لحج نيوز/بقلم:د.عبدالحميد الموافي -
لعله من الأهمية بمكان الاعتراف بأنه بالرغم مما سمعته من أحد أقاربي، وكان مظليا، حول «صرواح» - احد جبال شمال اليمن - ومعارك اليمن في منتصف الستينيات، الا ان صداقتي مع ياسين - الدكتور ياسين - في كلية الاقتصاد وفي منطقة بين السرايات العتيقة بالقاهرة أواخر الستينيات، وصداقتي مع شخصيات يمنية أخرى رفيعة جعلت لليمنيين معزة خاصة لدى، لطيبتهم وعفويتهم وصراحتهم الودودة،
ولذا فانه لم يكن مصادفة أبدا ان يشعر الانسان بالكثير من الارتياح، والأمل ايضا، فيما يتصل باليمن الشقيق، بعد ان تجاوز، أو كاد احد اخطر مفترق للطرق في مسيرته، وهو انتقال السلطة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الى الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، الذي شغل من قبل منصب نائب الرئيس، بعد ان شغل مناصب عدة في الجيش اليمني.
وبالرغم مما هو معروف من انتشار السلاح في اليمن، وعلى نحو لا تضارعه فيه دولة عربية اخرى تقريبا، فانه لا بد من الوقوف احتراما للقدرة الكبيرة على ضبط النفس، وتفويت الفرص على كل من حاول جر اليمن وابنائه الى مصادمات دموية، حصدت العشرات احيانا، وتهدمت بسببها بعض احياء صنعاء ومدن يمنية مختلفة احيانا اخرى، الا انه كان سرعان ما يستفيق الجميع على ضرورة تطويق اعمال العنف ووقف المواجهات، والحفاظ على سلمية الاحتجاجات اليمنية المطالبة بالتغيير، ومن المعروف ايضا ان مشاركة المرأة اليمنية بشكل واضح، وواسع، ومستمر في حركة الاحتجاجات، كان من بين الاسباب التي فرضت على الجميع المزيد من ضبط النفس، ومما له دلالة ان توكل كرمان هي أول امرأة عربية تفوز بجائزة نوبل للسلام تقديرا لدور وتضحيات المرأة اليمنية في الربيع اليمني. وبغض النظر عن اسئلة عديدة حول ما جرى ويجري في اليمن الشقيق، وعناصره وابعاده، فانه يمكن القول بأن اليمن يقترب بالفعل من ربيعه الذى نتمنى ان يكون ربيعا مثمرا ومزهرا على مستوى كل ابناء الشعب اليمني وفي كل انحاء اليمن ايضا، وبما يحافظ كذلك على وحدة واستقرار اليمن وأمنه ويدفع نحو ازدهاره الحقيقي. خاصة وان استقرار اليمن وازدهاره ينعكس ايجابيا ليس فقط على ابنائه، ولكن على المنطقة من حوله ايضا، والعكس صحيح ايضا.
في هذا الاطار فان من الأمور ذات الدلالة، والتي تعكس في جانب منها ادراكا يمنيا شعبيا ورسميا واسعا لمخاطر الوقوع في هاوية الاقتتال الداخلي، ان يكون اليمن الشقيق الدولة العربية الوحيدة من بين دول الربيع العربي – الذي كان ربيعا - التي يتم فيها انتقال سلمي للسلطة وعلى نحو سمح بالتسلم والتسليم بين الرئيس السابق والرئيس المنتخب. ومع ان هذا في حد ذاته امر يحسب لليمنيين بكافة توجهاتهم وقواهم السياسية، الا انه من المبكر القول، او حتى الشعور بأن الأمر في اليمن انتهى، أو انه حل او اقترب من حل مشكلاته القديمة والجديدة. فما حدث هو بداية، وخطوة طيبة بالتأكيد على طريق طويل ومن المرجح ان تظهر عليه عراقيل وصعوبات وتحديات كبيرة، مباشرة ومنظورة، وغير مباشرة ايضا. ولعله من المفيد الاشارة الى ما يلي باختصار شديد:
** أولا: انه اذا كان قد تم خروج الرئيس اليمني السابق وتولي الرئيس الجديد مقاليد الحكم في اليمن، فان ذلك ليس نهاية المطاف، ولأنه في الواقع بداية جديدة لتعامل من المهم والضروري ان يكون جديدا ومختلفا عما كان يحدث على امتداد العقود الثلاثة الماضية بالنسبة لكل الشؤون اليمنية. صحيح ان المجتمع اليمني معروف بطبيعته القبلية ذات التأثير البالغ في نسيجه الاجتماعي، وفي استجابته لمختلف التطورات التي يتعرض لها، ولكن الصحيح ايضا هو ان هناك الآن في اليمن جيلا من الشباب، صنع الاحتجاجات واستمر فيها، وفرض التغيير، حتى وان كان ذلك بمساعدة ودعم القوى الاخرى، ومن المهم والضروري ليس فقط الانصات الى هذا الجيل الواعي والذي تجاوز في حركته الأطر القبلية التقليدية ليصنع من نفسه قوة يمنية جديدة، من الشبان والشابات، من غير