لحج نيوز/بقلم:سعاد خيري -
توصل ماركس على ضوء المادية الديالكتيكية واخر منجزات البشرية في عصره الى حتمية زوال علاقات الانتاج الراسمالية، القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، تحت ثقل تناقضاتها الكامنة في قوانينها الاساسية وهي استغلال الانسان لاخيه الانسان والركض وراء الارباح . وكشف ماركس عن مراحل تطور علاقات الانتاج الراسمالية بناء على تطور وسائل الانتاج وسجل المرحلتين الاولى والثانية منها. وهي المنافسة الحرة أي مرحلة الراسمال الصناعي وما رافقه من منافسة على الاسواق والمستعمرات والمرحلة الثانية، الاحتكارية، أي تكوين الشركات الاحتكارية الكبرى واقتسام اسوق العالم. وعلى اساسه صاغ شعار يا عمال العالم اتحدوا. وصاغ شعارات الاممية والثورة الاشتراكية وقوانينها الاساسية القائمة على الملكية العامة لوسائل الانتاج وتحرير البشرية من جميع اشكال الاستغلال. وشخص قواها الاساسية الطبقة العاملة بقيادة طليعتها الثورية الاحزاب الشيوعية ، ومنظمتها العالمية الاممية البروليتارية التي جسدها بتاسيس الاممية البروليتاريا الاولى . وعلى الرغم من تطور وعي البشرية واندلاع العديد من الثورات وتحقيق بعض التجارب ومن ابرزها كومونة باريس، فقد استمر تطور علاقات الانتاج الراسمالية بفضل ما قدمته للبشرية من انجازات علمية في جميع المجالات . فسجل لنين المرحلة الثالثة في تطور الراسمالية المرحلة الامبريالية واعتبرها اعلا مراحل الراسمالية وعشية الثورة الاشتراكية . وكشف عن سمات مرحلة الاحتكار من الراسمالية ولاسيما تطور المنافسة الحرة على المستعمرات الى حروب امبريالية من اجل اقتسام العالم واعادة اقتسامه، كان اخطرها الحرب العالمية الاولى التي كلفت البشرية ملايين الضحايا ودمرت منجزات اجيال . وطور لينين الماركسية في مجالها العملي الجماهيري والدور الطليعي للطبقة العاملة وتنظيمها السياسي الوطني الحزب الشيوعي والعالمي الاممية البروليتارية الثالثة بعد انحراف الاممية الثانية عن النهج الماركسي للحركة الشيوعية العالمية . ونجح لينين في قيادة اول ثورة اشتراكية في تاريخ البشرية، وخاض اول تجربة لبناء الاشتراكية على سدس الكرة الارضية بامكانات مادية غير متكافئة على الصعيد العالمي، تحت شعار من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله. فما زالت علاقات الانتاج الراسمالية من خلال قوانينها الاساسية الركض وراء الارباح تخدم البشرية عن طريق تطوير وسائل الانتاج. وعلى الرغم من فشل تجربة بناء الاشتراكية الا ان مسيرتها التي طالت سبعة عقود بانجازاتها الجبارة العملية والقانونية على الصعيد الوطني والعالمي اثبتت للبشرية امكانية التحرر من علاقات الانتاج الراسمالية وتحرير البشرية من جميع اشكال الاستغلال بالقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج.
وشخص الكثير من العلماء والمفكرين سمات المرحلة الثالثة من تطور الراسمالية او بالحقيقة المرحلة الاولى من نهاية علاقات الانتاج الراسمالية وهي مرحلة هيمنة الراسمال المالي والركض وراء الارباح ليس من خلال تطوير وسائل الانتاج وانما عن طريق اسواق البورصة ، أي انتقال الاموال من جيب راسمالي الى اخر . وما انتجه من تخلف في تطوير قوى الانتاج سواء في مجال وسائل الانتاج ام في مجال الطبقة العاملة، برمي الملايين من العمال في احضان البطالة . وادى لجوء اقطاب راس المال المالي من اصحاب البنوك الكبرى في ركضهم وراء الارباح الى تضخيم رؤوس اموالهم التي لا يقابلها انتاج الى اخطر ازمة عامة شاملة للنظام الراسمالي العالمي وافلس الالاف من البنوك والراسماليين . فلجأ الراسمال في ركضه وراء الارباح الى الاستثمار في شركات الارهاب العالمية ، كاخر وسيلة لجني الارباح بقوة السلاح وفرض الهيمنة على العالم . وبذلك قطع الراسمال الكبير كل صلة له بالانتاج .
وهكذا بدأت المرحلة الرابعة من تطور علاقات الانتاج الراسمالية الفانية، الراسمال الارهابي ، بعد ان عجزت دولة القطب الاكبر للراسمالية عن احكام هيمنتها على العالم ولجأت الى خصخصة الحرب والاحتلال عن طريق الشركات الامنية، من ناحية، والى تركيع الشعوب وارعابها ونهب ثرواتهاعن طريق تسخير الشركات الارهابية. فوجد الراسمال الموظف في الشركات الارهابية وشركات الامن الكبرى انه الاجدر بالتمتع بالهيمنة على العالم وارباحها دون الحاجة الى مظلة دولة القطب الاكبر الفاقدة لكل مقومات الهيمنة او أي شكل من اشكال الدولة . لاسيما وقد اصبحت هذه الشركات الامنية والارهابية تملك العديد من معامل السلاح والمعاهد والمختبرات العلمية والتكنولوجية ومقرات وقواعد في جميع انحاء العالم . وباتت خطرا يهدد البشرية دون أي تحكم او ردع. فهي لاتخضع للقوانين والمواثيق الدولية بعد ان عملت الاقطاب الراسمالية على حمايتها وفرض حصانتها العالمية والمحلية عندما كانت سلاحها الرئيس للهيمنة واستعباد العالم. ويشكل العراق الميدان الابرز لنفوذ وهيمنة الراسمال الارهابي المنفلت.
والبشرية اليوم تمر باخطر مراحل تطور الراسمالية على الرغم من امتلاكها سلاح العلم والمعلوماتية الذي يمكنها من التحرر من الاساس المادي لعلاقات الانتاج الراسمالية، الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، أي الاساس المادي لاستغلال الانسان لاخيه الانسان وبناء المجتمع الانساني الحقيقي.
سعاد خيري في 16/1/2010
[email protected]