بقلم الشاعر والكاتب الاسطورة/ محمد عبدالاله العصار -
> كم من الحكومات والأنظمة تقود هذا العالم وتوجه شعوبه وأممه؟! كل حكومة لها قادة ورجال وكل نظام له مفكرون وقوى تسانده.. أنظمة وحكومات ليس من السهل إحصاؤها والتعرف على ما تنطوي عليه من أبنية اقتصادية وسياسية وشعبية.. وليس من السهل الإلمام الكامل بخيراتها التاريخية وتجاربها الحضارية ذات الخصائص والعلاقات المتميزة.. كل ذلك يشكل في مجموعه قوى العالم الواحد الذي يغطس بحضاراته وأممه في رئة الأرض منذ فجر التاريخ. هذا العالم بكل ما فيه يمثل قضية أزلية لشعب يحلم بالسيطرة والهيمنة لا عن طريق جيوش يبنيها ويؤسس صروحها العسكرية.. ولكن بواسطة نظام اقتصادي ضخم يستوعب كل فتحات الرئة ويستطيع خنقها وتأزيمها متى أراد، ومتى أدرك أن الظروف مواتية لصدم شعوب بشعوب أخرى!.. ويبقى هو الرابح الوحيد، بينما يعاني الجميع من ويلات الدمار والانهيار الاقتصادي. مثل هذا الكلام يقوله كثيرون من كتّاب الغرب الذين يدركون جيداً الحقائق التي انبنت عليها الشخصية الصهيونية الجديدة.. ونكاد نهمل التفكير في خطورته وحقيقة أن الصهيونية الحديثة ربما قد تجاوزت مفهومها القديم في السيطرة على العالم إلى مفاهيم أكثر حداثة وقوة.. لا نريد ذلك لأننا لا نقرأ تاريخنا على نحو صحيح يكفل دقة اختيارنا لصنع أحداث عصرنا الراهنة! الصهيونية العالمية لا تتوقف عن التفكير ولا تفقد أو تهمل جذورها اليهودية التي أسست نظرتها الحديثة إلى العالم على منطق الإحساس بظلم التاريخ لليهود، رغم أنهم شعب الله المختار.. كما يزعمون.. لقد تحول العالم من غير اليهود إلى غابة ينبغي إلجام وحوشها والسيطرة على مصائر كائناتها، فاليهودي - كما تدعو التعاليم الصهيونية الجديدة - غير ملزم بالدفاع عن الوطن أو البلاد التي يعيش فيها وهو غير معني بدعم اقتصادها والعمل من أجل رقيها وازدهارها.. وعلى ضوء ذلك أصبح اليهودي يتطلع إلى السيطرة والتسلط الذكي على العالم من خلال قوة خطيرة تلعب دوراً رئيسياً في الحروب والفتن «أي المال».. ونقول لمن ينظرون إلى المسألة بعدم اكتراث.. لم لا؟.. إن كل ظروف العصر تسمح للأقليات التاريخية أن تمارس نشاطها الاقتصادي بشكل لم يسبق له مثيلاً بحكم التطور النظري في مجال الاقتصاد السياسي بعد عصر النهضة الحديثة.. ولنا عبرة ومثال حي في أباطرة المال الذين يمتلكون امبراطوريات مالية أكبر بكثير من بعض الامبراطوريات القومية التي تعد بالنسبة لهم لعب كرتون يمكن تحريكها وخلق التصادم في ما بينها بسهولة!! وأمريكا واحدة من القارات القوية التي أتاحت الفرصة للصهيونية كي تمارس حلم اليقظة والمنام الذي يؤرقها ويزيد من رغبة سيطرتها على العالم.. ففي أمريكا وحدها تقوم أعظم الشركات العملاقة في العالم.. هذه الشركات تمتلك سلاحاً له ألف حد.. يتحرك في كل الاتجاهات ويضرب ويستفيد معاً رغم كل الظروف.. هذا غير القوى الاقتصادية الموجودة في ألمانيا وفرنسا وسويسرا بشكل أكبر.. كل هذه القوى الضخمة يجمعها عقل ذكي واحد يسعى من أجل التدمير ويعمل من أجل سيادة مطلقة على العالم.. ولنلقي نظرة إلى العالم من حولنا.. كم هي الحروب الطائفية والإقليمية الطاحنة قائمة لا يهدأ أوارها ولا تنطفئ نيران فتنتها في الهند وإفريقيا وتركيا وإيران ودول شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وانتهاءً بالوطن العربي.. إذن هذا الصراع من يديره ومن يحركه ويبعث فيه الحياة حتى أدركه الضمور والكلل؟! الجواب معروف ولسنا أغبياء إلى هذا الحد الذي قد يتهمنا به البعض، لكن لنا عبرة في الحروب الأوروبية القريبة والبعيدة وكيف أن امبراطوريات المال اليهودي كانت تصنع الحرب وتخلط على ضوئها مستقبلها القائم فوق أنهار الدم.. وهي بذلك كانت تصدم أعداءها - ملوك المسيحيين - مع بعضهم البعض كي لا تقوم لهم قائمة فينصهرون بعد ذلك ضمن حقائق ومبادئ جديدة خططت لها الصهيونية وعملت من أجلها عبر القرون. هذا هو الطابور العالمي السادس، وهو ليس مخيفا إلى هذا الحد إلا عند الذين يحتضنونه ويفترضون سلامة نيته أو يهابون سطوته التي تغلغلت بين ظهرانيهم، أما نحن ففي يدنا الآن مفتاح باب جديد لتحويل مسيرة التاريخ إذا لم نضعه في ثقبه الصحيح فإن ظروفاً جديدة أشد قوة وتدميرا ستتسلم بنفسها مفاتيح أبواب تاريخنا ما دامت هي التي ستقيم الجدران التي ستحملها إلى الأبد.. وربما كان للتاريخ رأي آخر!!..<