لحج نيوز/بقلم: د. زيد علي الفضيل -
تعكس تلك الحكاية التراثية القصيرة التي تتحدث عن مسافر كان يقطع الصحراء وحيدا ، وإذا به يرى على بعد شبحا قادما نحوه ، في البداية ظنه ذئبا ، وعندما اقترب رأى فيه شكل إنسان ، وما كاد يقترب منه أكثر حتى وجد فيه أخاه ابن أمه وأبيه ؛ تعكس عمق إشكالنا المعاش ، الكامن في حالة القطيعة المعرفية ، الناتج عن غياب جوهري لثقافة الحوار الجاد ، وليس ثقافة الحوار الإعلامي ، الذي لم يصمد أمام عدد من التصريحات المتشنجة ، أو ظهور العديد من الكتابات الحادة ، المذكرة بأجواء الخطاب الطائفي خلال فترة الثمانينات من القرن المنصرم ، وهي مرحلة لا يختلف عاقلان على أنها قد جذرت القطيعة بين مختلف الطوائف الإسلامية (سنة وشيعة ، سلفية وصوفية) ، وألهبت الحوار الفكري بين المدرسة التقليدية ، ومدرسة الحداثة ، بالشكل الذي انعكس سلبا على طبيعة العلاقات البينية بينهما ، وتمخض عنها ظهور العديد من فتاوى التضليل والتبديع ، في مقابل بروز الكثير من أقاويل التجهيل والازدراء ، إلى غير ذلك . على أن ذلك إذا كان له ما يبرره ، فإن عودة بعض مظاهره إلى الساحة حاليا ، لا يمكن تبريره بأي صورة منطقية ، فالظرف والزمان السياسي متغير إلى الأحسن ، حتى مع وجود توتر هنا أو هناك حول بعض المسائل السياسية المجردة ، كما أن فاعلية التواصل المعرفي ، وتعدد اللقاءات الثنائية من خلال المؤتمرات والندوات العلمية ، وغيرها ، أصبح أكثر من ذي قبل ، وبالتالي فإن إمكانية التوصل إلى فهم مشترك بات أكثر سهولة ، وفاقت مساحة الشفافية الفكرية مساحة الغموض المعاش ، كما أن وضوح معالم المشتركات أضحى أكثر بيانا من حيثيات المختلف فيه . ما يدعوني إلى ذكر ذلك راجع إلى ما تعزز في داخلي كمواطن من شعور إيجابي إزاء الآخر الفكري ، جراء استيعابي للخطاب الأبوي الذي ما فتئ خادم الحرمين الشريفين ، يشدد فيه على أهمية قبول الآخر ، والبعد عن حالة الإقصاء والتشدد وضيق الفهم ، الذي من شأنه أن يلقي بصاحبه إلى التهلكة ، لافتا في مواضع عديدة إلى حتمية التحرر من قيد النقاش المذهبي العقيم ، والتصنيف البغيض ، ليتسنى لنا إدراك جمالية مشهدنا الفسيفسائي الثقافي الوطني ، الذي تتناغم فيه الألوان كتناغم الأفكار والمشاعر ، لترسم لوحة وطنية واحدة ، بهوية سعودية مشتركة ، تجمع بينها قيم أصيلة ، وولاء عظيم ، تصب منابعه النقية في رياض المحبة والخير . إنه الواقع الذي يتبدى لكل وطني غيور ، إذ ما أعظم ما نتمتع به من أرض خالدة موحدة ، تمتد بآفاقها الوحدوية بين الساحلين ، وهي حالة لم تعشها الجزيرة العربية منذ انتقال عاصمة الخلافة من المدينة المنورة إلى الكوفة ثم دمشق فبغداد ثم القاهرة فاستانبول ، حتى كان عهد المؤسس الملك عبد العزيز يرحمه الله الذي أعاد إلى جزء كبير من أرجائها بريقها ووحدتها الوطنية ، ليعيش الفرد العربي في أصل موطنه التاريخي ، من على ضفاف الساحل الشرقي إلى سهول الساحل الغربي ، حالة من الوحدة الوطنية ، والذاكرة المشتركة ، والهم الواحد ، بعد أن عاش مشتت الأرجاء ، فاقدا للرؤية ، تائها بين القفار، ليس له من هم إلا البحث عما يسد رمقه ، ويكسو لحمه ، ويقي أبناءه وأهله الهلاك . فهل نحن واعون لقيمة ما نحن فيه ؟