بقلم/على ناصر البخيتي -
سيد , قاضي , قبيلي , مزين , خادم , تلك طبقات المجتمع اليمني خصوصاً في المناطق الشمالية , تأسست بفعل عوامل كثيرة منها الفقر والغنى والموروث الديني والعادات والتقاليد , وانعكست تلك التفرقة العنصرية على الزواج خصوصاً , وأدت الى ظهور أمراض وراثية وتشوهات خلقية وقصر في القامة في كثير من الأسر في الأرياف بشكل خاص نتيجة لقلة أعداد بعض الطبقات وانحصار الزواج في الأقارب , وكل ذلك يدل على أن تلك العادات والتقاليد ضد قوانين الطبيعة وتؤدي الى خلل وبالتالي يستحيل أن يكون لتلك العادات أساس ديني , فالدين لا يتعارض مع قوانين الطبيعة , والخالق عز وجل هو من وضعه السنن الكونية في الخلق ومنها أن الزواج بذوي الأصول المختلفة والبعيدة يحسن النسل ويقلل كثيراً من الأمراض الوراثية وبالتالي فلا يمكن أن يشرع الخالق في الدين ما يعارض سننه في الخلق , واصطفاء الله لبعض خلقه هو لتأدية مهمات معينة لا لتمييزهم عن غيرهم في النسب .
وبالانتقال الى المناطق الجنوبية فقد تمكن الحزب الاشتراكي من بسط سيطرة الدولة العملية على كل شبر في الجنوب فتمكن من القضاء على الكثير من تلك العادات السلبية ونشر التعليم وبشكل اجباري على كل فئات المجتمع ونتيجة لتلك السياسات وصل الكثير من فئة ما يسمى بالأخدام مثلاً الى مناصب رفيعة ورتب في الجيش والأمن , مع بقاء القليل من التمييز بين المواطنين أنفسهم , لكن الدولة بكافة مؤسساتها وتشريعاتها في الجنوب قضت على التمييز الرسمي وبشكل قانوني وعملي وكانت تعاقب من يمارسه في أجهزة الدولة .
جاءت الوحدة وضن الكثيرين أن كل طرف سيأخذ إيجابيات الطرف الآخر , لكن ما حصل هو العكس تماماً فقد تعمد النظام - خصوصاً بعد حرب 94 م - اسقاط هيبة القانون وزرع تلك السلبيات الطبقية وبشكل منهجي وأعاد الى الجنوب الى عصر ما قبل الدولة , منتجاً المشيخ والقبيلة و الثأر في كل مكان , ذلك هو الاستثمار الوحيد الذي قام به النظام لأنه لا يملك حضارة ولا مدنية ولا مشروع وطني وثقافي وكل ما كان يمتلكه هو " الا دولة " .
ومع تراكم السلبيات تطورت العنصرية في اليمن الى أن وصلت الى التمييز بين أبناء المحافظات أنفسهم بغض النظر عن أصولهم.
أصبحت العنصرية تمارس علناً وفي أهم المؤسسات " مجلس النواب " الذي يفترض أنه المكان الذي تشرع فيه القوانين التي تجرم التمييز والعنصرية .
ان ما حصل من اعتداء سابق من قبل رئيس المجلس على النائب صخر الوجيه يمثل قمة العنصرية , ولو كان الوجيه من حاشد أو بكيل لما تجرأ الراعي على فعلته تلك .
وللأسف قد انتقلت عدوى التمييز من رئيس المجلس الى الأعضاء وتجسدت في الألفاظ التي وجهها النائب محمد الشايف الى كل من وزير المالية ورئيس الوزراء باسندوة , والأدهى من ذلك أن رئيس المجلس طالبه بإعادة ما قاله ليستمع اليه من فاته الاستماع في المرة الأولى , وكأن الراعي يريد أن يؤكد أنه ليس وحده الذي يمارس تلك التصرفات , تصرف الشايف ذكرنا بالاعتداء السابق على الاستاذ / حسن مكي نائب رئيس الوزراء الأسبق .
تلك الألفاظ لم نتوقع صدورها من الشايف الذي استبشرنا خيراً بتصريحاته الأخيرة التي طالب فيها بإلغاء مصلحة شؤون القبائل ووقف المبالغ التي تسلم للمشايخ دون وجه حق , مطالباً بتحويلها الى الضمان الاجتماعي , وقتها اشدت بتصريحات الشايف في مقال لي بعنوان " أيهما أولى بالتحصين شلل الأطفال أم شلل المشايخ ؟ " وشكك الكثير وقتها في تلك التصريحات معتبرين أنها زلة لسان في لحظة انتشاء .
وهنا يجب علينا وضع الكثير من الأسئلة على مجلس النواب : هل ستتم محاسبة من أساء الى الوزير ورئيس الوزراء ؟
ولماذا كل هذا التركيز على الكاتب / عبدالكريم الرازحي بسبب مقاله عن مجلس النواب والذي كان بعنوان " سدوا هذه البالوعة " معتبرين أنه أهان المجلس بينما أنتم تمارسون العنصرية علناً فأيهما أولى بالمحاسبة الإهانة أم العنصرية ؟
اذا كانت تلك تصرفات النخبة السياسية التي من المفترض أن تكون قدوة فما الذي نتوقعه من الآخرين ؟
وأهمس في اذن الشايف وأقول له لو كان وزير المالية حاشدياً أو كان رئيس الوزراء شيخ من بكيل مثلاً هل كنت ستقول ما قلت ؟ لماذا نستقوى على المدنيين في هذا المجتمع ؟ وهل سيأتي الوقت الذي تمتلك فيه الشجاعة وتعتذر للوجيه وباسندوة ؟
وكذلك اتوجه بسؤال الى الحكومة ووزرائها: هل ستستمرون بالحضور الى مجلس النواب ؟ وهل ستقبلون التحكيم والهجر ؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذونها للمحافظة على كرامتكم ؟ وكيف ستحفظون كرامة الشعب وكرامتكم مهدورة ؟
ان ما حصل في مجلس النواب " السلطة التشريعية " يعتبر تشريع رسمي للعنصرية , فكما قال بعض العلماء ان سكوت الرسول " ص " عن تصرف معين يعتبر اقراراً منه بصحة ذلك التصرف , وسمي ذلك " سنة تقريرية " , كذلك ما حصل في المجلس " قانون تقريري " .
" نقلاً عن صحيفة الأولى "