لحج نيوز/القاهرة: ديفيد دي كيركبارتيك - شاهد السكان المجاورون لقسم الشرطة من وراء البوابات المغلقة وهم في حالة من الذعر تبادلا لإطلاق النار بالقسم. بعدها، تدافع نحو 80 سجينا خارج أبواب قسم الشرطة - الذين لم يكن بعضهم يرتدي سوى ملابسه الداخلية، وكان كثير منهم يلوحون مهددين بالمسدسات وأسلحة بيضاء، بل وحتى بمطافئ الحرائق التي يحملونها – في الوقت الذي لاذ فيه رجال الشرطة بالفرار. وتحدث محمد إسماعيل (30 عاما)، وهو شاهد عيان: قائلا: «رجال الشرطة خائفون. وأنا أخشى مغادرة منطقتي».
بعد 3 أشهر من الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، اندلعت موجة من الجرائم في مصر على نحو يهدد انتقالها المأمول إلى الديمقراطية. ويشير رجال الأعمال والساسة ونشطاء حقوق الإنسان إلى أنهم يخشون من أن تعرقل حالة الفوضى المتصاعدة – بدءا من النزاعات الطائفية إلى أحداث الشغب في مباريات كرة القدم – الإصلاح الاقتصادي الذي تعتبر مصر في أمس الحاجة إليه، أو الأسوأ من ذلك، أن تدعو لاتخاذ سلسلة إجراءات قمعية استبدادية جديدة.
وقد أعلن عن 5 محاولات على الأقل لهروب سجناء من السجون في القاهرة خلال الأسبوعين الماضيين، نجحت 3 محاولات منها على الأقل. وهناك محاولات «يومية»، بحسب مسؤول رفيع الشأن في وزارة الداخلية، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، لأنه لم يكن مصرحا له بالحديث عن هذا الموضوع بشكل معلن.
وتمتلئ الصحف بأحداث أخرى: أبرزها أحداث الشغب بين المسلمين والمسيحيين التي وقعت في نهاية الأسبوع الماضي مع ظهور رجال الشرطة على المشهد، مما ترتب عليه سقوط 12 قتيلا واشتعال النيران في كنيستين، وحادث اختطاف حفيدة الرئيس الأسبق أنور السادات وطلب فدية، وحادث اقتحام مشجعي فريق كرة القدم المصري الاستاد ومهاجمتهم الفريق التونسي في ظل اختفاء رجال الشرطة؛ والهجوم الجماعي في حي المعادي الراقي الذي أدى لإصابة شرطي مرور ودخوله المستشفى، وحادث اختطاف ضابط آخر على يد قبائل بدوية في سيناء.
وتحدث محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأحد المرشحين الحاليين للرئاسة قائلا: «الأمور تتجه من سيئ إلى أسوأ في حقيقة الأمر. أين رجال الشرطة والقوات المسلحة؟».
وتكمن الإجابة، بشكل جزئي، في موروث الثورة. فقد أدى غضب الشعب من تجاوزات الشرطة إلى اندلاع المظاهرات، التي تسببت في تدمير الكثير من أقسام الشرطة. والآن، ضعفت معنويات رجال الشرطة الذين لم يعرفوا سوى التغطرس واستخدام القوة الوحشية.
وفي محاولة لاسترداد الثقة بعد النزاعات الطائفية التي حدثت نهاية الأسبوع الماضي، أعلن المجلس العسكري الذي يتولى حكم البلاد حتى إجراء الانتخابات المزمع عقدها في سبتمبر (أيلول) أنه سيتم إرسال 190 شخصا شاركوا في أعمال الشغب إلى المحكمة العسكرية، على نحو يثير مخاوف جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان. وبعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، أكد رئيس الوزراء عصام شرف على وعد كان قد قطعه على نفسه قبل حدوث أعمال الشغب وهو أن الحكومة تدعم الشرطة في استخدام كل الإجراءات القانونية «بما فيها استخدام القوة» للدفاع عن أنفسهم وتأمين أقسام الشرطة أو دور العبادة.
كان هذا بيانا استثنائيا لرئيس الوزراء، وبصورة جزئية لأنه كان من المتوقع بالفعل من رجال الشرطة القيام بذلك. وقال بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: «ربما تكون تلك هي المرة الأولى التي تعين فيها على الحكومة أن تصرح بدعمها الكامل للشرطة. إنها لدلالة على خطورة المشكلة».
ويؤكد كثير من المصريين، بمن فيهم على الأقل ضابط شرطة سابق واحد، أن رجال الشرطة لم يعرفوا سوى وسيلة واحدة فقط لمحاربة الجريمة: الوحشية والتعذيب.
ويرى ضباط الشرطة الآن قائدهم السابق وزير الداخلية حبيب العادلي يقضي فترة عقوبة في السجن لمدة 12 عاما بتهم الفساد، ويواجه محاكمة أخرى بتهم قتل المتظاهرين بشكل غير مشروع. كما أن كثيرا من الضباط رهن الاحتجاز في السجون بسبب الدور الذي لعبوه في قمع المظاهرات. وقال محمود قطري، ضابط شرطة سابق الذي ألف كتابا ينتقد قوة رجال الشرطة: «لقد عاملوا الناس كالحشرات، إذن تخيل الآن هذه الحشرات وهي تنهض لتتحداهم وتذلهم. إنهم يشعرون بانكسار هيبتهم».
