بقلم/عادل عبدالاله العصار -
كثيرة هي أسئلة الاطفال وكبيرة هي رغبتهم في معرفة وفهم كل ما يدور حولهم.. عن كل شيئ يتساءلون لكن تساؤلاتهم -التي نتفق على أنها حقهم الطبيعي لفهم وادراك الحياة- لم تعد تتوقف عند حدود ما يفترض لتساؤلاتهم أن تكون..
تساؤلات الاطفال اليوم حتى وإن أصبحت ممزوجة بالسياسة والألم إلا انها تظل طبيعية وعلى الآباء إحترامها والتوقف عندها كثيرا وعدم النظر إليها كأسئلة عادية تبحث عن إجابات فقط.. أسئلة الاطفال أصبحت أكثر عمقا مما نعتقده أو نراه ظاهريا في السؤال..
اليوم يفاجئك ابنك الصغير بأسئلة لم تكن تتوقعها وحتى وإن بدت لك أكبر وأعمق من أن تخطر على قلب وعقل طفل صغير إلا انها لن تكون كذلك عندما تدرك أنه من خلالها لا يبحث عن تفسيرات سياسية بقدر ما يتوق لمعرفة هوية المجهول الذي استحوذ على قلب وعقل وضمير أبيه وحرمه الاهتمام وجعل أبيه يعيش غربة انعدام الوجود في الواقع الاسري..
كغيري من اليمنيين الذين رحلت بهم السياسية بعيدا فاجأتني فاجئتني أسئلة ابني الصغير وأدخلتني في دوامة لم استطع الخروج منها بل ودعتني لأن ابحث في اعماقي عن إجابات للكثير من التساؤلات التي تؤكد كم نحن جهلة وحمقى وسذج وكم نحن انانيون..!!
مئات الالاف من الاطفال في عمر ابني الصغير محمد ومئات الالاف أصغر واكبر منه..
نسيناهم وتجاهلناهم لدرجة مصادرة حقهم في أن يكون لهم حياة وأن يكون لهم حاضر ومستقبل كباقي أطفال الدنيا أو على الاقل أن يعيشوا كما يفترض لهم طبيعيا أن يعيشوا..
ملايين الاطفال قتلنا فيهم البراءة ودمرنا ملائكية وطهر قلوبهم واغتلنا حاضرهم ومستقبلهم وملأنا عقولهم وقلوبهم وذاكرة أيامهم بالكثير من الدناءات والكثير من الدماء والدمار والفوضى والقبح السياسي الذي أنسى الاباء أبناءهم بل وجعل الأباء يتفاخرون بتحويل فلذات أكبادهم إلى مشاريع شهداء وقتلى وأجساد ممزقة وأعضاء محترقة ومبعثرة وغارقة في أنهار من الدماء والدمار والحطام الذي كان ذات يوم يعج بالحياة والسلام..
جميعنا أباء لكننا جميعا لم نترجم ابوتنا وعجزنا عن تجسيد أي صورة من صورها، جميعنا أباء لكننا تجاهلنا أطفالنا لدرجة النسيان وتحولنا إلى جنود ومرتزقة تتقاسمنا الخنادق والمتاريس وجبهات القتال، وبدلا من التفكير في حاضر ومستقبل اطفالنا اجتهدنا في خدمة امراء الحرب واتجهت إهتماماتنا لترجمة وتجسيد إهتماماتهم ووظفنا طاقاتنا لخدمة اطماعهم والانتصار لأهدافهم وصنع حاضرهم ومستقبلهم السياسي والعسكري..
جميعنا أباء لكننا فقدنا أعيننا ولم نعد نرى البراءة في عيون أطفالنا بل لم نعد نستطيع قراءة ما تبديه ملامحهم من إشتياق للحصول على لحظة في وقت آبائهم المزحوم اللاشيئ..
جميعنا أباء لكننا فقدنا مشاعرنا وأحاسيسنا لدرجة إنكار حق أبنائنا في أن يكون لهم حيز في خارطة عقولنا بعد أن حولتنا أهوائنا وأنانيتنا وجهلنا لمبادئ الحياة إلى كائنات بدائية غير قادرة على التفكير، بل وعاجزة عن الاهتمام بمن حولها وكأنها فقدت الفعل والشعور الغريزي..
جميعنا أباء لكن الابوة بالنسبة لنا لم تعد سوى لقب وصفة مثلها مثل بقية الالقاب والصفات التي نتباهى ونتفاخر بإمتلاكها في الشركات والمؤسسات العامة والخاصة لكننا لا نجيد ترجمتها وتجسيدها على أرض الواقع..
جميعنا أباء إلا أننا أباء لا يجيدون غير الحرب، ولأننا لا نجيد سواها جعلنا حاضرنا حرب نبني مبادئه وندون أحداثه ونصنعه بفوهات البنادق وأدوات القتل التي نحفظ أسماءها عن ظهر قلب.. ولاننا لا نجيد غير الحرب حولنا مستقبلنا -الذي يفترض به أن يكون حاضرا لأبنائنا- إلى حرب نؤسس له بما يتفق مع ثقافة الحرب ونضع لبناته ومقوماته في خزنات البنادق رصاصا وبارودا وقنابل ندخرها لحروبنا ومعاركنا القادمة..
ولأننا لا نجيد غير الحرب نحرص على الاعداد والاستعداد وصناعة مستقبل الحرب التي سيكون الناجين من أبنائنا اليوم وقودها غدا ومنهم سيكون القاتل والقتيل..
أخيرا... مهما كانت المبررات فإن من يعجز عن بناء اسرة والمحافظة عليها لا يمكنه بناء وطن والمحافظة عليه، ومزيدا من الحرب أيه الأباء المحبون وطنهم وأبنائهم لدرجة الحرب والقتل واغتيال الحياة..
للتأمل:
".. ضيعني صغيرا وحمّلني دمه كبيرا.....“
امرؤ القيس..