|
|
|
لحج نيوز/متابعة:عبدالناصر المملوح - في تمام الساعة العاشرة والربع من صباح الاثنين 13 يناير 86م.. أذَّن مؤذِّن من داخل قاعة اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني وبصوت الغراب: يا أيها الرفاق.. عليكم حلت اللعنة.. واللعنة -لاشك - موصولة إلى يومنا هذا لمن لم يكتف بعد، بما قد اقترفته يداه.
ولم يتوقف الصوت الأول من آذان الشر إلا بمجزرة حصدت أول ما حصدت كوكبة من خيرة الرفاق الذين قادوا النضال الوطني والتحرر من ربقة الاستعمار، وظلت الوحدة والهوية اليمنية الواحدة شعاراً يعلو كل فعالياتهم التنظيمية والرسمية.
لتكون تلك الكوكبة التي امتزجت دماؤها داخل قاعة الاجتماع المشؤوم، كما هو تاريخها في النضال، فاتحة لحرب أهلية كارثية مجنونة.. التهمت الأخضر واليابس وأكثر من 32 ألفاً من أبناء الوطن في جزئه الجنوبي حينها.. ومثلهم تشردوا بعد أن غابت "الأممية" و"مبادئ ماركس" التي شكلت -أو هكذا قيل- أرضية قام عليها الحزب الاشتراكي اليمني من طراز جديد.. ليتضح الأمر صبيحة 13 يناير والأيام اللاحقة، أنها أرضية هشة، وأن الحزب الذي نشأ متجاوزاً واقعه والواقع البدائي الذي كان لا بد من أن يعكس صورته فيه، انتهى إلى قبائل ممزقة بين عدة ولاءات شخصية ومناطقية.. وأصبح القتل بالهوية هو العنوان.
أطلق على أحد أطراف الصراع مصطلح "الزمرة" يترأسهم علي ناصر محمد.. وتكاد أبين وشبوة تشكلان معقلهم.. وأطلق على الطرف الآخر "الطغمة" ترأسهم بعد استتباب الأحداث لصالحهم علي سالم البيض القادم من حضرموت، وتكاد مديريات لحج، يافع، ردفان، الضالع، تشكل نطاق عناصرهم، ولولا الفراغ القيادي الذي خلفه استشهاد علي عنتر وصالح مصلح وعلي شايع هادي وعبدالفتاح إسماعيل ومحمود عشيش.. والقائمة تطول، لما كان للبيض شأن يذكر وفقاً لما تؤكده تحليلات العارفين..
والآن ونحن نعيش ذكرى تلك الأحداث المؤلمة أمامنا روايتان: إحداها لعلي ناصر محمد، وهو يتحدث عام 94م لمجلة "الوسط" اللندنية متهماً البيض. والأخرى للبيض متهما علي ناصر.. ولكل روايته المختلفة عن الآخر لما حدث صبيحة ذلك اليوم.. ننشرها كما هي.. ونترك للقارئ التعرف على الشخصيتين اللتين اكثرتا في الآونة الأخيرة من الحديث عن الحقوق والحريات، الحوار، المواطنة.. وعدم سفك الدماء.
كما أن للقارئ كامل الحرية في استنباط الإجابة الشافية عن السؤال التالي: هل يمكن مواجهة المستقبل بتجاهل الماضي؟.. وهل يكفي الحديث عن فتح صفحة جديدة للاطمئنان إلى أن الحاضر والمستقبل لن يدفعا ثمن ما حصل في الصفحة التي قيل أنها طويت؟.
بالنسبة لأحداث 13 يناير.. هناك من يحملك مسؤولية الطلقة الأولى؟
- علي ناصر محمد: كثيرون للأسف يعتقدون بأن الشرارة التي انطلقت في 13 كانون الثاني "يناير" 86م هي التي فجرت برميل البارود لتبدأ حرب الرفاق التي لا رحمة فيها، الحقيقة أن فورة الدم التي انبثقت في يناير كانت امتدادا لصراعات وحروب دموية سابقة، لكن ربما تكون أكثرها دموية وبشاعة، فالتصفيات الدموية بكل اسف سمة لازمت الثورة اليمنية.. وقد شارك الكل فيها، كل في موقعه وحسب مسؤوليته.. من حق شعبنا أن يسأل لماذا كان هذا الصراع؟! وضمن أية أسس ولأية أهداف؟!.. أسئلة لا غنى عنها إذا أردنا فعلا أن نفهم أو ندرك لماذا حدث ما حدث، ولأية أهداف تمت التضحية بأجيال وأجيال.