الممكن اتهامها بسهولة بأن قوة اجنبية تحركها، او تدفع بها في اتجاه او آخر، ولكن ايضا الاستفادة منه، ومن عنفوانه واخلاصه واستعداده للعطاء لبلاده عبر صيغ واطر مناسبة له، يمكنها التكامل مع مؤسسات الدولة، وليس الصدام معها على اى نحو . وحتى اذا كانت هناك بعض القوى الشبابية التي لا تزال غير واثقة، او غير مستعدة للتخلي تماما عن بعض وسائل التعبير التي اعتمدتها في الفترة السابقة، فانه من المفيد فتح حوارات معمقة وصريحة مع هذه القوى ليس من اجل تسفيه آرائها او مواقفها، ولكن من اجل الاستماع الجيد لها وتفهم اهتماماتها تمهيدا للتجاوب معها، لأن القوى الشبابية هي ببساطة قوة الحاصر وصاحبة المستقبل، وهذا ينطبق على اليمن وعلى مختلف الدول العربية الاخرى،
من جانب آخر فإن هذه المرحلة الانتقالية، وهي بطبيعتها مرحلة حرجة، تتطلب عمليات اعادة هيكلة للعديد من الهيئات والمؤسسات والتنظيمات اليمنية، السياسية وغيرها، وهي عمليات يصاحبها عادة ابعاد شخصيات وقيادات ومسؤولين من مستويات مختلفة ووضع آخرين في مواقع المسؤولية، مع ما يصاحب ذلك من نتائج وآثار. وهنا تحديدا فان جعل المصلحة الوطنية اليمنية هي المرجع والحاكم في المقام الاول، يمكن ان يساعد كثيرا في النجاح في ذلك، مع الحفاظ في الوقت ذاته على حالة التوافق اليمني، المجتمعي والسياسي، الى ابعد مدى ممكن كضمان لحشد مزيد من الطاقات اليمنية السياسية والقبلية والاجتماعية لمساندة عملية الانتقال الى الاوضاع الجديدة. وهو ما يتطلب الترفع عن تصفية الحسابات، او استدعاء العداوات، او الثارات القديمة، ايا كانت، لسبب بسيط هو ان اليمن الآن لا تحتمل ذلك بالتأكيد .
** ثانيا: انه من المؤكد ان الحفاظ على حالة التوافق اليمني الداخلي، واستيعاب القوى الشبابية، يشكل احد اهم الضمانات لاستمرار وتعميق التوافق الاقليمي والدولي الذى كان له دور مؤثر في المساعدة في تحقيق التغيير في اليمن بالشكل الذي تم به، سواء من خلال المبادرة الخليجية والوصول بها الى درجة القبول داخل اليمن وخارجه، او على الدعم الدولي الواضح لها من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ايضا . ولعل الاجتماعات المقرر عقدها في العاصمة السعودية الرياض في 21 مارس الجاري، واجتماعات اصدقاء اليمن في الشهر القادم، توفر مزيدا من القدرة الاقليمية والدولية على دعم الجهود اليمنية للتغلب على الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ودفع التنمية بشكل يدير عجلة الانتاج الحقيقي لان الانتاج هو الحل وليس مجرد تدفق الاموال، مهما كانت.
** ثالثا: انه مع الوضع في الاعتبار ما تواجهه الدولة اليمنية من مطالبات انفصالية، في الجنوب والشمال من ناحية، وما يشكله تحدي تنظيم القاعدة الذي زاد من عملياته بشكل ملحوظ في الأشهر الاخيرة، وهو ما لا يمكن ان يكون مصادفة من ناحية ثانية، فإنه من المهم والضروري ان تسعى السلطات اليمنية الجديدة، وعلى رأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي ينتمي الى جنوب اليمن، الى استجماع كل القوى اليمنية، جنوبية وشمالية، بكل تياراتها واطيافها وتوجهاتها، من اجل اشراكها في بناء اليمن الجديدة كوطن يمني موحد لصالح كل اليمنيين، دون تمييز او استئثار او تهميش ايضا. وهذا هو الضمان لان تعمل كل القوى اليمنية معا مرة اخرى. وفي هذا المجال فان الامر قد يتطلب اعادة هيكلة للسلطة اليمنية، ولما تحظى به المناطق اليمنية المختلفة من اختصاصات محالية وادارية او غيرها، لأن المهم في النهاية هو الوصول الى توافق يمني قوى وعميق ومتماسك للابقاء على وحدة اليمن وتماسكه الاقليمي والشعبي، حفاظا على قوة اليمن، وحشدا لطاقاته لبناء غد افضل لكل اليمنيين، وهو امر لا يمكن ان يتم بدون تعاون واخلاص كل اليمنيين، وتجاوز عداءات الماضي لأن اليمن ومستقبله اهم وابقى من تصفية الحسابات او الجري وراء اهداف ضيقة .فهل يتحقق ذلك؟ انه مأمول وممكن ايضا.
* المصدر: جريدة "عُمان" العمانية