بقلم / عبدالرحمن بجَّاش -
سألت الوسع، وهو صاحب البنشر الوحيد في باب اليمن أيامها، وكان الوقت عصر يوم رمضاني : أين كنت؟ قال : سرت سوق الملح اشتريت قديد ورواني وشعير، ومرّيت المقشامة اشتريت شوية قشمي، ضحكت : وما هو هذا القشمي؟ وفتحت العبارة على الآخر، : يا صاحب تعز، القشمي هو البقل عندكم، ومن يومها رافقت الوسع أياماً كثيرة إلى السوق والمقاشم تحديداً، ومن المنظر في بيت المسيبي وكنا نذاكر آخر ثلاثة أشهر في الثانوية (1973/1974م) طالما اختلست النظر من النافذة لأرسله إلى الأسفل لأرى البقع الخضراء تطرز مساحة صنعاء، يخيّل إليك أن فناناً ما مسك ريشته سريعاً لتتساقط الألوان تكون منازل محزمة بالأبيض والياجور، وإلى ديوان عبداللَّه المسيبي جاء زميلنا نجل مدير البنك العربي، وهو فلسطيني، يخبرنا أن ثمة مدرعات في شارع علي عبدالمغني تتجه إلى القيادة، لنفتح الإذاعة على عبداللَّه محمد شمسان ينقل بيان مجلس القيادة!!
وثمة بشر محترم عمل بهمة على زراعة المقاشم التي تستفيد من مياه الأمطار والمساجد، والقشامون أناس محترمون كدّوا وتعبوا واختفوا في هذا الزمن الحاضر، لأن الناس يستوردون القشمي من الصين، وكذلك الثومة الخضراء، وقريباً البيعة والبطيخ، وارتاحوا أيها اليمنيون، فالنصارى «خدامين» لنا!!
الأن المقاشم متنفسات المدينة القديمة يتسلل إليها مَنْ بيده المال والرجال وأحياناً من أبناء المدينة نفسها، فيبنون فيها!! وتخيل وقد سدت منافذ الهواء وغادرت الخضرة في أي مدينة سيعيش مَنْ تبقى من أبناء المدينة؟ وكبار القوم أجّروا منازلهم فنادق ونسوا أن السكن فيها أفضل من المدينة بألف مرة، وليتني أسكن داخل السور، هل يستطيع أحدٌ أياً كان أن يمنحني بيته القديم؟
الغريب أن لا أحد يرفع صوته بالشكوى، ومنظمات ما أنزل اللَّه بها من سلطان تتغنى بصنعاء ليل نهار لم يصدر عنها بيان، مجرد بيان يقول : يا ناس الحقوا مقاشم صنعاء والحقوا عيوننا المعمرة بالخضرة!! لا أحد لا أحد.
من الأن أقول إن الشر في هذا الزمن ينتصر على الخير للأسف الشديد، وقريباً سترون صنعاء مدينة الجمال الإنساني بلا خضرة، بلا مقاشم، فتفرجوا كما تريدون، ماذا أفعل لكم؟