لحج نيوز/تقرير:نبيل عودة -
كشفت صحيفة "هآرتس" عن وثيقة رسمية وصلت للصحيفة، تكشف أسلوب سري اتبعه الاحتلال الإسرائيلي مع المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبموجب هذا الأسلوب ، كل مواطن فلسطيني غادر الضفة الغربية المحتلة عام 1967، وبقي خارج الأراضي المحتلة لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، يفقد تلقائيا حقه في العودة إلى وطنه. وبذلك حرم 140 ألف فلسطيني على أقل تقدير من حق العودة إلى وطنهم.والحديث ليس عن مناطق أل 48، إنما عن المناطق المحتلة عام 1967. والمثير، أين كانت لجان حقوق الإنسان الفلسطينية، العربية والدولية، لمواجهة مثل هذا التصرف المخالف لأبسط حقوق أولية للإنسان حسب القانون الدولي؟
حسب تقرير "هآرتس"، جرى الكشف عن هذا التصرف ، أو لنسميه "القانون ألاحتلالي الإسرائيلي " عن طريق الصدفة، وذلك خلال ملاحقة هيئة إسرائيلية للدفاع عن حقوق الفرد ، لقضية مواطن فلسطيني من الضفة الغربية، معتقل في السجون الإسرائيلية، حيث أبلغت الإدارة المدنية للاحتلال أن هويته "غير فعالة". أي لا يعتبر من سكان الضفة الغربية .
توجهت هيئة الدفاع عن حقوق الفرد إلى المستشار القضائي لمنطقة الضفة الغربية ( يهودا والسامرا، حسب تسمية الاحتلال) الذي أبلغ الهيئة انه وقع "خطأ" في تصرف الموظف المسئول عن تسجيل السكان. جاء ذلك في رسالة أرسلها المستشار القضائي إلى محامي الهيئة للدفاع عن حقوق الفرد عيدان بلوم.وأشارت رسالة المستشار إلى انه يوجد ثلاثة أشخاص فقط معرفين ك "أصحاب هويات انتهى مفعولها" المعتقلين أو المسجونين في إسرائيل، وانه بعد استفسار الهيئة للدفاع عن حقوق الفرد جرى "إصلاح الخطأ"، واعتبروا كسكان بالفعل،( القصد سكان في المناطق المحتلة) وان اعتبارهم السابق كسكان انتهى مفعول إقامتهم أو هويات انتهى مفعولها ، مصدره خطأ فني لا علاقة له بسجنهم.
رسالة التوضيح التي أرسلها المستشار القضائي، طرحت مسائل كانت مخفية، عن مصدر "الخطأ الفني". هل هناك سياسة احتلالية رسمية متبعة مع سكان المناطق المحتلة لم يكشف عنها، سببت وقوع مسجل السكان بمثل هذا "الخطأ الفني " بسحب حق السكن ( هويات الاحتلال للمواطنين ) من فلسطينيين سكان المناطق المحتلة عام 1967؟
الهيئة للدفاع عن حقوق الفرد لاحقت الموضوع حتى النهاية، وكشفت وجود سياسة ديموغرافية مفسودة، تشكل مخالفة بالغة الخطورة للقانون الدولي ،قامت إسرائيل بموجب هذه السياسة بسحب حقوق إنسانية أولية من الفلسطينيين في الإقامة بوطنهم ، رغم أنهم كانوا متواجدين في وطنهم في زمن احتلاله وليسوا فلسطينيين يطالبون بحق العودة مثلا ، أو لم يتواجدوا في المناطق المحتلة عام 1967. وان هذه السياسة الديموغرافية طبقت بسرية، وتقول هيئة الدفاع عن حقوق الفرد أنها ستعمل على أن تقوم الحكومة بإصلاح فوري لهذا الوضع وتعيد لكل فلسطيني حق العودة إلى عائلاتهم ووطنهم ؟
الهيئة كشفت عن هذه الفضيحة الجديدة للاحتلال ، الذي مارس بسرية سياسة مخالفة للقانون الدولي، اعتبرت كل مواطن فلسطيني غادر المناطق المحتلة عام 1967، وعاش لفترة تزيد عن ثلاث سنوات ونصف السنة خارج المناطق المحتلة عام 1967، كشخص انتهت حقوقه بالعودة إلى وطنه ، إذا لم يجدد "بطاقة الخروج" التي كان يتلقاها أثناء مغادرته بعد أن يسلم هويته ، بانقضاء الثلاث سنوات والنصف، أو إذا لم يعد خلال هذه الفترة إلى وطنه ، لزيارة . وبهذه السياسة الديموغرافية العنصرية الاحتلالية المناقضة للقانون الدولي ، حرمت إسرائيل أكثر من 140 ألف مواطن فلسطيني من حق العودة إلى وطنهم المحتل عام 1967- أي الضفة الغربية وغزة ( اكرر ذلك لعدم الخلط مع مناطق 1948).