وقال حسن، الذي ظل طوال حياته المهنية ينتقد رجال الشرطة، إنه قد تعاطف بدرجة ما مع رجال الشرطة. وقال إن ضباط الشرطة الذين دافعوا عن أقسامهم من المتظاهرين مودعون بالسجون، في حين أن هؤلاء الذين ذهبوا إلى منازلهم وخلدوا إلى النوم لا يواجهون أي اتهامات.
وتحدث، ملقيا اللوم على السلطات العليا: «إذن يتساءل رجال الشرطة قائلين: ماذا يتوقع منا؟ وهذا سؤال منطقي جدا، والمشكلة تكمن في أنهم لا يملكون أي إجابة».
وذكر أصحاب المتاجر أن رجال الشرطة اعتادوا طلب الحصول على البضائع بنصف الثمن. أما الآن، فكما ذكر إسماعيل، شاهد العيان على هروب السجناء من قسم الشرطة، ففي الوقت الحالي يزور رجال الشرطة متاجر الهواتف الجوالة هامسين «من فضلك» ويدفعون السعر كاملا. «لقد انقلبت الأوضاع»، هكذا قال. وأشار هشام فهمي المدير التنفيذي لغرفة التجارة الأميركية في مصر إلى أن التغيير في السلوكيات العامة أصبح ملحوظا. إن لسان حال كل مصري الآن يقول: «تحدث إلي بشكل لائق! أنا مواطن مصري!».
ويأتي ارتفاع معدل الجريمة مناقضا بشكل واضح لما كانت عليه الحياة في ظل دولة مبارك البوليسية، حينما كان من النادر نسبيا حدوث جرائم عنيفة في الشوارع وكان كثيرون يخشون من السير بمفردهم ليلا. قال فهمي: «الآن، يبدو الوضع أشبه بالوضع في نيويورك»، مضيفا أن «مجموعته، التي تحمي مصالح الشركات الدولية، تحث القادة العسكريين على الاستجابة بشكل أكثر قوة».
وفي مباراة كرة قدم بين فريق مصري وآخر تونسي، طوق رجال الشرطة أرض الملعب إلى أن قام الحكم بإلغاء هدف للاعب مصري. بعدها، اختفى رجال الشرطة عندما بدأت مجموعة من مشجعي الفريق المصري في مهاجمة الحكم والفريق الآخر. وأصيب 5 لاعبين، وتم نقل 3 منهم إلى المستشفى وفر الحكم.
وقال مراد الطيب، صحافي تونسي غطى أحداث المباراة: «حينما بدأت أحداث العنف، اختفى رجال الشرطة». وقد حدثه رجل الشرطة الوحيد الذي عثر عليه قائلا: «لا أهتم ولا أتحمل أي مسؤولية»، وأضاف الطيب أنه خشي على حياته واختبأ بغرفة تغيير الملابس الخاصة بالفريق المصري.
يرى البعض أن هناك مؤامرة. قال الدكتور شادي الغزالي حرب، أحد المشاركين في تنظيم مظاهرات ميدان التحرير: «أعتقد أنها مؤامرة متعمدة»، مؤكدا على أن رجال الشرطة كانوا ينسحبون لخلق حالة من الفوضى والشعب. وقال: «أعتقد أن هناك عقولا مدبرة أكبر وراء هذا الحدث». وأشار مسؤولون بوزارة الداخلية، تحدثوا طالبين عدم ذكر أسمائهم نظرا لأنه غير مسموح لهم بمناقشة الموقف الأمني، أن تدمير أقسام الشرطة قد أسهم في إحداث حالة من الفوضى. والأقسام المتبقية مكتظة بالسجناء الآتين من منشآت أخرى. وقد تم القبض على 60 من بين الـ80 سجينا الهاربين، حسبما أشار أحد ضباط الشرطة.
ووصف منصور العيسوي، وزير الداخلية الجديد، حالة الفوضى والخروج على القانون بأنها موروث حتمي للثورة. وقال في مقابلة مع صحيفة «المصري اليوم» إنه من بين الـ24000 سجين الذين هربوا من أقسام الشرطة أثناء الثورة، ما زال هناك 8400 سجين هارب، كما لم تتم استعادة 6600 سلاح تمت سرقتها من مستودعات الأسلحة الحكومية.
وقال إنه بعد الثورة شكا رجال الشرطة بشكل مبرر من عملهم في ورديات مدتها 16 ساعة مقابل أجور ضعيفة. وكانت الرشاوى التي يحصلون عليها تعوضهم عن الأجور المتدنية، لذلك، قللت الوزارة ساعات عمل ضباط الشرطة، وقللت بالتبعية أيضا عدد الضباط المناوبين في أي وقت. وقد زاد فقدان رجال الشرطة المفاجئ لمكانتهم من صعوبة التقدم للعمل بجهاز الشرطة. وشكا قائلا: «لم يعد الناس يسعون للانضمام إلى العمل بجهاز الشرطة».
* ساهمت في إعداد التقرير منى النجار
* «نيويورك تايمز» |