لحج نيوز/ماريوس شاتنر -
دمعت عينا صمويل وهو يراقب عبر منظار دبابته الاسرائيلية اما مفجوعة تبحث بين انقاض بيتها عن طفلها الذي مات ضحية تبادل اطلاق نار مع المقاتلين الفلسطينيين فمن اقترف هذا الذنب؟ الجندي الاسرائيلي المتمترس وراء مدفع دبابته ام المقاتلون الفلسطينيون.
هذا النوع من الاعمال السينمائية يواجه بتهمة تبرير الذات في العالم العربي
لا يعطي فيلم "لبنان" لصمويل موعاز الاجابة على السؤال؛ فهذا ليس الهدف منه بل الهدف تصوير فظاعات حرب شكلت صدمة تركت بصمات لا تمحى على المخرج.
وتدور احداث هذه السيرة الذاتية المصورة حول كابوس عاشه اربعة جنود اسرائيليين داخل آليتهم الحربية ابان الحرب الاولى على لبنان في العام 1982. ولم يكن الجنود الذين كانوا يزرعون الموت حولهم بعيدين هم انفسهم عن قبضة الخوف وما من دافع لهم سوى اطاعة الاوامر. هكذا كان الجنود الاربعة سجناء منطق حربي يقول بان على الجندي ان يطلق النار اولا ثم يفكر او يسأل، من دون التمييز بين المقاتلين والمدنيين.
فاز فيلم "لبنان" بجائزة الاسد الذهبي في مهرجان البندقية 2009 وهي اكبر جائزة تمنح لعمل اسرائيلي. ويرمز فيلم "لبنان" بالإضافة إلى فيلمي "رقصة فالس مع بشير" لأري فولمان (2008) و"بوفور" (قلعة الشقيف) لجوزف كدار (2008) الى الجروح التي يحملها جيل باكمله خاض حربا مثيرة للجدل في لبنان.
يطرح فيلم "رقصة فالس مع بشير" الذي يعتمد على سيرة ذاتية مسألة الذاكرة والنسيان من خلال حوار داخلي لجندي يشعر بالذنب بوصفه شاهدا، ان لم يكن متواطئا، على مجازر المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا التي نفذتها ميليشيا مسيحية لبنانية كانت متحالفة مع اسرائيل.
أما "بوفور" فهو عنوان الفيلم المستوحى من اسم قلعة الشقيف المشرفة على جنوب لبنان فيسترجع احداث الايام الاخيرة التي عاشتها كتيبة اسرائيلية في مواجهة عدو خفي قبيل الانسحاب من جنوب لبنان في العام 2000.
هكذا هزت الافلام الثلاثة الاسطورة التي لطالما نسجتها السينما الاسرائيلية حول الجنود الاسرائيليين المتمسكين بالقيم والمستعدين لافتداء انفسهم من اجل المثل العليا الاسرائيلية، ومن اجل رفاقهم، والذين يحترمون القواعد الاخلاقية تجاه خصمهم في الحرب. لقد نزعت هذه الافلام الثلاثة العائدة من الماضي المظلم لتنزع النقاب عن الصورة التي تقدم الجيش الاسرائيلي بوصفه "اكثر جيش اخلاقي في العالم"، على حد قول قادته.
لكن في الوقت نفسه، وجدت الناقدة ميهال فرايدمان في هذه الافلام عودة الى الموضوع الكلاسيكي حيث يوضع الجندي الاسرائيلي امام اوامر يعتبرها غير اخلاقية ومع ذلك ينفذها، عملا بالتعبير الذي سائد خلال حرب حزيران/يونيو 1967 القصيرة: "نطلق النار ثم نبكي".
وتشير المديرة السابقة لمعهد السينما في جامعة تل ابيب الى ان "هذا لا يؤثر باي حال على مصداقية الافلام وصراحتها القائمة على تجارب شخصية عاشها المخرجون".
الا ان هذا النوع من الاعمال السينمائية لا يزال يواجه بتهمة تبرير الذات في العالم العربي المعادي للتطبيع الثقافي مع اسرائيل. فالصحافة اللبنانية مثلا اطلقت وابلا من الانتقادات اثر تسلم فيلم "لبنان" الجائزة التي قالت انها حولت الجلاد الى ضحية.
ووجدت ردة الفعل هذه صدى لها في اسرائيل حيث كتب الصحافي الشهير جدعون ليفي في صحيفة هآرتس اليسارية عن فيلم "رقصة فالس مع بشير"، "اطلقنا النار ثم بكينا. وكم بكينا! وكأن ايدينا ليست هي التي اراقت هذه الدماء".
ومع ذلك تبقى هذه الانتقادات محصورة في اقلية صغيرة. وفي هذا الاطار اشار الناقد بابلو اتين "صحيح ان هذا الفيلم لا يمثل وجهة نظر الاخر الفلسطيني او اللبناني، ولكن ما الذي يمكن توقعه في ظل الوضع السياسي الراهن؟".
وتكمن اهمية هذه الافلام بحسب ايتين في الصورة التي يظهر فيها المجتمع الاسرائيلي محاصرا اكان ذلك في "قلعة كما في بوفور او في دبابة كما في "لبنان" وحتى في الذاكرة كما في رقصة فالس مع بشير".
من جهته اعتبر السينمائي جود نئمان افلام الحرب الجديدة دليلا على "الوعي الجديد" في السينما الاسرائيلية. ويشكل هذا الوعي خطوة الى الامام لكنها غير كافية للوصول الى ادراك اجتماعي لحقيقة الحرب |