لحج نيوز/صنعاء - يختتم غدا السبت في صنعاء، رسميا مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وسط حضور إقليمي ودولي في مشهد تاريخي يبعث على الفخر بالمعجزة التي أنجزها اليمانيون استناداً إلى إرادتهم الجمعية، وتجسيداً مخلصاً ودقيقاً لروح الوفاق والاتفاق، وبعد أن طووا سنين من الأزمات والصراعات، وتجاوزا محطات صعبة، وأخمدوا فوهة البركان التي كادت أن تحرق كل المساحات الممكنة للعيش المشترك بين أبناء الوطن اليمني الواحد.
وفي سبيل الوصول إلى هذا الإنجاز العظيم، لم يكن الطريق أمام اليمنيين مفروشا بالورود، بل شائكاً وملغوما، بجملة من التحديات والمخاطر التي، دفعت بالمراقبين إلى الجزم باستحالة تحقيقه استنادا إلى جملة ما شاهدوا من تعقيدات الوضع في اليمن، وفي ظل جملة من المعطيات التي سيطرت على البلاد خلال العام 2011، اثر اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية، التي مثلت تزامنت مع موجة الربيع العربي الممتدة من مغرب العرب إلى شرقهم.
ففي وقت خرج الملايين من اليمنيين يتقدمهم الشباب إلى الساحات العامة والشوارع يحملون شعارات ثورية للمطالبة بالتغيير ومكافحة الفساد وبناء الدولة اليمنية الحديثة، خرجت في المقابل حشود جماهيرية من مؤيدي النظام السابق للدفاع عما أسموه الشرعية الدستورية.
واتخذت الأحداث في البلاد منحاً دراماتيكياً بدأت بأحداث جريمة جمعة الكرامة بساحة التغيير بصنعاء ، تلتها جريمة المحرقة المؤسفة في ساحة الحرية بتعز، ثم اندلاع مواجهات مسلحة في بعض المناطق، حتى بلوغ الأحداث منعطفاً حاداً بتفجير دار الرئاسة، والذي تسارعت بعده الأحداث، وتعمق الانقسام على مستوى الشارع اليمني واتسع ليصل إلى مؤسسة الجيش والأمن، بكل ما استدعته من عسكرة خطيرة لمسار التغيير في البلاد.
وفي هذه الأثناء، دخل معطى جديد، تمثل في تسلل المئات من العناصر الإرهابية إلى محافظة أبين وفرض سيطرة شبه كاملة على معظم مدنها، في إجراء خطير قُصد منه حرف مسار الأحداث في البلاد، من ثورة مطالبة بالتغيير إلى مواجهة حاسمة مع الإرهاب.
وقد تكرر هذا التدخل الخطير من قبل عناصر تنظيم القاعدة المعروفين بأنصار الشريعة، في موجة أشمل وأكثر اتساعاً سيطرت خلالها القاعدة على أبين وأعلنتها إماراه خاصة بها واتسع نفوذها ليشمل أجزاء من محافظتي شبوة والبيضاء المجاورتين وامتد كذلك ليصل إلى بعض مناطق حضرموت.
وفي ظل مواجهة خطيرة من هذا النوع، تفاقمت مظاهر التدهور في البلاد على المستويين المعيشي والأمني، لكنها جميعاً لم تستطع أن تفت من عضد إرادة الملايين من أبناء اليمن وإصرارهم على التغيير السلمي، وتجنب الزج بهذا المسار في أتون المواجهات المسلحة التي ظلت على خطورتها وتعدد جبهاتها، منفصلة عن زخم الشارع وإيقاعه وعنفوانه السلمي.
وأستطاع الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يقود بنجاح معركة إخراج القاعدة وهزيمتها بعد حشد إمكانيات الدولة لمواجهتها، في ظل مظلة دعم دولية قوية، سرعان ما أخذت أبعاداً سياسية، فيما يخص إخراج اليمن من دوامة العنف والاضطرابات، وضبط مسار التغيير وفق منطق التسوية ومبدأ الحوار والشراكة في إنجاز عملية الانتقال السلمي.
ومع توافق أطراف العملية السياسية، على المبادئ الأولوية للتسوية السياسية في ظل ظروف بالغة الصعوبة، انبلج نور الحكمة اليمانية مجددا وانتصر صوت العقل والحكمة وأسكتت المدافع، وأصبحت الأولوية تنصب على إنجاز أولى الخطوات باتجاه إقرار اتفاق للحل السلمي وانتقال السلطة، وانتهاج الحوار لتحقيق أهداف التغيير التي تلبي طموحات أبناء الشعب، وهو ما تحقق تالياً عبر اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
ورغم استمرار تعقيدات المشهد العام في اليمن، مما جعل البعض يعتقد جازما بصعوبة ترجمة بنود تلك المبادرة على أرض الواقع المرير، إلا أن إرادة الشعب اليمني قهرت كل المستحيلات فشكلت حكومة وفاق وطني لتجعل فرقاء الأمس شركاء اليوم والتف اليمنيون خلف قيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذين اختاروه وأجمعوا عليه في ذروة انقسامهم واختلافهم كمرشح توافقي للانتخابات الرئاسية .
وبتشكيل مؤتمر الحوار الوطني سرعان ما انتظم اليمنيون من مختلف الوان الطيف السياسي بما فيهم الذين كانوا يتقاتلون بالسلاح خلال الأزمة على طاولة واحدة وبدأوا يتدارسون قضايا الوطن وتطلعات المواطن بكل تروي وعقلانية ويطلقون لعقولهم العنان لبلوره الحلول الناجعة لكافة القضايا الوطنية الشائكة ولمعالجة سلبيات الماضي ويستشرفون الرؤى للغد المشرق ولصنع المستقبل الأفضل مغلبين في ذلك صوت العقل والمصالح الوطنية العليا على ما دونها من مصالح حزبية أو مناطقية أو مذهبية أو فئوية ضيقة.
وهاهم اليمنيون يسدلون الستار اليوم على مؤتمرهم الناجز ولكن بعد أن استخلصوا مخرجات قيمة تضع اللبنات القوية لبناء الدولة الاتحادية المدنية الحديثة دولة النظام والعدالة والمساواة التي تعيد اشراقات حضاراتهم التليدة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ وبما يمكنهم من مسايرة ركب الحضارات الإنسانية بخطى متسارعة مع إغلاق صفحات الماضي وجراحاته ومآسيه بانتهاج العدالة الانتقالية و جبر الضرر والمصالحة والتآخي والتسامح ليكون الماضي خلف ظهورهم إلا ما يستفاد من عبره في بناء المستقبل المنشود. |