لحج نيوز/بقلم:جوناثان مان ثورب -
ثورة الياسمين التي اجتاحت العالم العربي و شمال افريقيا في العام 2011 اسقطت ثلاثة من الحكام لكن الصورة العامة تختلف تماما عن الربيع العربي الذي كان مامولا و الذي شهد جحافل من الشباب المتعلم الذين قاموا بتنظيم انفسهم من خلال و سائل التواصل الاجتماعي و نزلوا الى الشارع ينشدون الاصلاحات الديمقراطية على الطريقة الغربية.
لقد اصبح ظاهرا للعيان في كل الدول التي شهدت انتخابات اولية او خيارات اخرى لنقل السلطة، ان الاحزاب الاسلامية ستسيطر على الخارطة المستقبلية في تلك الدول.
لقد كان ذلك على الدوم مصدر خوف خاصة بعد الثورة الايرانية في 1979 عندما تم اسقاط نظام الشاه و تم استبداله بسلطة دينية متشددة يشرف عليها مجلس مكون من المحافظين المتشددين بزعامة القائد الاعلى اية الله علي خامنئي.
لسنوات استخدمت الحكومات الغربية شبح حكم المتطرفين الدينيين كما حدث في ايران، لتبرير مرونتهم مع الانظمة الديكتاتورية في كل من مصر، اليمن، تونس و مؤخرا ليبيا او الانظمة الملكية البحتة في السعودية و مشيخات الخليج.
و بالرغم من ان الاحزاب الاسلامية هي المستفيد الاكبر من الربيع العربي، الا انه من غير الواضح الى اي درجة من التطرف قد تكون عليها تلك الاحزاب عند توليها السلطة. فعلى سبيل المثال لا يوجد ما يشير الى ان اي من تلك الاحزاب يسعى الى اعتماد دساتير تستمد حكمها من الشريعة الدينية.
و في معظم الحالات فان تلك الاحزاب و التي تستمد بعض منها مصداقيتها من كونه تم استهدافها و تعرضت للاضطهاد طوال سنوات الحكم الديكتاتوري، فان تلك الاحزاب تصف نفسها بالوسطية و هناك غموض عندما يتعلق الامر برغبتها في اقامة دول دينية و عند تعرضهم للضغط، حتى اولئك الذين اتبعوا الاجندة الاسلامية المتطرفة، هم اليوم يمدون ايديهم لتركيا كمثال يتطلعون اليه.
و هذا لا يبعث على الشعور بالاطمئنان لان تركيا الحديثة تاسست بعد الحرب العالمية الاولى كدولة ذات نظام علماني معلن حيث تم فصل الدين بمعزل عن السياسة باحكام و لكن ذلك قد تغير مؤخرا، فالحكومة الحالية شهدت اعادة تاسيس الشعائر الدينية في الحياة العامة، حتى تاثير انقرة في الشرق الاوسط بدا في ازدياد.
و مع ذلك فان معظم الاحزاب الاسلامية التي تشارك الان في ادارة المرحلة الانتقالية، ابدا معظمها رغبتهم في تاسيس تحالفات مع العلمانيين الذين ينتمي غالبيتهم للاحزاب اليسارية.
لقد حدث ذلك في تونس حيث كانت انطلاقة الربيع العربي عندما قام بائع الخضار محمد بوعزيزي باحراق نفسه في 17 ديسمبر 2010 و الذي قاد الى ثورة شعبية اجبرت الرئيس زين العابدين بن علي على الهروب الى المنفى في 14 يناير.
و قد قام حزب النهضة الاسلامي في تونس بعقد صفقة لتقاسم السلطة مع حزب المؤتمر من اجل الجمهورية اليساري كشريك ثانوي.
اما الانتخابات الاولية في مصر فقد اسفرت عن اكبر نسبة من الاصوات لصالح حزب الاخوان المسلمين الديني المحافظ. و على الرغم من اسقاط حسن مبارك في فبراير، فان الجيش المصري يظل مركز القوة. ستكون معجزة اذا تم تجنب المواجهة بين الجيش و الاخوان المسلمين.
و في ليبيا فان الحرب الاهلية القصيرة حيث قام الناتو بتقديم الدعم العسكري الى الثوار الذي ادى الى حسم المعركة و انتهت الحرب بمقتل الزعيم معمر القذافي وقد افرزت تلك الحرب حكومة انتقالية غير مستقرة مرصعة من كل الاطراف بمجموعات قبلية و مناطقية.