باختصار، ومهما كانت الأسباب والدوافع، فالواقع أن اليمنيين كانوا أدوات هذه الصراعات ووقودها، وقد خسرنا رفاقا من الطرفين منذ بداية 1968، وشكل هذا خسارة فادحة للوطن وللثورة، وكان الشعب دائما هو الخاسر الأكبر.
فكل حرب من هذا النوع تقتل الحاضر وتدمر المستقبل.. ومع الأسف أن أحداً لم يع الدرس قبل الوحدة وبعدها والدليل حرب عام 94م.
لعل مصطلح "قوس الأزمات" يعبر بدقة عن طبيعة الصراع المتفجر الذي شهدته اليمن الديمقراطية منذ وقت مبكر من الاستقلال أو قبله بقليل حتى 86م، وقد أفردت فصولاً كاملة في مذكراتي عن هذا الصراع وخلفياته وأسميتها صراعات القصر.. وهي صراعات كانت تحركها الطموحات الشخصية وحسابات السيطرة والقوة، والمصالح الخاصة التي ترتدي أهدافاً كافة وبعناوين عامة، كانت هناك أسباب لهذه الصراعات بعضها يصب في خانة الموضوعي وبعضها في حساب الذاتي، هناك أسباب موضوعية للصراع مثل الصراع الدولي على الموقع الاستراتيجي لليمن الديمقراطية، والتخلف وغياب الديمقراطية، وانعدام الحوار وهناك التحديات التي يفرضها مسار التغيير والاختلاف في النظرة إلى الوحدة اليمنية، التي كانت أحد عوامل الصراع كما كانت هناك حسابات سياسية وأيديولوجية مثل النقل الميكانيكي لتجارب الآخرين وتطبيقها على اليمن الديمقراطية من دون مراعاة للخصائص الوطنية والقومية التاريخية والحضارية والدينية.
كما كانت هناك الرغبة في الدوران بأكبر سرعة ممكنة من دون أن يصاحب ذلك تطور اقتصادي واجتماعي حقيقي، وحيث توليت المسؤولية الأولى في الحزب والدولة وأعدت اليمن الديمقراطية إلى موقعها الطبيعي ضمن الوطن العربي، اتهمت من الخصوم السياسيين بأنني نقلت البلد من الدائرة الحمراء إلى الدائرة العربية مما كان يعد خيانة في نظرهم.
عندما بلغت الحلقوم
¿ ويظل السؤال: هناك تهمة موجهة إليكم وهي أنكم تتحملون مسؤولية الطلقة الأولى في أحداث 86م؟
- علي ناصر: في الواقع لا بد من العودة إلى ما قبل تاريخ الانفجار، فالتوتر سابق لكنه بلغ الذروة في بداية 86م.. شعرت بخطورة الوضع وقدمت سلسلة تنازلات لأنني اعتبرت ان أوضاع البلد لا تحتمل مواجهة عسكرية، هناك من يسأل: مَنْ اطلق الطلقة الأولى؟!.. وأنا أقول: المهم ليس من اطلق الأولى ما دام الوضع مهيئاً للانفجار، ألم أقل لك انها محطات مؤلمة؟! لقد خسرنا في كل الأحداث التي مرت بها بلادنا منذ 67م وحتى حرب 94م.. المهم ألا يتكرر ما حدث، لقد عانت اليمن حروباً داخلية قبل الوحدة وخلالها وبعدها.
¿ متى خرجت من عدن؟
- علي ناصر محمد: خرجت يوم 13 يناير وبعد ساعة من انتشار اطلاق النار كانت لدينا معلومات عن خطط لاعتقال بعض القيادات وعن خطة لاغتيالي لو حضرت اجتماع المكتب السياسي، هناك من نصح بالانسحاب إلى أبين، وهذا ما حصل كنا نتمنى ألا يحدث ما حدث خصوصا أنني كنت اطرح مع كل الوفود التي كانت تسعى إلى احتواء الوضع، أننا على استعداد للحوار حتى ولو كانت فرص نجاح هذا الحوار لا تتعدى الخمسة في المائة.. ولم نكن السبب في تعثر الوساطات التي حصلت وقام بها السوفيات والاثيوبيون وجهات أخرى.
