارة عن مركز محلي يقدم المشورة للعاملات في تجارة الجنس أن "العاملة المحلية في تجارة الجنس في لبنان غالبا ما تكون امرأة فقيرة معتدى عليها تفتقر في كثير من الأحيان للتعليم ولا تملك مهارات إقناع جيدة. وتعمل كثير من هؤلاء النساء على الطرق السريعة أو في بيوت الدعارة، حيث يتعرضن لسوء المعاملة في معظم الأحيان".
وقد سجلت دار الأمل حالات لنساء يقايضن الجنس بالغذاء. وحسب أبو شقرا، فإن المرأة في مثل هذه الظروف لا تهتم كثيراً باستخدام الواقي الذكري إذا كان ذلك سيعني فقدانها لزبائنها المحتملين.
وكان تقرير للبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز قد توصل في عام 2008 إلى أنه في حين تحاول 23 بالمائة من العاملات في تجارة الجنس إقناع العميل بارتداء الواقي الذكري، فإن أكثر من نصفهن تقريبا يقبل بممارسة الجنس دون واق إذا أصر الزبون على ذلك.
تقنين العمل في تجارة الجنس
وفقاً للقانون اللبناني، يعتبر العمل في مجال الجنس قانونياً إذا مورس في بيوت الدعارة، إلا أن الحكومة لم تصدر تراخيص لبيوت الدعارة منذ عام 1975.
وفي هذا السياق، قالت دبغي: "نحن نؤيد تقنين الدعارة. عندما تكون الدعارة قانونية، يمكنك الوصول إلى العاملات في مجال الجنس بشكل أفضل، ووضع برامج وقاية لحمايتهن. ما يحدث الآن أن العاملات في المجال يُمنعن من استخدام الواقي الذكري أو يجدن أنفسهم مضطرات لإخفائه عن الشرطة".
ووفقاً لأبو شقرا، تقوم الشرطة في كثير من الأحيان باعتقال النساء لمجرد حيازتهن للواقي الذكري. وقد تتعرض هؤلاء للسجن لمدة تصل إلى ستة اشهر بتهمة البغاء في حال إدانتهن. هذا يجعل حمل الواقيات الذكرية عمل محفوف بالمخاطر بالنسبة للعاملات في تجارة الجنس.
يقول المناضلون من أجل إضفاء الشرعية على تجارة الجنس أن العاملات في مجال الجنس ستتمتعن بحماية أفضل بموجب القانون، وتحصلن على اختبارات صحية أفضل واستشارات نفسية، وكذلك فرصة أكبر في التفاوض بنجاح على ممارسة الجنس المأمون.
وحتى يتم ذلك، ستستمر رنا في العيش مع خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري في كل مرة تمارس فيها الجنس بدون وقاية. وتعلق على ذلك بقولها: "أنا أعي خطر فيروس نقص المناعة البشري وأشعر براحة أكبر عندما يطلب العميل استخدام الواقي الذكري".
|