لحج نيوز:- - دعوني أعيد الكرة في الحديث عن اتفاق الأحزاب، بخاصة المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك، سأكون هذه المرة "إيجابيا" واقول إنه إنجاز وطني يمكن من خلاله التهيئة ليمن جديد سياسيا في ابريل 2011 عبر انتخابات وفقا لنظام انتخابي يعالج المشكلات التي أفرزها النظام الحالي الذي هو من بقايا اتفاقات مراكز قوى 1990م التي أصبحت الآن في الهامش خصوما لطرف فاعل ووحيد هو الذي يمثله الرئيس علي عبدالله صالح.
لنقل إن المتفقين أدركوا -أخيرا- إنهم أسلموا اليمن لنقيض أهدافهم، وأن أكبر مظاهر ذلك هو أن مجلس النواب -رغم استهلاكه تمويلات ضخمة سواء للحملات الانتخابية أو له كمؤسسة بعد ذلك- لايخدم المصالح والقوى التي تنتعش معها وبها ولها العملية الديمقراطية. وأنه أصبح تجمعا لأصحاب الرؤية الاجتماعية الوحيدة مهما كان الاختلاف الحزبي أو السياسي لأعضائه.
ولذا اتفقوا على تغييرات جوهرية في النظام السياسي، تغييرات لاتضطر معها المعارضة لإحراق القش بحثا عن إبرة التغيير، ولا يواصلوا بدون الحاكم مشوار التفرد الذي يرهق في محاولات الحفاظ عليه أكثر مما ارهق في تحقيقه.
لكن، وباستثناء التجربة والتي لا أريد أن أستسلم لها الآن لأنها تقول: "مافيش فائدة"، فلا نعلم ولانملك أي مؤشرات عن مدى تحرك الفرقاء المتفقين للوفاء بماقالوا إنهم يريدون تحقيقه خلال فترة التأجيل. ولا مدى قدرتهم على تقبل الرؤى التي يعتقدونها ظاهريا مخالفة لمصالحهم، وهل كل منهم مستعد أن يغير في طريقة ممارسته السياسة وإدارته للحملة الانتخابية وتصوره للبرلمان وأحقية ووجوب مساندة من يفوز فيه سواء كحزب أو عضو..
المؤتمر مثلا، لايستفيد من أغلبيته التي طالما وفرت له الأمان العددي في القاعة، فهي قادرة على أن تؤمن له قاعدة شعبية وخيارات إدارية تبطل الادعاء المعارض أن البلاد تحكم عبر أسرة أو فرد..
أما الأحزاب، وأولاها أحزاب المشترك، فإن أعضاءها الذين يفوزون عبر الانتخابات لايشكلون أي قوة تنظيمية. فالنائب يظل مجرد عضو في الحزب مثله مثل غيره.. ولايملك القوة التنظيمية التي يحظى بها أي مسئول تنظيمي، مع أن المشروعية الشعبية هي للنائب وليس للقائد الحزبي الذي يفترض أنه ليس أكثر من مجرد سكرتير للنشاط التنظيمي.
كل حزب يريد أن يكون صوته البرلماني مسموعا من قبل الآخر، مع أن ممثليه هو داخل البرلمان لايحظون بالقوة، وتغيير ذلك هي من المتطلبات الحقيقية لتثمر أي انتخابات مهما كان نظامها، حيث تمنح القوى والوظائف الجديدة قوة تمثيلية في مؤسستنا الدستورية الأولى، تديرهم قيادة موالية للتغيير كمصلحة وطنية بالدرجة الأولى وتعمل له فنيا وسياسيا.
وحتى يظهر لنا مايفعله المتفقون، فإننا نلفت عناية الرئيس علي عبدالله صالح، أنه هو رئيس الدولة المنتخب في سبتمبر 2006 من قبل قاعدة انتخابية عريضة، وهو رئيس الحزب الأكبر في البلاد "المؤتمر الشعبي"، إن مواطنيه خلال العامين لن يأكلوا اتفاقات سياسية، وأن التنمية لن تعتاش من الحوارات حول النظام الانتخابي.
وحين يأتي الاستحقاق الانتخابي بعد عامين ومهما كانت الافكار التي اتفقت الأحزاب عليها خلاقة ومبدعة ورائعة وتنجز اصلاحاً سياسياً ودستورياً كاملاً، فإنه مالم تستغل دولته هذا الوفاق السياسي لمعالجة محاور أكثر خطورة من الاصلاح السياسي راهنا فإنها ستصطدم بما ملخصه "بلوا أوراق النظام السياسي المتصور واشربوا ماءه" إن كان له ماء.
هناك تحديات حتى الأحزاب السياسية لاتعلم عنها شيئاً، أو لنقل غير مكترثة لها بالمرة لأسباب لايهم هنا الحديث عنها، لكن الدولة ومؤسساتها مهما بدت شكلية أو هشة، تعلمها.. وتقارير المؤسسات الدولية المعنية تشير إليها وتتحدث عنها ضمن مؤشرات صارت منهجا لإدارة الدول.
ليس مطلوبا أن تعيد دولتنا "اختراع العجلة"، ويكفي أن تقرؤوا تجارب دول تحركت من وضع أسوأ من أوضاعنا الى وضع أفضل بكثير من دول عربية غنية بالنفط لكنها فقيرة التقدم والتحديث.
لايهم التقارير الدولية لكن يكفي أن تقرأ مثلا معايير ومؤشرات مؤسسة الألفية التي خرجت منها اليمن ولم تعد حتى الآن وأنت قل لنا بعد ذلك أين تضع اليمن في كل مؤشر من تلك المؤشرات. وحين نقول اليمن فإنها ليست صنعاء ولا الطبقة السياسية في السلطة والمعارضة فهي كلها ليست أكثر من 5% من هذه البلاد التي لو لم تنشط دولته لصارت وحدته وبالا على كل جزء صغير منه.
يافخامة الرئيس، لسنا أكثر خبرة منك.. لكننا نحن بالأغلبية وليس بالمجموع المقياس لنجاح أو فشل أدائك وأداء دولتك.. واليمن لم تعد تلك التي تسلمت حكمها لا يوم الـ17 من يوليو 78، ولا الـ7 من مثيله 1994.
دعنا من هذا كله، فلاأسوأ من أن يصل المسئول الأول في أي بلد للاحباط أو للاستفزاز، ولكن طلبنا أن تنشغل أكثر بأداء مؤسساتك الرسمية أولها دواوين عموم الوزارات وعلى الرأس من ذلك مكاتب الوزراء.. نعم هم أبناء هذه البلاد لم تربهم أنت ولا أنت قادر على أن توجد طبقة لا تعبر عن هذا المجتمع ولا تنتمي له لكي تحكم بها وتنجز مالاينجز، ولكن الاتفاق السياسي هذا يعيد لك الفرصة لتولي اهتماما أكبر بالمؤسسات الرسمية بعد عمر طويل من تنابز حزبي لمدة تقترب من العقد.
سياسيا سيكفي أن تدعم حواراً جدياً يشبه الحوارات التي أنتجت المؤتمر ذاته في ثمانينات القرن الماضي. - المصدر (نيوز يمن)
|