البيض متورط
ويتابع علي ناصر: الحقيقة ان ما حدث في 86م لم يكن سراً وهو لم يعد سراً على الاطلاق، وسأكشف لك مسألة في غاية الأهمية من شأنها حسم الجدل في هذا الموضوع؛ في أعقاب حرب 94م عثر في منزل أحد مسؤولي الحزب الاشتراكي اليمني (.....) على أشرطة تسجيل لاجتماعات عقدها المكتب السياسي للحزب في النصف الأول من عام 86م، وتركزت على تقويم احداث 13 يناير ومناقشة وثيقة نقدية.
وفي هذه التسجيلات- وهي 20 شريطاً- يقول أحد المسؤولين ان ما نفذوه في 13 يناير كان خطة وقائية ناجحة، فيرد علي سالم البيض عليه بأنها كانت خطة هجومية أدت إلى حسم الوضع، وتظهر هذه التسجيلات أن علي سالم البيض وعبدالفتاح اسماعيل وعلي عنتر، شكلوا في 83 قيادة سرية داخل القيادة انضم إليها في 85 حيدر ابوبكر العطاس، كما تظهر الاتصالات التي اجراها أركان هذه القيادة وكيف قادوا العمليات التي كانت جزءاً من خطة عامة.
إنني اعتبر هذه التسجيلات ملكاً للتاريخ، ويوم يحين الموعد المناسب ستنشر بكلما فيها وبكلما تضمنته من اتهامات لي، بما في ذلك ارتكاب الخيانة العظمى.
الـ "كي.جي.بي" رجح
¿ كيف تدرج موقف موسكو خلال الأحداث؟
- علي ناصر محمد: موقف السوفيات كان محايداً ثم صامتاً وبعدها انحاز إلى الاخوان الذين اصطدمنا معهم، لأنهم انحازوا في الواقع إلى مصالحهم "أي السوفيات".
¿ هل لعب جهاز الـ "كي.جي.بي" دوراً في ترجيح كفة خصومكم في أحداث 13 يناير؟
- علي ناصر: هناك معلومات تجمعت عن تورط بعض عناصر الـ"كي.جي.بي" في الخلاف الداخلي في اليمن الديمقراطية، ونشرت بعض وسائل الإعلام وثائق تؤكد هذه المعلومات ومنها ما نشرته صحيفة "كينيا اكسيرس"، وقيل ايضاً إن طائرات انطلقت من البحر وقصفت مستودعات الذخيرة في جبل حديد، لا توجد أدلة ملموسة لديَّ على ذلك.
¿ هناك من يعتقد بأن جهاز الـ"كي.جي.بي" لعب دوراً في انهيار الوضع في عدن؟
- علي ناصر: يبدو ان السياسة التي انتهجتها على الصعيدين الداخلي والخارجي أثارت ردود فعل متباينة في موسكو، بعض الأجهزة السوفياتية رأت ان السياسة التي اقودها يمكن ان تكون في النهاية على حساب علاقتنا مع موسكو والدول الاشتراكية، وتسربت انباء أنني أسعى إلى تنويع مصادر السلاح وأنني ارسلت من دون علم القيادة اليمنية وفوداً إلى فرنسا وبريطانيا لهذا الغرض.
طرحت القيادة السوفياتية الموضوع معي فنفيت وقلت إن من حقنا ان نقيم علاقات متوازنة مع هذه الدول من المعسكر الآخر لا تعني الانحياز إليه.
يعتبر نص البيان الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني حول احداث 13 كانون الثاني (يناير) المنعقدة في 25 كانون الثاني (يناير) هو وجهة نظر علي سالم البيض عن أحداث يناير المأساوية.. باعتباره هو من ترأس الاجتماع والأمين العام للحزب بعد الأحداث:
نص البيان: "لقد عقدت اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني دورتها الثانية الاستثنائية الجمعة 24/1/86م لتدارس الأوضاع الراهنة في البلاد إثر المحاولة الانقلابية الدموية التي دبرها المتآمر علي ناصر محمد باقدامه على أشنع جريمة في التاريخ المعاصر لشعبنا اليمني، هدف من خلالها إلى الإبادة والتصفية الجسدية للقيادة الجماعية للحزب الاشتراكي اليمني الممثلة بالمكتب السياسي، والانفراد في السلطة وبالتالي اقامة نظام دموي ارهابي صريح.
