بقلم/عبدالكريم المدي -
ما يسمى بدول التحالف العربي العشر بقيادةالسعودية ، وهذه الأخيرة تحديدا، يراهنون على الجانب الاقتصادي والأثر الفتاك الذي سيحدثه الحصار المفروض على اليمن ، وفي مقدمته الغياب المخيف للمشتقات النفطية من السوق..وهذه على ما يبد أحد أهم الركائز والأسلحة الأكثر فتكا التي يعتمدون عليها ..
يبد إن الإخوة في الجماعة نسوا أن كل شيء يتعلق بحياة المواطنين ومصالحهم وبالحركة والنقل والانتاج والصحة وغيرها قد صار شبه متوقف ..ناهيك عن الارتفاع الخيالي لأسعار السلع الغذائية الأساسية وغيرها ، بل أن الكثير منها لم تعد متوفرة في الأسواق والمحلات التجارية بالمديريات والأرياف...أنا أنتمي لمنطقة ريفية أعي وأدرك تماما ما أقول..
وكي أزيدكم من الشعر بيتا : لقد سمعت كلاما منقولا عن عدد من الكتاب والسياسيين والإعلاميين السعوديين يؤكدون فيه بأنهم يراهنون بشكل كبير على نتائج الحصار الاقتصادي وفي مقدمته الوقود ، حيث ينتظرون منه دكدكة الجبهة الداخلية للمجتمع وتماسكه وهذا بدوره - كما يعتقدون - سيحطم قوة الحوثيين ومن يسمونهم بالقوى المتحالفة معهم..
إن أردتم رأينا الشخصي حول هذا الرهان الظالم الذي يستهدف الجميع دون إنتقاء، فيبد أنه سيحقق لهم بعضا مما يريدون ، سيما في ظل سياسة اللامبالة التي تنتهجها جماعة أنصارالله كسلطة فعلية بالميدان ، فهي ، إلى اليوم ، لم تتعامل مع هذه القضية الخطيرة وغيرها بوعي ورؤية علمية واقعية ، ولم تتعامل، أيضا، مع الراهن بمنطق وعقلية الدولة والمؤسسات التي يفترض بها ادراك المخاطر المحدقة بها وبالبلد وتستشعر عن بعد مصادر التهديد القاتلة ، خاصة المرتبطة منها بمصالح الشعب وقوته اليومي ، ومن ثم التعاطي معها بمسؤلية ، ومقدرة على تحديد خياراتها واتخاذ قراراتها وأولوياتها.
المهم ما نعلمه ونعيشه جميعا هو إن أنصار الله لم يحركوا ساكنا حيال كارثة إنعدام المشتقات النفطية ومدى تأثيرها المباشر والمدمرعلى حياة الناس، ﻷنهم للأسف إما لا يعنيهم أمر الناس شيئا ، أوإنهم لم ينزلوا لمستوى الشارع ، للمزارع والأسواق والمدن والقرى ...لم ينتبهوا للطوابير الكبيرة لآلاف السيارات التي تقف منذ ما يزيد عن شهر أمام المحطات بالعاصمة صنعاء وغيرها تنتظر الغيث الذي لم تجد به السماء، فجميع مركبات الغلابى لم تحظ حتى بقطرة بترول ، أو ديزل واحدة، كما هو حال تلك السيارات التي صدئت وتهشمت زجاحاتها وثقبت إطاراتها أمام محطة الفتح بشارع خولان المغلقة الأبواب في وجوه الناس منذ أول يوم للأزمة وحتى لحظة كتابة الكلمة الأخيرة في هذا المقال وربما إن مسافة الانتظار وطوابير الفقراء ستطول..
أنصار الله يبد إنهم للساعة لم يستطيعوا الانتقال من شعار( الموت لأميركا ، اللعنة على اليهود ، النصر للإسلام ) وتفكير الميليشيات والفئة المظلومة المتحصنة في الجبال ، إلى تفكير الدولة وسلطة الأمر الواقع التي صارت من خلالها هي المسؤلة مسؤلية مباشرة، دينية ، أخلاقية ، إنسانية ، وطنية عن مصالح وحياة ملايين الناس وليس عن نفسها وأتباعها فقط في مناطق حيدان ومران والنقعة وغيرها.
