بقلم / عبدالرحمن بجَّاش -
أسوا ما في الأمر أن يتوارى أناس من الواجهة إلى ما وراءها والحاجة الماسّة إليهم أن يظلوا، لا تدري ما الذي يجعل الإنسان أحياناً يتوارى إلى الخلف وهو في ربيع شباب الحضور، أناس كثر من مختلف المهن فضلوا التواري، ليس جبناً ولا خوفاً، لا تدري أي سر هو السبب الذي جعلهم يتقاعدون عن الحضور مبكرين، خاصةً النبلاء منهم، مَنْ يفترض ألاَّ يتواروا ولا يغيبوا ولا ننساهم.
أحد نبلاء المشهد محمد علي الشامي، الشاعر الأكثر رقة، المتواضع حتى العبث، الذي لم يترك وراءه إلاَّ كل شيء جميل، يكون السؤال : أين هو؟
أخشى القول إنني لا أعرف، أنا أتحدث هنا عن المحسوس، لكن عن الحضور فلا يزال الرَّجُل في عقول وقلوب الكثيرين، وأنا واحد منهم، يعيش الرَّجُل الأكثر دماثة ممن عرفتهم وعايشتهم في عقلي وقلبي، وأذكّر مَنْ له من مفكرة الجمال نصيب أنه صاحب النفس الأجمل، وكشاعر صاحب الروح الأكثر شاعرية، وحين تقرأ له نصاً تحس أن الدنيا بها من الجمال ما يكفي الأحياء والقادمين إليها، فقط على الناس والمثقفين تحديداً أن تكون نفوسهم مستعدة لأن تكون مواطن للجمال.
الشامي صديق المسَّاح، وأنا صديقهما، وإذا جاز القول تلميذهما إذا سمح الشامي أن أتمحك به، أما المسَّاح فقد منحني شرف أن أكون ابنه المهني.
صادقاً أقول إن على النخب أن تعود إلى إنسانيتها إذا أرادت لسفينة هذه البلاد أن تمخر عباب البحر، فما لم يكن للعلاقات العامه والحضور الإنساني بُعدهما الروحي فسنتحول إلى آلات صدئة تدور والذحل يفتك بالحياة، أقول عليها أن تفتش عن الناس الذين تواروا احتراماً للنفس وبعد أن تحول العالم إلى مجرد واجهة كُلٌّ يكتب عليها ما يريد من شعارات معظمها إن لم يكن كلها فيه من الفجاجة ما يجعلك تطلب عن رضى الاستقالة من الحضور العام، أين اتحاد الأدباء كبيت للإنسان يفترض أن يبحث عن الإنسان المغيب قسراً؟ أين...؟ أين...؟
كيانات أخرى أضحت مجرد واجهات بلا عناوين ولا محتوى، وحين تقرأ لا تجد سوى تبخر هواء الروح كمدفأة تبحث عن الدفء، بينما أنت تحرق قدميك وكل ما يربطك بأصل كل شيء، لا أدري ماذا أضيف إذا قلت أين محمد الشامي الشاعر؟ أين محمد الشامي الحضور الأجمل؟ أين محمد الشامي المعجون بالإنسان إلى حد الوجع؟ أين فلان وفلان وفلان وعلان؟ أين ذهبوا؟ ولماذا؟ ومتى نستعيدهم لنحس أننا لا نزال نعيش الأمل أو بالأمل لا فرق، من قاع الوجع أسأل : أين الشامي محمد علي؟
} } } }
{ الدكتور سعيد عبدالعاطي، ابن النيل العظيم وأحد مَنْ لهم يد جميلة على هذه البلاد، هل يسأل عنه أحد؟ يتذكره أحد؟ جامعة صنعاء مثلاً، قسم التاريخ بكلية الآداب، على سبيل التذكر، يا ناس، ماذا حل بنا حتى نكاد ننسى أنفسنا!!