لحج نيوز/بقلم:نجيب غلاب -
>وحش غامض له وجه بارد..هل حان موعد رحيله؟
(1)
وجهه بارد يتلبس بالأبوة الزائفة، يتحدث بعد ان أيد الثورة وكأنه المجد الذي يجب ان يركع له الثوار فلولاه لماتت الثورة وأصبحت في خبر كان، هو الحامي والمنظر واللحمة التي تجمع فسيفساء الساحات، لم ينس ماضيه بل انه يبحث عن صورته التي لم تكتمل، أخطاؤه لن تنسى بعد فورة الغضب، يراهن على ذاكرة مستلبة، يعرف مثل أنصاره ان تاريخه المشوه في ظل ثورة تنسج ملامحها بلا مشروع فرصة متاحة لإعادة صناعته بالكلام والمال، ويعلم من يراهن على دوره القادم أن الصورة عندما تكون بيد تنظيم يملك الإعلام والرجال ويتحكم بحشود تبحث عن أبطال فإن صورة إبليس تتحول إلى صورة نبي ثوري يعبد.
إنها لحظة انقلابات جذرية تقودها ذاكرة جماهير منفعلة متوترة لا واعية تبحث عن خلاص ولا خلاص، فمن يحكم الصورة والصوت ينتصر، قطيع يذهب أين ما ساقه الراعي، ولو كان الراعي من أخلاق الثورة النقية البريئة لكان القطيع ملاكا ذكيا، لا ملامح ترى للحلم ولا لطوبى الثوار، تائهة تلك الحشود في براثن نقائضها، أوراق في عاصفة الصراع.
فتح أبواب كهفه ومخزون ماله وسلاحه، دولة كانت بين يديه مثله مثل صالح، ولكلاهما حلفاء وأعوان، صالح كان يخاف بثقة متهورة على تاريخه كان في الواجهة أما حامي ثورة اليوم وناهب روح الثورة الأصل بالأمس فان عمله كان من خلف جدار، ظاهر مستتر، كانت يده مطلقة ومازالت ولا حساب، للزمن أشياء لا يصدقها عاقل، صار في لحظة غباء مركب مزارا لثورة تريد أن تولد في حاضنة نقائضها.
تصوروا أن القادمين إليه نخب من كل نوع، بعضهم يبحث عن المال والأمان وعن مستقبل كراسي الغنيمة، بعضهم يحلم بعصر جديد بلا صالح ولتقم القيامة بعد ذلك، أشد الناس كرها لصالح.. صالح يتجسد فيهم روحاً وكلاما، وبعضهم بين يدي محسن يتمرغون بالرقص الثوري المشتت ضعفاء لا بطل لهم، محسن صورة الماضي الذي يعيدون صياغته باسم مستقبل لا ملامح له، يدرك محسن بخبرته وتربيته وارتباطاته الأصولية وبدروس خبراء استعباد الجماهير ان بعض القادمين إلى مأدبته معبأ وصارم وطاهر، منفعلون كريشة في مهب عاصفة.
يبحثون بين يدي محسن عن صوت يدعم نضالهم، نضال مسكون بطوبى لا ترى، يشبع رغبتهم بحذق، يناجيهم كأنه واحد منهم بل إنه يحدثهم أحيانا بانفعال يوحي لهم بكل ما تعلمه من خداع بأنه أشد تطرفا من أي ثوري، وعندما يطالبونه بالفعل يقنعهم انه الأعقل والأذكى ومن يعرف البئر وغطاءه، يفكك مرتكزات خصومه في كل اتجاه، واللحظة الحاسمة قادمة هو وأعوانه يعرفون متى الحسم، يؤكد لمن يلف حوله في لقاءات سرية انه اقوى مما يتصورون ولديه من القوة ما يجعله قادرا على قلب عاليها سافلها، يصدقونه كأطفال بين يدي جدتهم، أحدهم بكى بحرقة وهو يسمع شكواه وانفعالاته الخطابية والقوة التي يمكنه أن يحركها لولا حرصه على الدماء والثورة، صار محسن صنما من لحم و.. عظم! ، لم يرف له جفن ولم يشك ذاك الهائم في مقولات الحسم الثوري قال بغضب ثوري: انه فارس الثورة وأبوها، نصرنا الله به ولولاه لهزمنا!!! وكأن الثوار جماعة من الأرامل -حسب أحد أذكياء التغيير.