لانعلن سرا هنا حينما ننقل آراء بعض العامة والخاصة والنخب المختلفة في المجتمع الذين يكررون طرح قناعات ومعلومات تفيد إن جماعة أنصار الله يمنعون أصحاب المحطات في صنعاء والمناطق التي تقع تحت نفوذهم من بيع البنزين والديزل للمواطنين ، ويأمرونهم بحجزها في المحطات وصرفها فقط، للمجاهدين والمجهود الحربي من أجل تحريك ونقل الآليات والأطقم العسكرية لجبهات القتال ، وكذا استمرار تحرك عناصر الجماعة وأداء واجباتها هنا وهناك ، طيب تمام حركوا الآليات والأطقم..لكن الناس/الشعب هذا المسكين كيف له أن يتحرك ويعيش وينتقل من مكان لآخر ويتمكن من الحصول على البضائع والمواد الغذائية وأسباب وعناصر البقاء ؟
على الأقل: لماذا لا توزعوا الكميات الموجودة من البنزين والديزل بطريقة ثلثين وثلث الشائعة في البلاد والمتبعة من قبل شرطة السير ( المرور ) الذين يحكمون بهادائما في الخلافات الناشبة عن صدام السيارات ، ثلثين وثلث ، سواء كان ذلك بحق ، أو بباطل، المهم ثلثين وثلث..وإحنا نقول لكم قابلين بحكم أطرف عسكري مرور في أول جولة بشارع الزبيري وليكن ثلثين لكم وثلث للشعب..
يا جماعة المسألة خطيرة وتتعدى قدرة الناس على التحمل وإذا استمر الحال كما هو عليه اليوم ، صدقوني إن من شأنه توسيع بقع الزيت ومساحات الكوارث الإنسانية التي ستفجر الجبهة الداخلية وتدفع بهوءلاء الناس الصابرين ، الصامدين للانفجار في وجه الجميع ..الجوع - يا سادة يا كرام - كافر ، ومثلما إن الحاجة كانت ومازالت أصل الاختراع ، فإنها ستكون في حالتنا اليمنية هذه ، أم وأصل الدبور والإنهيار الشامل.بعيدا عن المكابرة والمقامرة بحياة ومستقبل الملايين من البشر.
الإخوة في أنصار الله هل تعلمون بأنني، أنا المواطن اليمني ، الرافض للعدوان أولا: وعضو في المؤتمر الشعبي العام ثانيا: أدفع ضريبة هذا غالبا، فالكثير من الناس يأطرونني كمتحوث ، صحيح إنها مرتبة أقل من مرتبة حوثي خالص، لكنها تأدي الغرض ، لهذا سأستغلها هنا وأوظفها بما يرضي الله وضميري..وأصارحكم بما أسمع وأرى ..هناك الكثير من الناس يحملونكم المسؤلية الكاملة لما آلت إليه أوضاعهم وأوضاع البلاد، وذلك ابتداء من دخولكم للعاصمة صنعاء في 21 سبتمر من العام الماضي مرورا بسيطرتكم المطلقة على مؤسستات الدولة السيادية ( مدنية وعسكرية ) ، وصولا لاقتحام دار الرئاسة ووضع عبدربه منصور هادي تحت الاقامة الجبرية ، وفراره بعد ذلك إلى محافظة عدن وما اعقبها من ممارسات وتطورات،ادت إلى لحاقكم والجيش به لقصر المعاشيق الذي ضربتموه - أيضا - بالطيران الحربي ، ولست هنا بصدد مناقشة صحة وخطاء ما قمتم به ومدى وطنيته ، أو شرعيته وضروراته ، لكنني بصدد نقل الصورة التي هي مترسخة في أذهان شرائح غير قليلة من الناس الذين هم على قناعة تامة بأنكم من دفع بالأوضاع لهذه المرحلة ووفر للسعودية وحلفائها الغطاء والمبررات - وإن كانت واهية - للقيام بالعدوان الوحشي على بلد مستقل ومتمتع بكامل السيادة ..
