رشاء أحمد -
تجبرنا سفن الأنين على الرحيل.. وتجبرنا قسوة الأيام وجور الزمان ومرارة الأقدار..على السير في دروب الفراق والمضي قدماً نحو المجهول ..
نمشي في دروب الألم واللاعودة..ولكننا لم نختار هذا المصير..إنه قانون الكون ومحكمة الحياه التي تصدر أحكام الظلم والظلام هي التي تجبرنا على ذلك رغماً عنا.
نمضي تاركين ورائنا خيبات أحلامنا وآمالنا و أحزاننا وآلامنا..
آخذين شتات ماتبقى منها في حقائب واضعين فيها بقايا ذكريات كانت جميله أو لربما كانت كذلك ..
تبعثرت أمامي العديد من الأوراق الصماء بعضها بيضاء لتحكي موت المشاعر والكلمات في أيقونة أحاسيس باكية.. فبعضها رثاء لأطلال وطن و بقايا إنسان يتوجب عليه النسيان والخوض في دروب السفر الطويل للغياب والإغتراب...وتركت ورائي بعض من حقائب الحنين والحسرة وعطور الذاكرة المنسية..
للأسف لم يكن الرحيل خيار حتمي أمامي بل كان قرار الظلم والخوف والأقدار..
لم أكد أخطو أولى خطواتي بلباسي الأسود ولا يليق لهذا الرحيل إلا السواد لأنه اللون الباذخ بالحزن الطافح بالألم الغارق في الوهم المترف بالشقاء ..حتى شدتني يديّ الحنين عنوة الى الوراء..ورأيت طيور الشجن تلوح وتتراقص في الأفق البعيد.
كم تمنيت التراجع والعودة ولكني...لكني لا استطيع العوده الى وطن شاخ و كهل وأنهكته الحروب الداخليه قبل الخارجيه, ولم يعد يستطيع أن يحتوي ذاته و أبناءه ويلملم جراحه ويجمع شتاته و أشلاءه ..ولا أستطيع العودة إلى حياة يملؤها الحزن و الغبن أو بالأصح ليست حياة هي نوع آخر من أنواع الموت و أصداء الفناء, وأُعلن البدء بالرحيل و الإستعداد للأسفار الطويلة متشعبة المسالك و الأغوار عصية الدروب عنيدة المهالك و الثغور.
تجاهلت مافي الروح من حنين ومافي المشاعر من شوق والقلب من أنين وغادرت أرصفه الانتظار وميناء الشقاء الى سفينة الرحيل للبدء في دروب اللاعوده والخوض في غمار بحور المجهول .. لأبحر هناك .. ستجدونني هناك .. في اللاوجود و اللا فناء ..