(2)
ذبح اليسار كان على يدي محسن وزمرته كان هو الزعيم الفعلي للصراع وصانع الحروب، لم تكن حرب الوحدة إلا أعلى تجليات مشروع حلفائه، كان صالح في مهب عاصفتهم، كان يخافهم ويوظفهم ويدرك قوتهم وبدونهم كان مكشوفا، لم يكن قادرا على الرفض لان رفضه نهايته وربما محاصرته، اجتمع الكل في تحالف شرير لا من اجل الوحدة بل من اجل الهيمنة وقتل اليسار واخماد صوت أحرار قالوا: مشروع حضاري، حرية وتقدم، صحيح أن حرب صالح ورفاقه كانت بذرة حياتهم وغناهم لكنها كانت في الوقت نفسه بذرة فناء لمستقبلهم وخنجرا مغروسا في جرح الوطن.
عقدة العقد لاحقا أن أقدار السماء جعلت أبناء الحرية والتقدم جنودا في رقعة شطرنج قاتلي مشروعهم, إنهم مسجونون في قيود ناعمة من حرير قاتل، الغباء له أشكال وفي اليمن لا شكل له ولا لون ولا طعم بل انه متلبس بأغنية مخادعة، يتصورون أنهم منصورون وهم في قعر بير الحلم يبنون لنا طواغيت من كل لون.
(3)
كانت الحرية تنسج حلم الحرية في زوايا الحكم، صرخ بدهاء غير منظور من أنبتهم ضمائرهم، وبنعومة خبيثة قالوا: ليغادرنا القديم مهما كانت النتيجة المهم ان يغادر القديم ويترك الحرية ترسم طريقها، راهنوا على جديد يبحث عن مسار، ربما من الحلم الناقص يتولد واقع مكتمل، لم يلعبوها بذكاء لا اكتمال إنها حركة دائمة، فساد ابتلع الطموح، إنها لعبة الأيام وحدهم اليوم من يتحدثون بالحلم وبالصوت الثوري الصارخ يريدون واقعا ثابتا باسم الحرية والتغيير، عجائب الدهر لا يتخيلها البشر حتى وان كانوا حكماء.
تخلص بعض الأحرار دون إلغاء من صورة الغول الأكثر رحمة، حزب مسجون بين قضبان الشيخ والعسكر والأمن، اقتربوا كثيرا وبيدهم أذرع قوية خارج سيطرة الوحش وحلفائه، تفننوا في ملاحقته وكاد ان يخسر الوحش الذي أصبح لاحقا ثوريا، كادوا ان يقطعوا شرايين الحياة التي تمده بالطغيان، فتح الشر في صعدة وكانت الحوثية صناعة إعلامية في البداية لكنها أنقذت الوحش وجعلت من صعدة كنزا له ومعضلة للدولة، مكنت محسن من مراكمة الثروة والسلاح وتعاظمت قوته غير الرسمية ورسخ تحالفاته في الحكم والمعارضة. أوقع الجميع الداخل والخارج في حبائله وصار بطلا متجذرا وكأنه قدر لا يمكن ان يرحل، رحل من علمه السحر وبقي الكابوس جاثما فوق الثورة ويبحث عن هيمنة يكون هو رأسها، نصف دولة منهكة بين يديه، يبحث عن معركة كبرى لابتلاع الثورة والدولة.
(4)
فكك محسن وزمرته النظام من الداخل قبل ان يغادروه، فتح لخصومه جبهات في كل مكان حتى يبقى فيه، كانت خبرة الحلفاء من اخوان وشيوخ قبائل ورموز مال تمده بالفكرة والفعل، تحلم دوائره المتشعبة باليوم الذي ينتصر رمزهم المقدس، ربما هم بيادق في معاركه وأنصاره القبليون قوة مضافة لطموحه، يتحرك في كل الاتجاهات وببراءة مصطنعة ينشر كوسواس خناس الصراعات في دوائر الحكم وملحقاته، يستهوي وخبرائه خلط الأوراق للوصول الى المراد، أشعل معارك متناقضة بألون كثيرة مشتتة وفي اتجاهات متعددة ليحمي نفسه وحلفاءه وأحلام حزبه، كان يلعب وكأنه جنديهم المخلص ويعمل ولديه حلم بان يكون هو الأول الذي ليس فوقه شيء في اليمن.