وفي هذه الدورة وقفت اللجنة المركزية أمام التقرير التحليلي المقدم من المكتب السياسي، والذي تناول في التحليل ما جرى في بلادنا صبيحة يوم الاثنين 13 يناير/كانون الثاني 86م الدامي والتطورات الخطيرة التي شهدتها البلاد منذ فجر الموقف بطريقة مأساوية ودموية رهيبة من قبل الخائن علي ناصر محمد وزمرته من القتلة والسفاحين.. وقد كشف التقرير المقدم من المكتب السياسي بصورة واضحة المؤامرة الجهنمية التي تعرض لها حزبنا وثورتنا وشعبنا، والطريقة الوحشية في التنفيذ والتي عبرت بصدق عن الهوية الطبقية والايديولوجية الرجعية لمدبر الانقلاب في 13 يناير وعلى رأسه علي ناصر محمد، وأكدت اللجنة المركزية بالاجماع على صحة وصواب التحليل الوارد لتقرير المكتب السياسي، وأدانت إدانة حاسمة المحاولة الآثمة التي دبرها علي ناصر محمد بتصفية المكتب السياسي جسدياً وبصورة جماعية كخطوة أولى على طريق تصفية وانهاء الحزب الاشتراكي اليمني، ومن ثم تدمير التجربة الثورية القائمة في جنوب وطننا وتحطيم آمال الكادحين اليمنيين للتحرر والتقدم والاشتراكية والوحدة.
منذ وصوله إلى قيادة الحزب والدولة أخذ يمارس أعمالاً ونشاطات متعارضة ومناهضة لسياسة ونهج الحزب على كافة الأصعدة والميادين في الجانب الحزبي، كان يعمل على اضعاف دور الحزب القيادي وشل فاعلية الهيئات القيادية والقاعدية، وابهات دورها والتنكر للمبادئ الحزبية والمنظمة للحياة الحزبية الداخلية والاخلال بها، وتكريس النزعة الفردية والطغيان الفردي وفي الوقت نفسه احداث تعطيل مماثل لعمل الهيئات والمؤسسات الحكومية والوزارات، والتدخل بأعمالها اليومية وسلب صلاحيات هيئات السلطات المركزية، مما أدى إلى نشر الفوضى والبلبلة وانتهاك وخرق القوانين المنظمة للحياة في بلادنا.
دمار وافساد
أما على الصعيد الاقتصادي فقد عمل من خلال وجوده على رأس الحكومة وفي قيادة الحزب والدولة على الحاق اضرار كبيرة في اقتصادنا الوطني، ووضع عراقيل كبيرة أمام تطوره باتجاه تحقيق التقدم الاقتصادي الاجتماعي الحقيقي، وتأمين سير بلادنا اللاحق في طريق التوجه الاشتراكي.
وخلال الفترة التي اعقبت سيطرته على مقاليد السلطة على البلاد، خرج على صعيد الممارسة بعيداً عن سياسة حزبنا الاقتصادية باتجاه يميني لاتباع سياسة اقتصادية مدمرة سمحت دون رقيب أو لتعزيز النشاط الاقتصادي الطفيلي، ورافق ذلك عمليات تبذير واسراف للاموال العامة وتقديم الهدايا والرشاوى النقدية والعينية لافساد الكوادر الحزبية والحكومية واسكات اصواتها وضمان انتزاع ولائها وموافقتها على النهج الذي أدى إلى ارتفاع العجز وتفاقمه من عام إلى آخر، حتى بلغ رقماً مخيفاً ينذر باحتمالات الدخول في أزمة اقتصادية أكثر خطورة من حيث عواقبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وضع نفسه بديلاً عن الحزب
علي ناصر كان يظهر باستمرار تقصيراً وغروراً لا حدود لهما واضعاً نفسه بصورة اعتباطية بديلاً عن الحزب وفوق هيئاته القيادية، فقام في الفترة التي اعقبت المؤتمر الثالث للحزب بالعمل على تعطيل عمل نشاط المكتب السياسي وسكرتارية اللجنة المركزية تحت ذرائع وحجج مختلفة، الأمر الذي ادى بالمكتب السياسي إلى الاصرار على ضرورة تنشيط هيئات الحزب القيادية والقاعدية لضمان توطيد وتعزيز دوره القيادي في المجتمع.
