لحج نيوز:ـ - يبدو أن الفيروس المسبب للإنفلونزا الأخيرة لم يبث الرعب فقط في قلوب الكثيرين، بل انه أثار اسمه حنق الكثير، حيث شهدت الأوساط العلمية والمنابر الإعلامية جدلاً كبيراً حول صحة الاسم الذي يستخدم للإشارة إلى هذا الوباء وهو "إنفلونزا الخنازير".
فيما يبذل آخرون محاولات لانتقاء اسم مناسب لهذا الخطر القادم وتحديد هويته في المختبرات العلمية لايجاد المضاد المناسب اليه.
والفيروس الجديد خليط من فيروسات أنفلونزا الخنازير "إتش1إن1" وأنفلونزا الطيور "إتش5 إن1" يحمل "دي ان أي" بشري أي مورثة بشرية قادرة على إصابة الإنسان بالمرض والانتقال من شخص الى آخر بعد تحورها.
وعرّفت منظمة الصحة العالمية إنفلونزا الخنازير بأنه مرض تنفسي حاد شديد العدوى يصيب الخنازير، وينتج عن واحد من الفيروسات العديدة لإنفلونزا الخنازير من النوع " A " , وتعد نسبة انتشار المرض عالية.
بينما تنخفض نسبة الوفيات إلى ما بين 1-4 في المئة، وتنتشر الفيروسات بين الخنازير عن طريق الرذاذ، والاتصال المباشر وغير المباشر، والخنازير الحاملة للمرض التي لا تظهر عليها الأعراض..
وأوضحت المنظمة في تقرير لها عن المرض نشرته على موقعها على الأنترنت أن فيروسات إنفلونزا الخنازير، تنتمي في معظم الأحيان، إلى النمط الفرعي H1N1، ولكنّ هناك أنماطاً فيروسية فرعية تدور أيضاً بين الخنازير "مثل الأنماط الفرعية H1N2 و H3N1 و H3N2 ".
ويمكن أن تُصاب الخنازير كذلك بفيروسات إنفلونزا الطيور وفيروسات الإنفلونزا البشرية الموسمية وفيروسات إنفلونزا الخنازير, ويمكن أن يُصاب الخنازير، في بعض الأحيان، بأكثر من فيروس في آن واحد، ممّا يمكّن جينات تلك الفيروسات من الاختلاط ببعضها البعض.
ويمكن أن يؤدي ذلك الاختلاط إلى نشوء فيروس من فيروسات الإنفلونزا يحتوي على جينات من مصادر مختلفة , وعلى الرغم من أنّ فيروسات إنفلونزا الخنازير تمثّل، عادة، أنواعاً فيروسية متخصصة لا تصيب إلاّ الخنازير، فإنّها تتمكّن، أحياناً، من اختراق حاجز النوع وإصابة البشر.
وتشبه أعراض أنفلونزا الخنازير عند البشر الأنفلونزا العادية، لكنها أكثر حدّة، وقد تترافق مع قيء وإسهال، ويعتبر المصاب بالفيروس معديا طوال بقاء الأعراض لديه، وكذلك لمدة أسبوع بعدها، ولكن الأطفال والمراهقين قد ينقلون العدوى لفترة أطول.
وإذا صادف أن امتزج نوعان من الأنفلونزا في خلية حيّة، فإنها تنتج نوعا قويا من فيروس الأنفلونزا شديدة العدوى، وقد تسبب هذا الامتزاج في موجتي وباء عند البشر حدثت الأولى في ،1957 وحملت اسم "الأنفلونزا الآسيوية" وسميت الثانية "أنفلونزا هونغ كونغ" عندما انتشرت في العام ،1968 وتكرر الأمر في موجات ضربت الصين ،1997 وهولندا والصين في 2003.
وتعتبر تلك الموجات استثنائية علميا، لأن امتزاج الفيروسات حدث استثنائي بحد ذاته، إذ يتضمن تجاوز الموانع الجينية التي تفصل طبيعيا الأنواع الحية بعضها عن بعض، فلا يصاب إنسان بمرض حيواني إلا نادرا جدا، ولأن هذا الاستثناء يترافق مع ظهور فيروس غير مألوف، ولأنه لا توجد لدى الناس مناعة ضده، فإنه قد ينتشر في موجات ضارية.