اخترق الإخوان فضاعوا في براثن طموحه الأعظم، حول ذراعه الأمني في الدولة إلى كابوس وطني جعله تائها في متاهة لها عنوان واضح وهدف غامض، لعب وحلفائه وجعلوه خلية تنظيمية لحزبه لا جهاز امني مختص بوظائفه الدستورية والقانونية، وفي مسارات معقدة جعل حركة إخوانه خلية أمنية لا خلية حزبية، اخترق مؤسسات الدولة ومفاصلها المحورية وجعلها إقطاعيات لنخبة متحفزة ولاؤها له، نخبة لها حلم مثالي وعشقها كرسي وغنيمة، حول حزبه في الدولة الى ذراع لصالح صالح ليختنق بهم، فتتوا مناصريه عاثوا في الارض فسادا، كانوا لعنة صالح لينتصر محسن، اخترق القبيلة زرع فيها الخصومات، قضايا قبلية كثيرة أشرف عليها لم يحسم منها سوى القليل والبقية ظلت مفتوحة بين يديه يحكمها بالدم والرصاص والمال، تركها ليحكم أطرافها، كان خبيرا بوعي القبيلة فهو صورة منها، أنكأ جروحها وبوجهه الميت البارد وتلبسه بالصلوات الاسلاموية كان هو البريء وغيره ظالما وقاتلا.
(5)
كان صالح منفعلا واضحا حتى بخداعه ومناوراته من السهولة ان تقرأه وتعرف ما يريد، خاض معاركه بكل التناقضات عيني عينك، سياسي لعب بكل الأوراق أمام الجميع فاتبعه الجميع ولم يتمرد عليه إلا جيل جديد متحرر من المصالح التي نسجها صالح، مشكلة الأحرار الجدد انهم وقعوا في رقعة شطرنج وجه صالح الآخر الأكثر غموضا وبشاعة وقبحا ومن له ألف حبل وحبل لا ترى حتى لمن هم في مسارات حلفه، غموض يلف الحقيقة الغامضة.
كان الخارج يرى صالح بوضوح ويدركون مراميه لم يخدعهم كثيرا كما يتصور الكثير حاولوا ان يحرروه من هوسه في التحكم والسيطرة، الهيمنة الشاملة مرض لا دواء لها، ومن حول صالح كان هناك رجال في الحكم والمعارضة مقيدون بين حبائله التي كانوا يرونها ليل نهار ولم يقل أحدهم (لا) صريحة كما يقولها ثوري شاب عشق الحرية ويبحث عن وجوده في دولة ربها القانون والله يحكم قلوب العباد.
محسن يتلبس بما يريد من يراه ضرورة لفوزه في الداخل والخارج، كان ومازال يدير معركته بأشواق مقدسي السلطة والثروة، جندي سري يقاتل من اجل نفسه ومشروع خفي له وجه ظاهر بريء وباطن من جحيم التآمر والأحلام الأسطورية، لم يكن يهتم إلا بمن يمتلك قوة تأثير، كان يقود الجميع إلى ما يريد بهدوء ودون ان يشك به أحد، وكان خلفه ميكيافلية اسلاموية تسنده بكل مخالبها وطاقتها الظاهرة والخفية الداخلية والخارجية، جعلت منه وحشا كاسرا لتنتصر لا يعرف دوره غير دائرة ملعونة يجمعها يمين تأكل اليمن بطولها وعرضها.
ربط قوى كثيرة بحباله ضرب الكل بالكل وأذرعه أخطبوطية، لديه جيش تنظيمي رسمي وغير رسمي، حتى صالح وقع في شباك لعبتهم الكبرى، أما عائلة الأحمر فقد قيدهم ورماهم في ساحة معركته، قطع صلات وصلهم بمنافسيه، لم يكتشف بنو الأحمر لعبته، يخافون منه، دموي لا يرحم, كما قال أكثرهم طموحا، تريد العائلة ان تقهره لكنه وزملائه أوقعهم في حبائل خداعهم، تعتقد عائلة الاحمر والغموض يلفهم انه بشمرجي في ديوانهم لحماية ملك غير معلن، يشبع غرورهم، يريدهم بشمرجة في دولته القادمة.