وتأسيسا على ذلك يبد إنه من المنطقي أن تتفهموا هذه المشاعر وتراعوا طبيعة الاختلاف معكم وحجمه وتتأملوا في نتائج الأوضاع ودرجة المأساوية التي وصلت إليها البلاد وأحوال العباد الذين أنتم مسؤلون عنهم بحكم سلطة الأمر الواقع من جهة ، وبحكم قناعاتهم بأنكم من تسبب بهذا من جهة ثانية.
وبالتالي نظن إنكم هنا مطالبون بمراجعة سياساتكم، فالأوضاع ومصلحة الوطن تحتم عليكم أن تكونوا أكثر حكمة وعقلانية في التعاطي مع الواقع ، بغض النظرعن البطانات والسياسات التي تحاصركم كتلك التي اشارت عليكم بإجراء مناورة بأطقم عسكرية وأسلحة متوسطة على حدود السعودية ، قبل عدوانها الأخير بأقل من شهر ، فيما كانت جبهتكم الداخلية ومطارح الاستعدادات ملتهبة وبأوجها في مأرب وإب وتعز والضالع والبيضاء وأبين وعدن وغيرها...
للتنبيه :لا تفهموني غلط وتحكمون علي من الساعة خائنا وعميلا، وتأولون كلامي بإني أدعوكم لرفع الراية البيضاء للسعودية والترحيب بعودة هادي الذي صارت عودته كرئيس - في تقديري - مستحيلة ، ولكن مثلما إنكم طوال سنوات نضالاكم ظليتم تدرسون وتتقنون فقط عمليات القنص والحروب وكسب عقول وأفئدة آلاف الشباب .وترديد الزوامل والصرخات والاثبات في كل مناسبة على مقدرتكم العالية في الحشد الجماهيري المنظم، فلماذا لا تجربوا هذه المرة السياسة انخرطوا ولو من بعد الاستراحة ( الراحة ) في مدارسها وقراءة بعض مناهجها ومقارنتها بواقعنا اليوم ، وبعد ذلك تقومون بعملية تقيم ولا مانع من استخدامكم للآلة الحسابة ..وفي النهاية تطرحون على أنفسكم تساؤلات من قبيل : هل الاستمرار بالطريق هذه التي تمشون عليها مناسبة ، أم بآلية وطريق أخرى ، وذلك من أجل الشعب وليس من أجل أحد آخر؟
وتذكروا جيدا إنه لا خاب من استشار.
وتذكروا- أيضا - إن أحوال اليمنيين صارت جنائزية ، وأحلامهم ومعنوياتهم محطمة ، ولم يعد لدى معظمهم أي تطلع ، فمناصروكم وكل الوطنيين والزاهدين قد لا يصمدون طويلا.. واسمحوا لي أن أعطيكم مثالا بسيطا على نفسي ،أنا الشخص المتواضع المصنف بصورة، أو بأخرى بأنني أعمل معكم وتحت إمرة مشروعكم...ومع هذا سبق وأن قمت قبل أكثرمن أسبوع من اليوم باطلاق نداء استغاثة على صفحتي بالفيسبوك موجها لأنصار الله، مفاده بإنني بحاجة ماسة لعشرين أو ثلاثين لتر بنزين كي أتمكن من زيارة والدي المريض المسن ، الذي يقيم في محافظة ومديرية خارج العاصمة ، ومع هذا لم ألق أي تجاوب .!
ما أريد أن أقوله وأؤكد عليه هنا هو إن الوضع معقد جدا والحالة العامة للناس صارت مزرية ومن الحماقة الاستمرار بهذا النهج ، فحاجات الناس وأقواتهم ومصالحهم لا يجب الاستهانة بها ، سيما والحياة وكل مقوماتها العصرية مرتبطة بالطاقة وبالتكنلوجيا وبالعلاقات الدولية الطبيعية ..الموانئ البحرية والجوية والبرية غدت جميعها مغلقة في وجه الشعب والكل يعرف مايعني هذا الأمر، ناهيك عن الجبهات المفتوحة للصراع المسلح والعنيف الدائر في أكثر من ست محافظات ..
آمل أن تصل هذه الرسالة الشفافة والصادقة من مواطن يمني يدين ويستنكر العدوان الخارجي على البلد.. وفي الوقت ذاته يدين التغاضي عن مصالح الناس وعدم تحمل المسؤليات تجاههم
، و أفعال وسياسات المقامرة بكل شيء ، من أجل اللا شيء...