ويذكر أن الاحتلال لم يوضح ذلك للمغادرين من أجل العمل في دول الخليج مثلا، أو الطلاب الدارسين في الخارج. أو غيرهم ممن غادروا لزيارة أقارب والبقاء فترة طويلة في الخارج.. أي أن القانون ألاحتلالي، مارس الخداع أيضا مع المحرومين من العودة ، الذين لم يعرفوا عن سبب عدم السماح لهم بالعودة، خاصة وإنهم سلموا هوياتهم أثناء المغادرة وتسلموا بدلا منها "بطاقة خروج" من سلطة الاحتلال.
لماذا لم يطرح هذا الموضوع على المستوى الفلسطيني والعربي خلال الممارسات المستهجنة والمخالفة للقانون الدولي ؟
أسئلة صعبة، تستحق الملاحقة لعل في ذلك درسا في عدم الاستهتار بأي ظاهرة مهما بدت صغيرة، من ممارسات الاحتلال.
هذا الأسلوب الديموغرافي العنصري، مارسته إسرائيل بين الأعوام 1967 – 1994 ( أي حتى اتفاق أوسلو) قبل آن تكشف عنه هيئة حقوقية إسرائيلية وعن طريق الصدفة، باعتمادها أثناء توجهها للمسئولين على قانون حرية المعلومات.
والمثير أن تنفيذ القانون لم يتضمن أي توضيح أو تنبيه للمغادرين الفلسطينيين، حول مخاطر رفض عودتهم لعائلاتهم ووطنهم. وهذا بحد ذاته يشكل إدانة بالغة الخطورة لمن أقر وتصرف بمصير عشرات آلاف الفلسطينيين دون أن يعلمهم بتفاصيل هذا النهج ألاحتلالي ، وهو من ابسط الشروط الأولية التي يجب أن توضح للشخص.
هيئة الدفاع عن حقوق الفرد أعلنت أنها كانت على علم انه يوجد نهج ما يمارسه الاحتلال، ولكنها لم تعلم تفاصيله ، أو عدد الفلسطينيين الذي تضرروا من تطبيقه، وحتى أن أحد رؤساء الإدارة المدنية تفاجأ من وجود مثل هذا النهج،وهو الجنرال (احتياط) داني روتشيلد ، الذي كان منسقا لعمليات الحكومة في الضفة الغربية بين سنوات 1991 – 1995. قال انه يسمع عنه للمرة الأولى رغم انه كان ساري المفعول في وقته . وقال:" إذا لم يعلمني أحد بمثل هذا النهج، يمكن الفهم أيضا أن سكان المناطق ( المحتلة) لم يكونوا على علم به" أي لم يعلموا أنهم يجب تمديد مفعول "بطاقة الخروج" بعد الثلاث سنوات ونصف السنة ليضمنوا حقهم في عودتهم إلى وطنهم.
وحسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية تبين أن هذا النهج الديموغرافي ( القانون ألاحتلالي السري) خفض عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية ب 14% على الأقل.
الفلسطينيون الذي غادروا الضفة بعد إقامة السلطة الفلسطينية، خاصة بعد الانتفاضة الثانية وحتى العام 2007 حافظوا على حقهم بالعودة ويقدر عددهم ب 250 ألف فلسطيني.
هل انتهى التصرف حسب هذا القانون الديموغرافي المخالف للقانون الدولي؟
إطلاقا لا. القانون مطبق على سكان القدس العربية.الذين يحملون هويات إسرائيلية، على أساس القانون الإسرائيلي الذي ضم القدس لإسرائيل واضطر لإعطاء هويات لسكان القدس باعتبارهم أصبحوا مواطنين في إسرائيل.
كل مواطن مقدسي غادر أو يغادر القدس إلى الخارج، وغاب أو يغيب لأكثر من سبع سنوات، يفقد حقه في العودة إلى القدس. ويبدو أن المعلومات هنا أيضا غير متوفرة إلا لمن فقد حقه. ولا يبدو أن هناك من يقلق لتوضيح هذه المصيدة الديموغرافية للمغادرين للدراسة أو العمل أو لأسباب شخصية مختلفة!!