ويرى العلماء ان هذا المرض المعدي هو أن الفيروس المسؤول عن إنفلونزا الخنازير قد تحوّر وأصبح بتركيبة جديدة غريبة تحمل ثلاث صفات جينية وهي : جينات فيروس إنفلونزا الطيور + جينات فايروس إنفلونزا الخنازير وهي على نوعين + جينات فيروس إنفلونزا الإنسان .
هذه التركيبة الجديدة جعلت هذا الفيروس الهجين ذو شراسة وتأثير فتاك على الإنسان، حيث أن المصاب يشكو من أعراض أنفلونزا شرسة تتسم بإلتهابات رئوية حادة قد تؤدي بحياة المريض. كما أن هذا النوع من الفيروسات الهجينة ينتقل من إنسان الى إنسان ويصيب حتى الشباب الذين يتمتعون عادة بمناعة قوية ولا يشكون من أي مشاكل صحية.
وهذا ما يعطي إشارة تحذير حمراء توحي بخطورة هذا المرض وإمكانية إنتشاره في سائر بقاع العالم. لقد صرّح بهذا الصدد " داف دياغل" مسؤول قسم السيطرة والوقاية من الأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قال : " لأوّل مرة نرى فيروسا متحور يمتلك ثلاثة أصول متباينة"!
ولا تتم الإصابة بهذه الأنفلونزا عن طريق أكل لحم الخنزير، بل عبر الهواء، ومن ثم قد تنتقل من إنسان إلى آخر. ويمكن للسلالات الجديدة للأنفلونزا الانتشار سريعا، إذ يفتقر الجميع للمناعة الطبيعية منها كما أن تطوير الأمصال يحتاج لشهور.
وتشبه أعراض أنفلونزا الخنازير عند البشر الأنفلونزا العادية، لكنها أكثر حدّة، وقد تترافق مع قيء وإسهال، ويعتبر المصاب بالفيروس معديا طوال بقاء الأعراض لديه، وكذلك لمدة أسبوع بعدها، ولكن الأطفال والمراهقين قد ينقلون العدوى لفترة أطول.
وأكدت منظمة الصحة العالمية صعوبة التنبؤ بتأثيرات ذلك الوباء الناتج عن هذا الفيروس؛ إذ يعتمد ذلك على شدة الفيروس، والمناعة الموجودة بين البشر، والحماية المتقاطعة بالأجسام المضادة الناتجة عن الإصابة بالإنفلونزا الموسمية والعوامل الحاضنة لها.
وتقول الدكتورة آن شوتشات من المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها: من الصعب التكهن بشكل دقيق بأبعاد انتشار المرض، وعلينا جميعا ان نكون مستعدين للتغيير. فالأعراض التي نسمع عنها في المكسيك غير محددة نسبيا.
إذ توجد أسباب كثيرة مختلفة لأمراض الجهاز التنفسي. وكانت حكومات في شتى أنحاء العالم قد هرعت إلى تحري معلومات بخصوص انتشار هذا المرض واتخاذ إجراءات وقائية ضده.
ومن المتوقع أن تتحرك منظمة الصحة العالمية سريعا لإعلان تفشي وباء عالمي كامل من الدرجة السادسة على مقياسها المكون من ست درجات في غضون ايام لتعكس استمرار تفشي فيروس انفلونزا الخنازير بين الناس الذين قاموا بزيارة المكسيك بما في ذلك أشخاص في اوروبا.
ورفعت مارجريت تشان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية مستوى التأهب العالمي للأنفلونزا من المستوى الرابع الى الخامس وقالت "حقيقة أن الانسانية بأسرها تكون تحت التهديد اثناء تفشي وباء."
ومكررة ما قاله خبراء آخرون في الأمراض المعدية واعتمادا على خبرتها في مكافحة تفشي مرض التهاب الجهاز التنفسي الحاد "سارز" وانفلونزا الطيور حين كانت مسؤولة الشؤون الصحية بهونج كونج قالت إن الفيروسات مثل سلالة "اتش1 ان1" من انفلونزا الخنازير يجب مراقبتها عن كثب في حالة تفاقمها.
وقالت للصحفيين بمقر منظمة الصحة العالمية "نتعلم من أوبئة سابقة. الفيروس الوبائي غير مستقر ولا يمكن التنبؤ به ويفاجئنا."
