لحج نيوز/بقلم:د. فايز أبو شمالة -
لن تمحى من الذاكرة العربية تلك الخطوات الواثقة للرئيس العراقي صدام حسين، حين تقدم إلى حبل المشنقة الرهيب، تقدم واثقاً كأنه فارسٌ عربيٌّ يمتشق سيف الكرامة، تقدم كأنه يقول للملوك والرؤساء العرب: الآن صرتُ رئيساً، تقدم إلى المشنقة بأبهى صورة للحاكم الذي ينحني أمامه حراسه، تقدم وكأنه يؤدي التحية للعلم العراقي الذي ينادي: الله أكبر، وعاشت فلسطين، تقدم الرجل ليعانق المشنقة بالشهادتين، وابتسامة على الشفتين، تقول لكل مسلم: أن المشنوق عربيٌّ يرفض أن يكون موظفاً أمريكياً بدرجة ملك، أو رئيس دولة، وأن المشنوق وهج كرامة العرب التي لن يقبض روحها حبل المشنقة. أما الشانق فهو عدو المسلمين، وهو الغاصب لأرض فلسطين، والمدنّس لقدسها، وأما المستفيد من عملية الشنق فهم كل أولئك الذين ترتعد فرائصهم من شبح النخوة العربية والهمة الإسلامية، أولئك العملاء لأمريكا ولإسرائيل في المنطقة، الذين استعذبوا المذلة، وانتشوا من خمرها.
ما انتهى صدام حسين، وما طويت صفحته، وما فك من شنقوه عن رقابهم حبل المشنقة، فما زال طرف الحبل في يد أطفال العرب، وما انفكوا يجدلونه كل صباح، وهم يقرءون على روح الشهداء فاتحة الكتاب، ويقرءون ما كتبته صحيفة "نيويورك تايمز" عن الفتى مصطفى نجل قصي ابن صدام حسين، الذي ظل وحيداً يقاتل القوات الأمريكية، لمدة ست ساعات بعد استشهاد والدة وعمه أمام ناظريه، لتختاره الصحيفة بطلاً للطفولة في القرن العشرين، وعزت اختيارها للفتى العربي مصطفى، والبالغ من العمر 13 عاما إلى الشجاعة الفائقة التي أبداها، واستمراره بالمقاومة حتى الشهادة. وأحسب أن الفتى لم يتجاوز عادات العرب، ولم يتعد أخلاقنا العربية التي أتى على ذكرها عمر بن كلثوم وهو يقول:
إذا بلغ الفطـــامَ لنا صبيٌ تخرُّ له الجبابرة سـاجدين
ونشرب إن أردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطينا
يا عراق، إذا كانت الطفولة مصطفى، فإن الرجولة صدام، أما البطولة فهي شامة على جبين الجد والحفيد، والشهادة على دين محمد أمنية من خاض المعترك، وحرّضه العدوان الأمريكي والإسرائيلي على انتشال النفس العربية من بئر المذلة، وتسليك خيوطها من أشواك المهانة، لتأتي النتائج على غير ما يشتهي القتلة، والأيام تفور بسيرة العرب، وتخبئ ما سوف يفاجئ أعداءهم، ويفاجئ كل أولئك الذين حسبوا أن الدنيا جامدة الخطوات، وأن العرب بلا تاريخ، ولا يدركون مضمون الشعر الذي تغنوا فيه قديماً، والقائل:
وما للمرءِ خيرٌ في حياةٍ إذا ما عُدَّ منْ سَقَطِ المتَاعِ
[email protected]