و ما زالت معظم الفصائل مسلحة و تطالب بحصتها من غنائم الحرب و بالنسبة لسوريا فهي على شفا حرب اهلية حيث حسم الرئيس بشار الاسد و الاسرة الحاكمة امرهم بخوض قمار الصراع مع معارضيهم من خلال استخدام العنف قبل ان يكون هناك اي تدخل خارجي جاد ولكن هناك سيل منتظم من الانشقاقات العسكرية الى صفوف الثوار و تعد حصيلة ال 5,000 قتيل هي البداية فقط
و في اليمن فان الرئيس علي عبدالله صالح وافق اخيرا على التنحي في فبراير القادم و في اليمن ايضا من المرجح ان يسيطر على الحكم النسخة المحلية من الاخوان المسلمين اذا رحل الرئيس فعلا.
هذه الصورة المحبطة نوعا لما ستؤول اليه احوال المنطقة لا تعني بالضرورة ان نفقد الامل في ان موجة الرغبة في التغيير و الاصلاح ستجد طاقات جديدة و اطار اقل تشددا دينيا.
منذ الحرب العالمية الثانية هناك عشرات الامثلة من الدول التي انتقلت من اشكال مختلفة من انظمة الحكم الاستبدادي الى انظمة اكثر انفتاحا و اكثر تمثيلا لشعوبها.
و نادرا ما تكون عملية الانتقال هذه نظيفة و سهلة بل انها عادة تكون رحلة ملتوية تتخللها بعض الاخفاقات المتكررة و لا تؤدي بالضرورة الى نتائج ايجابية. كما ان مكونات الطريقة الناجحة و الناتجة عن انظمة استبدادية ليست ثابتة ايضا و يعتمد ذلك على المحتوى الثقافي و لا توجد هناك وصفة عالمية للنجاح.
بعد عام على بداية ثورة الياسمين يقف العالم العربي على نهاية المرحلة الاولى من النضال الذي بدون ادنى شك سيستمر لجيل قادم او اكثر.
و مع ذلك فان هناك مؤشرات في بعض الدول التي مر بها الربيع العربي مرور الكرام، كالاردن و بعض التجمعات الاقليمية مثل بعض دول الجامعة العربية المستقرة سابقا و دول مجلس التعاون الخليجي، فان الدعوات للاصلاح القادمة من الشارع اصبحت مسموعة.
ملك الاردن عبدالله تفاعلا سريعا لادخال الاصلاحات عندما بدات بعض التظاهرات في بلاده في بداية الربيع العربي و قد بدا بالتحدث بجراة كبيرة بالنسبة لزعيم عربي عن ضرورة تنحي الرئيس السوري الاسد عن السلطة و دعم التغييرات الدستورية.
وقد اظهر مجلس التعاون الخليجي و الجامعة العربية على غير العادة جراة كبيرة في محاولتهم التفاوض من اجل رحيل الاسد في سوريا و صالح في اليمن.
و فيما يخص الكويت التي يتمتع فيها البرلمان لسنوات طويلة بسلطات تفوق مثيلاتها في جميع دول الخليج، قال الحاكم الشيخ صباح الاحمد الصباح ان انتخابات جديدة ستجري في بداية فبراير.
و قد اجريت انتخابات في المغرب هذا الشهر و بحسب ما تقتضية قواعد التعديلات الدستورية، فقد دعا الملك محمد السادس زعيم الحزب الفائز بالانتخابات الى تشكيل الحكومة. ان تاثير الاصلاحات قد تم تمييعه بعض الشي نتيجة لفوز حزب العدل و التنمية الاسلامي ومع ذلك فانه يعد اصلاحا.
و في البحرين التي شهدت بعض من اسوا حالات العنف في بداية الربيع العربي، قام ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى ال خليفة بشكل غير مسبوق بتشكيل لجنة للتحقيق في مزاعم القمع الوحشي الذي قامت به قوات الامن و عندما اظهرت التحقيقات ثبوت المزاعم، ابدا الملك استياءه و وعد بالاصلاحات.
ان الطريق المنشود و الافاق المحتملة لثورة الياسمين ستظهر بشكل جلي في الاشهر القادمة عندما يتم تطوير دساتير جديدة في تلك الدول التي تشهد سيطرة الاحزاب الاسلامية على حكوماتها الانتقالية خاصة في مصر و تونس و كل تلك المؤشرات الدالة على اتجاه الربيع العربي ستكون العنوان الرئيسي للعام 2012.
*صحيفة فانكوفر سن الكندية