لكن تشان اعترفت بأن المرض ربما يسبب شعورا بالانزعاج اكثر مما يسبب الموت مشيرة الى أن الكثير من المرضى الذين أصيبوا في الولايات المتحدة تعافوا بمفردهم ودون تعاطي أدوية.
وأضافت "من المحتمل ان يذهب النطاق الاكلينيكي الكامل لهذا المرض من مرض خفيف الى مرض حاد. نحن بحاجة الى مواصلة مراقبة تطور الوضع للحصول على المعلومات والبيانات المحددة التي نحتاجها للإجابة عن هذا."
وتابعت قائلة "ربما يكون هناك احتمال أن يختفي الفيروس ويتوقف وسيكون هذا أفضل وضع لنا. لكنه ممكن أن يتحول الى الاتجاه الآخر."
وفي الوقت الحالي فإن توجيهات منظمة الصحة العالمية للأشخاص الذين يشتبهون أنهم اصيبوا بأنفلونزا الخنازير هي نفس النصائح الخاصة بالرعاية في حالة الانفلونزا الموسمية.
وينصح قسم "أسئلة يتكرر طرحها" بشأن الفيروس على موقع المنظمة على شبكة الانترنت الأشخاص الذين يعانون ارتفاعا في درجة الحرارة او سعالا او احتقانا في الحلق بأن يستريحوا ويتناولوا الكثير من السوائل ويغسلوا ايديهم بشكل متكرر مع تجنب الذهاب الى العمل او المدرسة او التواجد في تجمعات بقدر الإمكان.
وقال كيجي فوكودا القائم بعمل مساعد مدير عام المنظمة إن انفلونزا الخنازير فيما يبدو مشابهة للغاية للانفلونزا الموسمية العادية وهو المرض الذي نادرا ما يسبب الوفاة للبالغين الأصحاء لكنه يمكن ان يسبب وفاة المسنين وضعاف الصحة.
ويصاب ما بين ثلاثة وخمسة ملايين شخص بمرض شديد جراء الانفلونزا الموسمية العادية في انحاء العالم كل عام ويلاقي ما بين 250 الفا و500 الف حتفهم نتيجة إصابتهم به.
وأضاف فوكودا أنه لم يتضح بعد ما اذا كانت انفلونزا الخنازير ستتحول الى وباء معتدل ام حاد مما يثير احتمال أن يكون للفيروس آثار اكثر خطورة مع استمراره في اختراق مجتمعات جديدة او مع تغير الظروف المناخية.
وتفشى وباء الانفلونزا ثلاث مرات في القرن العشرين في اعوام 1918 و1957 و1968 وعرفت باسماء الانفلونزا الاسبانية والاسيوية وانفلونزا هونج كونج على التوالي
.
ويقدر أن يكون 50 مليون شخص لقوا حتفهم عندما تفشى الوباء في المرة الأولى ونحو مليونين في المرة الثانية وما بين مليون وثلاثة ملايين في المرة الثالثة.
ويقول جوان يي المتخصص في علم الكائنات الحية المجهرية بجامعة هونج كونج "في وباء عام 1918 كانت الموجة الأولى خفيفة لكن بحلول فصل الخريف قتلت الموجة الثانية الكثير من الأشخاص. لهذا فإننا لا يمكن أن نعلم كيف سيتحول هذا الفيروس."
وأضاف "في هذه المرحلة الاحتمالات أن يكون خفيفا لكننا لا نستطيع استبعاد أن يصبح ضاريا. وحتى اذا اصبح اقل حدة سيظل بمقدوره التسبب في الوفاة وهذا يتوقف على نوعية الشخص الذي يصيبه."
ويخشى خبراء صحيون أن انفلونزا الخنازير ربما تكون خطرة بشكل خاص على المسنين وضعاف الصحة خاصة من يعانون أمراضا تضعف جهاز المناعة مثل فيروس نقص المناعة المكتسب "الايدز".
ومن بين المخاوف الخطيرة الأخرى انتشاره الى دول فقيرة تفتقر الى العاملين الطبيين ومخزونات العقاقير والتحاليل التشخيصية وحيث تسود أمراض المناطق الحارة وغيرها.
ويقول جوان يي إنه اذا امتد الى مصر او اندونيسيا حيث فيروس "اتش5 ان1" المسبب لانفلونزا الطيور متوطن فقد يتوحد مع ذلك الفيروس.