وفي الوقت الذي كان يظهر فيه علي ناصر مراوغة ماكرة وخداعاً نادراً بموافقتهم على عقد اجتماعات المكتب السياسي، فانه كان يفكر بكل خسة ودناءة بتدبير أكبر الطرق وحشية وهمجية لتحقيق اهدافه التصفوية، حيث دعا إلى عقد الاجتماع الدوري للمكتب السياسي بعد ان اعد مسبقاً بيانه الانقلابي السيئ الصيت المنسوب زوراً وبهتاناً إلى المكتب السياسي، وفي هذا الاجتماع الذي لم يحضره هو اصدر تعليماته إلى حرسه الخاص باطلاق النار على اعضاء المكتب السياسي لابادتهم بصورة جماعية، وفي التاريخ نفسه أوكل إلى زمرته من الحاقدين والموتورين في الجيش والشرطة وأمن الدولة أن ينظموا اجتماعات وهمية تشمل عدداً كبيراً من القادة والضباط في الوحدات العسكرية لتتم عملية تصفيتهم في طرق دامية.
رواية علي ناصر لما حدث صبيحة 13 يناير
بعد 16 يوماً من الأحداث المأساوية قدم علي ناصر محمد روايته لما حدث صبيحة 13 يناير 86م، يقول انه قبيل الساعة العاشرة بقليل من يوم الثالث عشر من يناير اتجه من منزله الذي يقع على تلة لا تبعد سوى عشرات الامتار من مبنى اللجنة المركزية، حيث كان الاجتماع مصحوباً بابنه جمال وحرسه الخاص الذي كان يرافقه في الأيام العادية.. ويضيف: "وعندما اقتربت سيارتي من مدخل مبنى اللجنة المركزية وترجلت منها، انطلقت صيحات من عدد من المرافقين والحرس الذين كانوا يتجمعون على مدخل المبنى، تطالبني بالرجوع وتحذرني من انهم يريدون قتلي.. وما كادت هذه الصيحات تصل مسامعي حتى انهمرت زخات كثيفة من رصاص الرشاشات باتجاهي، فقتل ابني جمال على الفور وكان يقف بجانبي، كما قتل بعض أفراد حرسي، وعند ذلك اختلط الحابل بالنابل.. رصاص وقذائف من كل حدب وصوب وكانت اصوات الرصاص والانفجارات تتصاعد داخل مبنى اللجنة المركزية دون ان اعرف ماذا كان يجري في الداخل، بينما وقف افراد حرسي أمامي يدافعون عني، وقد بادر بعضهم يدفعني إلى داخل السيارة مع جثة ابني والانطلاق باتجاه آخر.
منذ وصوله إلى قيادة الحزب والدولة.. نشر الفوضى تنكر للمبادئ الحزبية وكرس الطغيان الفردي.
مجلة المجلة 29/1/86م
رواية علي سالم البيض لأحداث صبيحة 13 يناير
علي سالم البيض الذي حل أميناً عاماً للحزب بعد احداث يناير 86م وهو يروي تفاصيل ما جرى في قاعة المكتب السياسي صبيحة يوم الاثنين 13 يناير الساعة العاشرة والربع.. ساعة الصفر التي حددت لارتكاب المجزرة يقول: "ما حدث شيئاً لم يكن متوقعاً بالنسبة لنا، فلقد حضرنا صباح 13 يناير إلى قاعة الاجتماعات لمواصلة الاجتماع الذي بدأناه في يوم 9 يناير يوم الخميس، ومواصلة للمناقشات التي كنا قد بدأناها كان علينا ان نحضر الاجتماع يوم الاثنين، وقد كان علي ناصر غير متحمس لانعقاد هذه الاجتماعات من بعد المؤتمر، ولكن بعدما بدأنا الاجتماعات ودخلنا في بعض الأحاديث الخاصة بكثير من المواضيع المعلقة اتفقنا ان نواصل اجتماعاتنا يوم الاثنين 13 يناير وحضرنا كالعادة.. وحضرت أنا شخصياً متأخراً قليل حوالي الساعة عشرة وعشرة في ذاك اليوم.
ولم أحضر الساعة العاشرة تماماً وبعد دخولي قعدت بجانب الرفيق صالح مصلح قاسم وكان علي يساري وبين الرفيق علي عنتر، يفرق بيني وبينه اربعة مقاعد على اليسار وهو يقع إلى يمين كرسي الامين العام "علي ناصر"، وجلس بعض الرفاق على يسار كرسي الأمين العام منهم عبدالفتاح اسماعيل وسالم صالح وعلي شايع وآخرون.
وكنا بدأنا جالسين نتحدث كالعادة والكراسي التي تفرق بيني وبين علي عنتر الاربعة هذه كلها من العناصر التابعة لعلي ناصر أو التي تآمرت معه.. ونحن لم نلحظ ولا واحداً منهم في القاعة.
