لحج نيوز/خاص:حوار- صادق أمين الوصابي -
عندما تحاوره لا تملك إلا أن تقف أمام مفرداته السلسة وتعبيراته المتسمة بالحكمة والعقلانية.. يؤمن بأن الكتابة (إنسانية وإبداع)، وهذا ما بدا جلياً من خلال مؤلفاته التي تحاكي الواقع وتنسجه باقتدار.
الأديب والمغترب اليمني عبد الواسع بن شيهون يمتلك أسلوبه الخاص في رصد مشاهدنا اليومية ولحظاتنا الدقيقة، يكتب معاناتنا.. أفراحنا.. همومنا وأتراحنا.. يسجل كل شيء كما لو أنه يعيش بيننا ويتلمس يومياتنا المليئة بالصخب والضجيج.
يغوص بن شيهون دوماً في أعماق الفكرة ليستخرج منها دروساً وعبراً، ويصوغ أعماله على الدوام بأسلوب إبداعي متناغم.
في كتابه الأخير ابتسامة الأحزان جمع ما يقارب 300 عنوان مليئة بالتجارب وعميقة بالخبرة كما في كتبه السابقة (لآلئ الحكمة، شعاع العقل، وجامعة الأعشاب الطبية).
في هذا الحوار يتحدث بن شيهون لأول مرة عن كتاباته.. غربته.. مشواره الإبداعي.. والكثير من القضايا التي أوجزها بأسلوبه الأدبي المتفرد.. فإلى الحوار..
• لمن توجه كتاباتك؟
- أوجهها من فكري إلى نفسي ثم إلى المجتمع بجميع طبقاته وتدرجاته، لأني ألتمس أمورهم المأساوية، فالكتابة إنسانية قبل كل شيء.
• نرى أن الحكمة قد غلبت جميع كتاباتك مع أن هذا النوع من الكتابة قد اندثر؟
- الحكمة لم تندثر ولكن الناس أهملوا قراءتها، والحكمة لا يحويها الزمن بل هي الزمن بكامله، فالكون كله حكمة.
• لكن لماذا أتت مؤلفاتك متأخرة؟
- مؤلفاتي أتت متأخرة لأنها حصيلة تجربة وخبرة.
• متى بدأت الكتابة؟
- لا تسلني متى بدأت الكتابة، ولكن سلني متى أكرمك القلم؟ أكرمني القلم حين رآني أستجمم في عزلتي فاتفقنا أن يفسحني ما وراء الأفق وأفسحه ما بين السطور، وبينما أنا في حجرتي إذ أخفى التفكر جدرانها وأصبح التأمل زجاجاً لها أرى من خلاله حيث يسعني النظر.
• وما أول شيء كتبته؟
- أول شيء كتبته النقطة التي توقفت عندها فلا أدري ماذا أكتب وريشة القلم تنتظر على الصفحة البيضاء كمنقار عصفور على صفحة النهر، وإذا بالقلم ينساب ويدفع بأناملي ويدهشني مما كتب.
• اذكر لي شيئاً عن طفولتك؟
- ولدت يتيماً.. مات أبي غريقاً فاتخذت اليتم صفحتي التي أكتب فيها والنهر الذي غرق فيه والدي الفكر الذي أغوص فيه.
• الكثير من اليتامى أصبحوا كتاباً.. ما السبب في ذلك؟
- اليتيم لا يجد أحداً يشتكي إليه همومه إلا للقلم الذي يعده أعز صديق له وهو بدوره يدون تلك الشحنة في صفحات ينفس بها عنه.
• من أي جامعة تخرجت؟
- تخرجت من جامعة الحياة حيث التجارب والمصائب والمعاناة.
• ماذا استفدت من اليمن؟
- استفدت منها الفراسة والحلم والتريث في الأمر والحكمة في الرأي واستشارة الشعب.
• ماذا توحي لك الرواية وهل فكرت في تأليفها؟
- الحياة رواية ألفها القدر وأنا حرف من حروفها فقد أستطيع أن أتنقل بين كلماتها وفصولها.
• كيف تعيش الغربة في المملكة العربية السعودية؟
- في المملكة العربية السعودية لا أشعر بالغربة بالقدر الكبير كوني أعيش منذ سنوات هنا وتعلمت أيضاً خلال طفولتي في هذا البلد، ولكني أشعر باشتياق كبير لزيارة بلدي وخصوصاً مسقط رأسي قرية عرهل في يافع، غير أن ظروف العمل دائماً ما تعيق هذه الزيارة، وأنا أشعر بشعور المغتربين الآخرين، خصوصاً أولئك الذين اضطرتهم الظروف لأن يتركوا أهاليهم وأبنائهم كي يوفروا لقمة العيش لهم، وأشعر بالذنب عندما أرى بعض المغتربين غائبين عن أزواجهم لسنوات طويلة.. لكن ما يثلج الصدر هو وجود مغتربين يمنيين مبدعين في مجالات الطب والصحافة والهندسة، وكذلك نجد الكثير من الناجحين في التجارة والصناعة مما يجعلك تشعر بالفخر لوجود هكذا أناس أبدعوا رغم آلام الغربة التي تواجههم.