وأضاف "يمكن أن يتحول الى "اتش5 ان1" قوي للغاية تكون قابليته للانتقال بين البشر شديدة. حينذاك سنكون في مأزق وستكون مأساة."
ويرى الدكتورمحمد مسلم الحسيني وهو أستاذ في علم الأمراض وأخصائي بيولوجي أن السيطرة التامة على مثل هذه الأوبئة ليست مهمة سهلة وكما أشارت رئيسة منظمة الصحة العالمية أمام الصحفيين حيث قالت بـ "أننا قلقين فالموقف خطير ويتطلب الإسراع في إحتوائه والسيطرة عليه".
ويبين الحسيني بعض النقاط العامة التي ربما تلعب دورا رئيسيا في إحتواء وتحجيم الأمراض السارية والمعدية كمرض إنفلونزا الطيور أو الخنازير أو غيرها ومنها :
1- التخلص السريع من الخنازير المصابة أو المشتبه بإصابتها أو القريبة من الخنازير المصابة، وعدم لمسها أو الإقتراب منها أو أكل لحومها وإخبار السلطات الصحية المحلية بوجود حالات إصابة مشتبه فيها من أجل التخلص منها وبالسرعة الكافية . اللحوم المطبوخة لا تحتوي عادة على هذا الفايروس الذي يموت بدرجات حرارية تفوق 75 درجة مئوية.
2- إجراء التحاليل المخبرية على الحالات المشتبه بها بين البشر وعزل المرضى في مستشفيات خاصة وتقديم العلاج اللازم لهم وهو "في الوقت الحاضر" نفس الدواء المستخدم في معالجة مرض إنفلونزا الطيور أي ما يسمى بـعقار " تاميفلو " وكذلك عقار الـ " ريلينزا". كما يجب إستخدام هذه الأدوية فقط عند حدوث المرض أو الإشتباه به وليس كحالة وقائية كي لا تحصل مقاومة مكتسبة عند الفيروس الذي قد لا يتأثر بالدواء عند إستخدامه في الحالات المرضية الحقيقية.
3- في المناطق الموبوءة يجب غلق الأماكن التي يزدحم فيها الناس كالمدارس والجامعات والنوادي والملاهي والمطاعم وأماكن العبادة لتجنب إنتقال العدوى بين الناس.
4- لبس الأقنعة الواقية في الأماكن المزدحمة كالأسواق والشوارع ووسائل النقل، وتجنب المصافحة والتقبيل أو إستخدام أواني وصحون الغير، كما يجب غسل الأيادي بالماء والصابون عدة مرات في اليوم الواحد وعدم البصاق في الأماكن العامة لأن مثل هذا الفعل قد ينثر الفيروسات في الفضاء التي تدخل بدورها الى المجاري التنفسية للأصحاء أثناء عملية التنفس.
5- التطعيم ضد المرض ضروري من أجل زيادة مناعة الجسم ضد هذه الفيروسات الهجينة ولكن توفر الكميات الكافية للقاح الجديد يتطلب بعض الوقت الذي يتراوح بين 4 الى 6 شهور، وقد يستخدم اللقاح ضد الإنفلونزا الموسمية كبديل مؤقت لحين توفر اللقاح الصحيح، لكن أكثر الأطباء يشكون في فعالية ذلك ولا يرون فائدة منه.
6- هذا المرض لا يستثني الدول الإسلامية إذا ما أنتشر، رغم غياب الخنازير من المزارع والحقول والأسواق فيها، لأن هذا المرض المعدي صار ينتقل بين الناس بسبب وجود الفيروس المتحور الجديد، وليس بالضرورة أن ينتقل من الخنزير الى الإنسان فقط.
فعلى السلطات الصحية أن تتخذ إجراءات الحيطة والحذر من أجل التعامل مع هذا الوباء أن امتد إليها، وذلك بتوفير كميات مناسبة من الأدوية المضادة للفيروسات، تهيئة مستشفيات العزل وتزويدها بما يلزم، توفير الأقنعة الواقية، مراقبة المسافرين والقادمين من الدول الموبؤة، نشر الوعي الصحي بين أبناء المجتمع والتنسيق مع منظمات الصحة العالمية المهتمة بهذا الشأن.
|