لم يكن ببالنا هذا ولم نكن نفكر ان الناس يتآمرون.. جلسنا بشكل طبيعي، أنا اتحدث وكان الرفيق علي عنتر يفتح شنطته وهو واقف ويتحدث معنا، نتبادل الحديث أنا وهو وصالح مصلح قاسم ولكنه يبعد عنا بأربعة كراسي.
ثم دخل أحد الحرس يحمل شنطة الأمين العام ويمر من وراء ظهر علي عنتر ووضعها بجانب كرسي الأمين العام وعاد.. لما عاد فجأة إلا ونسمع اطلاق النار.. التفتنا.. التفت وإذا بي أشوف اطلاق النار في ظهر علي عنتر من قبل الحارس حسان، أخذ رشاشاً عنده نوع اسكروبي 42 طلقة وبدأ يطلق النار على علي عنتر من فوق إلى تحت، وتوقف عليه الرشاش بعدما أطلق عدة طلقات كلها صارت في ظهر الرفيق علي عنتر، وهو كان واقفاً.. نحن بسرعة نزلنا تحت الكراسي وأخذنا مسدساتنا وحاولنا نطلق النار على الحارس هذا.. وكان يوجد في الجانب الآخر اثنان حراس آخران.. دخلوا واحد يحمل دبة شاي قال ايضاً للأمين العام والآخر بعده يطلقون النار على المجموعة الأخرى في الصف الثاني من الاجتماع.
وفجأة والقاعة كلها تمطر رصاصاً ونحن حاولنا ان نضرب هذا الحارس.. هو عاد من جديد وبدأ يطلق النار وكان الوضع صعب لأنه كثر رش النيران علينا في القاعة.. بعد ذلك وجدنا مجموعة من رفاقنا على الأرض.
الرفيق صالح مصلح والرفيق علي شايع والرفيق علي عنتر طبعاً أول واحد ضرب في مقعده ووقع على الأرض، والرفيق علي أسعد خارج القاعة والرفيق علي صالح ناشر في غرفة صغيرة تقع بجانب القاعة.
غرفة السكرتارية هؤلاء الرفاق كلهم على الأرض.. وعلينا الرصاص مستمر من الخارج، قاموا ايضا باطلاق النار على كل الحراس الذين معنا وصفوهم تصفية جسدية، وبقينا نحن في القاعة لوحدنا ما عندنا أي شيء إلا مسدساتنا.
حاولنا أن نستعين بمسدسات رفاقنا الذين استشهدوا.. أصبح مع الواحد أكثر من مسدس للدفاع.. وجلسنا ساعات في هذه الوضعية الصعبة ثم استطعنا ان نستنجد.
سمعنا صوتاً لحارس من حراسنا في الخارج حاولنا ان نأخذ ستارة ونقطعها ونعملها في شكل حبل وننزلها من الخلف "علشان" يربطون لنا بندقية، وفعلا ربطوا لنا أول بندقية وثاني بندقية..
واصبحنا نملك بندقيتان داخل القاعة نحن الأحياء.. الذي بقينا وحاولنا نسعف رفاقنا، ولكن البعض منهم استشهد والبعض حاولنا ان نربطهم بالستائر لكن لا توجد أي وسائل للاسعاف نستطيع من خلالها ان ننقذهم.
بعد ذلك قررنا ان ننسحب إلى غرفة أخرى إلى مكتب محمد عبدالكريم وهو المكتب المالي للجنة في سكرتارية اللجنة المركزية، لكي نقوم بالاتصال بالخارج وقمنا بالاتصال برفاقنا في الخارج.
قمت أنا بالاتصال بكثير من الجهات نطلب جميعاً ان يبذلوا جهداً لايقاف هذه الكارثة الذي تعرض لها الحزب الاشتراكي اليمني، وعلى رفاقنا ان يهبوا للدفاع عن الحزب وحياته ومبادئه.
وظلينا في اللجنة المركزية حتى الساعة السابعة مساء.. طبعاً رفاقنا استشهدوا.. الذين اصيبوا ما كان بيدنا نعمل أية حاجة لهم، والمنطقة الأخرى كلها محاطة منهم بكل قوتهم، ولربما يعتقدون ان الناس انتهت وما فيش أحد باقي.. نحن بقينا على اتصال واستطعنا في المساء ان نخرج من هناك بعد ان نسقنا مع الرفاق في القوات المسلحة، مع الدروع بالذات.. هذه هي القصة. |
|
|
|
|
|
|
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
RSS |
إعجاب |
نشر |
نشر في تويتر |
|
|
| |