بقلم/محمود الهجري -
أعلن قدرته لحل مشكلة الفقر, وحرَّض الشباب على البقاء في الساحات, وشنّ هجوماً عنيفاً على الدستور (المتوقع), ووصف اتفاقيات ومعاهدات المرأة وحقوق الإنسان بـ"الكفر", وفّسر (الجندر) بـ"الجنس الثالث" ووصف دعاته بـ"المنحطين"...
يطل الشيخ عبدالمجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان مجدداً عبر نداء وجهه إلى أبناء الشعب اليمني بلغة محكومة بالإصرار على التعامل مع أحاسيس الناس ووعيهم بطريقة وثنية، وباعتبارهم أجهزة تسجيل ملزمين بحفظ ما يقوله وما يبصقه من مفردات تتلقفها أوعية بلهاء، تعكس تعاليه وارتباطه بما لا تطيقه أفكارهم المأسورة بالبحث عن الحاجات الضرورية، ومن ثم عليهم ترديد "آمين" بعد كل جملة تتقيأها حنجرته الضدئة.
ما لا يدركه الزنداني أن اليمنيين بحاجة إلى هدوء وهواء نقي خال من فرقعاته وفتاواه، إلى مساحات خضراء توفر للأطفال فرصاً للتحليق، وإلى واقع جديد لا يتعاطى مع مفخخاته ومتاريسه العتيقة، إلى حرية تشترط أفوله.
عاد بنداء عتيق، ليوقظ الحاجة إلى النضال ضده في سبيل التحرر من الانتهازية والأفكار المتقاطعة مع الوعي وحاجات الحاضر والمستقبل، دعا إلى ثورة ثانية وحث الشباب على المرابطة في خيامهم وساحات الاعتصام، صدح مجدداً بعد أن كان قد امتدح الثورة السابقة المحققة للتغيير بحسب وصفه.
يتزامن نداء الزنداني - أحد أبرز القيادات الروحية لحزب التجمع اليمني للإصلاح - مع تصاعد المهام التي تنفذها طائرة بدون طيار الأمريكية ضد المتشددين المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة، وفي ظل تراجع بعض الأصوات الساخرة من الشباب المرابطين في ساحة التغيير من خارج حزب الإصلاح، والتي اعتبرت استمرار الاعتصام بغير المجدي، كون ثورة الشباب قد حققت أهم وأبرز أهدافها، لتعود من جديد وتدعو الشباب للعودة إلى ساحات الاعتصام.
السخرية والتراجع عنها مؤشرات لصراع جديد، ومع أشخاص جدد على رأسهم الرئيس عبدربه منصور هادي الذي خاله الكثير من رموز حزب الإصلاح لقمة سائغة، أو شخصاً ليس أمامه سوى تنفيذ ما يملى عليه، وتحميله في الوقت ذاته مسؤولية الاخفاقات المحتملة والواردة في كل الأحوال، وتوفير البيئة المناسبة للانقضاض على المشروع التوافقي الذي كان الاعتقاد أن كل العوامل المحيطة به لن تكون سوى رخوة.
الزنداني في حضوره القديم امتدح الشباب وركن إليهم في مهمة الإطاحة بنظام الحكم، وقال فيهم ما يكفي لأن تغدو الطريقة ذلولاً لولوج الجنة، متنكراً لسلميتهم في مواقع أخرى حين حشد لحرب لا تبقي ولا تذر، منتشياً بسفح كرامة الحقيقة.
الصحيفة التي يملكها "صوت الإيمان" حريصة على وصفه بعضو مجلس الرئاسة الأسبق في أكثر من مكان، ويقودنا هذا الحرص إلى استنتاج أن الرئاسة ليست جديدة عليه، وأنه يمتلك من الخبرة ما يجعله رقماً لا يستهان به ومن المؤهلات السياسية والحضور الشعبي ما يضعه قاب قوسين أو أدنى من كرسي الحكم.
في ندائه الذي نشرته صحيفة "صوت الإيمان" في عددها الأخير ما يشير إلى أن الخطاب الذي ازدهت به حنجرته إبان الجهاد في أفغانستان ضد الشيوعيين ممثلة بالاتحاد السوفيتي سابقاً، لا يزال هو ذاته، ولم تغير أو تخفف من حدته الأحداث والتغيرات التي طرأت على العالم بفعل العولمة من جانب وبسبب خارطة التحالفات الجديدة والإرهاب والاتفاقيات والمعاهدات الأممية المتعلقة بمكافحته من جانب آخر، حيث شن هجوماً لاذعاً على الدستور المتوقع الذي لا يزال في مرحلة جنينية بقوله: "حدثهم عن دينك وعن شريعتك التي يريد بعض الجهلة ومن وراءهم من لا يدين بدين الإسلام ولا يعترف بشريعته أن يستدرجوك لتغير شريعتك، وتغير دينك.. قل لهم: هذا الدين هو الحق الذي جاءنا من الله الذي خلقنا، فهل تعلمون ذلك يا أيها المخادعون لنا، يا من تريدون أن تعزلونا بعيداً عن ديننا وتريدون منا أن نقلدكم في تخبطاتكم والحق بين أيدينا".
وأضاف في فقرة أخرى: "نحن مسلمون بين الله لنا أن شرط الإيمان مرتبط بتحكيم الشريعة والخضوع له".