(6)
وحده احمد علي خصمه الذي لم يتمكن منه حتى اللحظة، صحيح انه افقده كثيرا من قوته، وضرب ضربته في لعبته الثورية، مازال الابن متماسكا يبدو أنه ينسج نفسه وأمامه صورة صالح ومحسن، هل سيتحرر من عيوبهم وهل سيتخلص من حبائل محسن التي تتحرك في كل اتجاه لخنقه!! هو أكثر حداثة منهما وفي مخاض واقع مرتبك معقد يبحث عن مساره، صارم في صناعة مساراته بلا خبث، واقعيته الممتزجة بفكرة الدولة ربما نقطة ضعفه في واقع يتحرك خارج فكرة الدولة، يعتقد محسن انه وحزبه يلفون المشانق حول رقبته، والتجربة تؤكد أن محسن يخافه لأنه يعرف أن أحمد يمزج تجربة سابقيه والمثال الذي يشرعن للمستقبل في بوتقة واحدة، يضع نقره في نقره، على استعداد ان ينتحر وينتصر على خصمه، دعايته وحلفائه لم تخترق قوته، يحاولون ان ينهوه بقوة الخارج، قوى الخارج حساباتها مبنية على قراءة واضحة لمسارات الصراع، لم يتهور كثيرا هادئ وصبره لم ينفلت في المواجهة، ضربات هجومية ودفاع في وجه الوحش الكاسر وأوليائه، يدرك محسن أنه لا يخاف من المواجهة، لعبة يتحكم فيها داخل وخارج، أحمد علي يغلي في واقع مغلي، يبحث عن مجده خارج ماض يغادر بقوة ثورة، واقع يجمع بين تناقضات واقعه وحلمه، بين ماض يعاد صنعه بصورة مختلفة، حبائل محسن حوله مازالت ضائعة، وحدهم الشباب هم العقدة الكبرى، هل سيتمكن من التواصل معهم؟ ربما هذه القشة التي ستؤلم محسن، ربما التواصل قد يولد خليطا من التناقضات لكنها ربما ستنحت المستقبل بروح التغيير بمسار لا يحبذه الطامح بالجمل بما حمل، ربما المشروع أولا يحرك المعركة بلغة اكثر تعقلا، صحراء شاسعة تفصله عنهم، صحراء يوسعها محسن وزمرته الظاهرة والخفية بحذق يدرك انفعال دعاة المستقبل الجديد.
صفقة حرة تجمع الكل ربما أرحم، ربما يخرج منها مشروع مختلف يدافع عنه ويحميه الجميع ينقذ السفينة بما فيها ومن عليها وهذا ربما يكون بداية وطن مختلف له لون وطعم ورائحة الإنسان وأشواق الحرية والتقدم، لكن هل يتوارى محسن لتنضج الصفقة؟ الأمريكان أعلم بالوعود ولا علم لهم بما يجري خلف الوعود المؤكدة والكلام الناعم!!!
(7)
يلعب مع حلفائه باحتراف وفي خضم معركة لها أصوات لا تعقل يدار الصراع لتكسير معالم التوازن، صحيح أن أبناء الحرية صادقون مشكلتهم انهم يتحركون في رقعة شطرنج نخاسة سلطوية وينحتون قيودهم بشراهة ثورية ستقودهم في نهاية الأمر ان لم يتعظوا ويفتحوا أفق التساؤل إلى جحيم ظلمة لا مخرج منها.
قصته طويلة وهي بحاجة الى تفاصيل أكثر، قال لي أحدهم مقرب منه وعرفه طوال تاريخه انه لا يتمتع بالدهاء الذي تتصوره ويتصوره الكثير انه اضعف مما تتصورن, قوته في من يحكمه ويغسل دماغه، هو صديق صالح وصنيعته، وفي لحظة كراهية وحقد استغله غيره وفي بؤرة لا ترى تم ترميمه ومازالت المعامل مستمرة في نسج صورته وتفتيح مسامات عقله المقفلة ، أنه في الحالتين أداة ينتهي بمجرد القيام بعمله، وختم بالقول: لا تضخمه ومثلك كثير كلكم مخدوعون أنه مخلب قط ليس إلا.