قبل فترة نشرت عن فضية أخرى تتعلق بنهج سري آخر ، بزواج عملاء الموساد من نساء فلسطينيات بهدف مراقبة المجتمع العربي في إسرائيل، والموضوع لم يصدقه بعض القراء،رغم إني اعتمدت في مصادري على ما تكشفه وسائل إعلام عبرية ، ومن مصادر إسرائيلية رسمية. ويبدو أن الجرائم المخالفة للقانون الدولي، رهيبة لدرجة لا يمكن أن يستوعبها عقل الإنسان السليم.
ما يقلقني أكثر إننا دائما في موقف المتلقي للصفعات. دائما نتشاطر بعد أن تنكشف قصوراتنا بحق أنفسنا. ترى ما يشغلنا ويستحق أن نغرق في الصراع حوله، ونهمل ما يخطط ضد وجودنا، وإذا كشف عنه يبقى طي سجلات الصحافة؟
مرتعبون من سجلاتهم!! مرتعبون من ماضيهم!!
يبدو أن مسلسل الفضائح المخفي ما زال أعظم مما كشف عنه حتى اليوم. وتكفي للدلالة على ذلك أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وقع قبل فترة أشهر قليلة، بضغوط من المؤسسات الأمنية في إسرائيل وعلى رأسها الموساد والشاباك على أمر يبقي الوثائق الحكومية التي تتعلق بالعقد الأول لإقامة دولة إسرائيل طي الكتمان لمدة عشرين سنة أخرى، رغم أن القانون يحدد فترة 50 سنة، من الممكن بعدها فتح الأرشيفات للمؤرخين والباحثين والإعلام. ويومها نشرت مقالا تحت عنوان: مرتعبون من سجلاتهم!! مرتعبون من ماضيهم!! " جاء فيه :
قرار نتنياهو بتمديد المنع لعشرين سنة أخرى جاء أولاً لسد الطريق على محكمة العدل العليا بإمكانية إصدار قرار لصالح فتح الأرشيف أمام الجمهور، للاطلاع على الوثائق التي مضت عليها حسب قانون الأرشيفات خمسون سنة.
ما الذي يريدون إخفاءه؟؟.
ما هي الوثائق التي يخافون من كشفها؟.
من الواضح أن الوثائق تتعلق بالعقدين الأولين من إقامة الدولة، وخاصة السنوات العشر الأولى.
مدير الأرشيف الحكومي حذر من أن كشف وثائق الأرشيفات ستكون له إسقاطات حول احترام القانون الدولي، مما يعني استنتاجاً واحداً، إسرائيل تصرفت بما يتناقض مع القوانين الدولية، وأجهزة الأمن بكل أذرعتها نفّذت عمليات قد تصنَّف كجرائم ضد الإنسانية.
صحيفة هآرتس كتبت أن المعلومات التي ستظل طي الكتمان لعشرين سنة أخرى، تتعلق أيضاً بأعمال الطرد والمذابح التي ارتكبت ضد العرب في "حرب الاستقلال"، وإلى عمليات الموساد في الدول الأجنبية، وإلى مطاردة الشاباك وتجسسه على سياسيين من المعارضة في إسرائيل في سنوات الخمسين، وإلى إقامة المعهد للأبحاث البيولوجية في نِس تسيونا، والفرن الذري في ديمونا، وهي معلومات أُخفيت عن الجمهور سابقاً وتمديد الحظر لعشرين سنة أخرى، يوفر سبباً قانونياً لاستمرار إغلاق الأرشيفات، الذي نفذ حتى اليوم بشكل مخالف للقانون.
هآرتس بجرأة تستحق الإشارة، قالت أنه حان الوقت لمواجهة الفصول الأقل "بطولية!" في ماضي إسرائيل، وكشفها أمام الجمهور وأمام الباحثين والمؤرخين وأنه من حق الجمهور أن يعرف القرارات التي اتخذها مؤسسو الدولة، حتى لو كان فيها مخالفة لحقوق الإنسان، مثل التغطية على جرائم، أو ملاحقة المعارضين السياسيين بوسائل أمنية، أو مثلاً شهادات لم تنشر بعد حول ما جرى في دير ياسين.
وربما كان المخفيُّ أعظمَ !!
[email protected]