وبحسب المفردات التي طغت عليها الحدة، فإن الزنداني يتوقع دستوراً يتضمن نصوصاً ترفع من سقف الحريات خاصة ما يتعلق بحقوق المرأة، حيث وصف الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان تبديلاً للدين.
وعلى ذات المنوال وبالصيغة المتشنجة يحشد الزنداني الكثير من المغالطات فهو يفسر الجندر (النوع الاجتماعي) بالمثلية أو الجنس الثالث، ولا يدخر لفظاً بشعاً إلا وصبه على الناشطين المناهضين للتمييز بسبب النوع الاجتماعي المتمثل بالذكورة والانوثة، واعتبرهم منحطين وموائل لشيوع الأمراض الجنسية الفتاكة، وهو بهذه اللغة يضمن الكثير من المؤيدين في ظل بلد تعاني نسبة الأمية فيه أكثر البلدان فقراً وجهلاً.
ولم يتوقف عند مستوى معقول في هجومه، بل تجاوز العقل وكال التهم الباطلة وأساء للعقل، غير مكترث بالشيوع الثقافي والطفرة المعلوماتية، فقد قال بأن المرأة الغربية مظلومة، وأبناؤها ضائعون في الملاجئ والمسنون من أفرادها في دور المسنين، وقد كان هذا دافعاً لدخول المرأة الغربية الإسلام.
وعن التمكين السياسي للمرأة واتفاقية "الكوتا" التي تنص على منح المرأة (30%) من المواقع السياسية، قال الزنداني بأن هذه الاتفاقيات خروج عن شرع الله، وأن المهمة التي خلقت من أجلها المرأة أن تكون وعاءً لحفظ النوع الإنساني.
وخاطب الشباب في ندائه بقوله: "كتب الله أجركم، ورحم شهداءنا". وبقليل من التأمل تظهر أعمال المصادرة كنهج اختطه الزنداني، فها هو يستجدي الأجر للشباب، ويترحم على شهدائه وإن كانوا من البعيدين منه وأجنداته، فرحيلهم كاف لضمان ضمهم إلى كشوفاته واستثمارهم في أعمال المزايدة التي يجيد اللعب بها.
استباقاً لما قد يخرج به مؤتمر الحوار الوطني من نتائج قد تتضمن تغيير شكل النظام من مركزي إلى فيدرالي، قال الشيخ عبدالمجيد الزنداني بأن اليمن منذ قديم الزمن واحد غير قابل للتجزئ، مع أن الانتقال للنظام الفيدرالي قد يكون ناجماً عن حاجة ملحة، أو قد يشكل حلاً لما يعتمل أو اعتمل في الواقع، وإصرار الشيخ أو سعيه لتلقيننا بأن اليمن لم يتجزأ في التاريخ، وقد ظل وحدوياً، نوع من المزايدة فما عرفناه أن هذه البلاد لم تتوحد بالشكل القائم سوى في عهد قديم وبالتحديد في عهد "شمر يهرعش"، وشهدت المراحل المختلفة من تاريخ اليمن ظهور دويلات في زمن واحد تتقاسم الجغرافيا، وتتنازع الحدود، فأي وحدة تاريخية يتحدث عنها هذا الشيخ الذي لا تزال الذاكرة اليمنية تحتفظ بأسوأ مواقفه الرافضة للوحدة مع الماركسيين القادمين من الجنوب الذين حشد لهم، ونشطت بفضل فتاواه.. الهيلوكسات.. التي اغتالت العديد منهم، واستباحت دماءهم وأعراضهم في حرب صيف 1994م.
بندائه الأخير يسعى الزنداني لتسجيل اسمه في قائمة البطل الأوحد للوحدة اليمنية، المدافع الصنديد عن قيمها.. وللرد عليه نقول الوحدة شراكة هدفها تحقيق المصلحة للمشاركين، وفي حالة استئثار أحد الأطراف بمصالح هذه الشراكة فمن حق الطرف الآخر التراجع لاسترداد مصالحه واسترجاع حقوقه، بمعنى أنها ليست مقدسة وبالصورة التي يشكلها هذا الشيخ، أو يحاول تشكيلها بعد أن تمكن من التنكيل بالشركاء.
لقد ركز "الزنداني" في ندائه على الحوار الوطني، وقلل من شأنه، وحذر مما وصفه بالجهود المشبوهة لإقصاء الشريعة، وشن حملة على النشطاء الحقوقيين ووصفهم بأبشع الألفاظ، ورغم سلفيته فقد اتفق مع المذهب الزيدي في مذهب الخروج على طاعة الوالي المستبد، وأكد أن علماء اليمن سيحلون مشكلة الفقر، وأن اليمنيين على موعد مع هذا المشروع العظيم، ودعا إلى هيئة وطنية من العلماء للحفاظ على الثروة والرقابة والمحاسبة، وحث الشباب على العودة إلى ساحات الاعتصامات.
كل هذه الرسائل تعكس حقيقة الشيخ الذي يتخاصم مع كل شيء قد يقود إلى حلحلة مشاكل اليمن واليمنيين، ورغبته في الانقضاض على كرسي الحكم وسعيه للسيطرة على الموارد المالية، وتقاطعه مع أي مشروع حضاري .. باختصار هذا هو الزنداني، وهذه هي ثورته الثانية.