• هل سافرت إلى وطنك؟
- سافر إليه روحي قبل جسدي وفكري قبل قلمي وشوقي قبل محبتي.
• ماذا تمثل لك الكتابة؟
- الكتابة نفسي الذي أتنفس به.
• متى تقرأ؟
- أقرأ في وقت السكون حيث لا صخب ولا ضجة، كذلك عند التأمل.
• كتبت ما يقارب 300 عنوان وخاطرة في كتابك ابتسامة الأحزان الذي صورت من خلاله العديد من المشاهد اليومية والخواطر الأدبية.. كيف جمعت كل تلك الأفكار؟
- حاولت في هذا الكتاب أن أجمع أكبر قدر ممكن من الحكم والخواطر والمشاكل الاجتماعية والتفاصيل اليومية الدقيقة، والحمد لله كانت ردود القراء حول الكتاب مشجعة جداً.
• كيف تقيم مستوى الأدب اليمني؟
- الأدب اليمني كنز لم يكتشف، والسبب الفقرر والعوز وعدم خلق الجو المناسب، وفي اليمن لاحظت رقي في الكتابة وهناك كتاب متمكنين ويمتلكون قدرة إبداعية كبيرة.
• ما دور المدرسة في مسيرة بن شيهون الإبداعية؟
- المدرسة لها الدور الأكبر، وأستاذي في المرحلة المتوسطة شجعني عندما كتبت موضوعاً عن بر الوالدين، وكان المدرس لا يعطي الدرجة إلا على التعبير وبعدها قال لي من أي كتاب نقلت الموضوع؟
• نلاحظ حضور النزعة الدينية في أغلب كتاباتك.. إلى ماذا يرجع هذا؟
- النزعة الدينية راجعة إلى والدتي، فعندما كنت أذهب لزيارتها تقول لي "انفض غبارك من ثوبك عند الباب ولا تذكر أحداُ عندي بسوء"، فمزجت بين الكتابة الدينية والدنيوية بسبب تأثري بالوالدة وبقراءاتي أيضاً.
• لماذا أكثرت من التشبيه في كتاباتك وأكثرت من الحوار بين المتضادات؟
- لأن التشبيه أقرب شيء للفهم وأسرع شيء للحفظ، وأما الحوار بين الأضداد فأردت منه إبراز الجمال من تناقض الأشياء.
• في كتابك شعاع العقل كتبت عن الجدل والصراع القائم بين العقل والنفس.. أيهما ترجح: غلبة العقل أم النفس؟
- أنا أرجح غلبة العقل لأن الله يخاطب العقل في كتابه العزيز، فالعقل هو من أكبر إعجاز الله، وهو آية من آياته الكبرى.
• ماذا يمثل لك كلاً من: البحر، السماء، القلم، الكتاب؟
- البحر: يشبه الإنسان في أمور كثيرة (في غضبه وحلمه).
- السماء: تعطي الإنسان أن ينظر إلى ما وراء الأفق.
- القلم: حبيبي وصديقي، وأحمل له كل معروف.
- الكتاب: خير جليس في الأنام كتاب.
• ما هي رسالتك للمغترب اليمني؟
- أن يضع الوطن نصب عينيه، وأن يصبر حتى في أحلك الظروف، فهناك الكثير من المغتربين عانوا الأمرين في بداية اغترابهم ولكن وصلوا إلى ما كانوا يحلمون به وأكثر.. وأن يتكاتفوا مع بعضهم البعض، وأن يرسموا صورة مشرفة للوطن أمام الجميع.
• ماذا تتمنى لليمن؟
- أتمنى أن تلبس حلتها الخضراء المزينة بزهور الود وورود المحبة وثمار الأخوة، وأن أرى أمامي تلك اللوحة الجميلة (اليمن السعيد)، كما أتمنى لهذا البلد أن يتخطى أزماته الداخلية وأن يسير نحو البناء والتطور والازدهار.
• ماذا تقول في نهاية الحوار؟
- أقول بأن اليمن حضارة، فإذا لم نحافظة عليها فلتندثر.