لحج نيوز/متابعات - تضل قصص الرسل والأنبياء مصدرًا هامًّا للإنسان المسلم في التعلم والاستفادة من الماضي، سعيًا وراء حياة آمنة في الدنيا، ومستقرة في الآخرة، عبر التزود من المواقف التي كابدها رسل الله وأنبياؤه في سبيل دعوتهم إلى الله وإعلاء كلمة التوحيد.
نستعرض هنا أشهر الأماكن التي شهدت قصصهم، والمواقف العظيمة التي واجهتهم وامتحنهم فيها رب العزة، ليكتبوا بذلك أسطرًا خالدة يتعلم منها المؤمنون على مر العصور.
وسنلجأ في معرض حديثنا، إلى كتاب قيم بعنوان "قصص الأنبياء والتاريخ"، حرص مؤلفه الدكتور رشدي البدراوي، على التوثيق التاريخي للقصص القرآني والتوفيق بين التاريخ المعتمد وبين ما ورد في المراجع الإسلامية حول حياة الأنبياء وقصصهم.
استعان البدراوي في كتابه بالعديد من الخرائط الهامة، وذكر الدول والممالك التي كانت موجودة في العصر الذي ظهر فيه كل نبي، وهو ما نعرضه مسلسلًا، راجين من الله أن يجعله مفيدًا للقارئ، وأن يثيب المؤلف عنه خير الثواب.
(1) موضع لقاء آدم وحواء للمرة الأولى
يقول الدكتور رشدي البدراوي، إنه بعدما خلق الله آدم وزوجته، صدر الأمر الإلهي بأن يسكنا الجنة: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجتك الجنة)، لافتًا إلى أن أول ما يتبادر إلى الذهن أن المقصود بالجنة، أي دار الثواب المؤمنين يوم القيامة، إلا أن البعض ذهب بالقول إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع قيل بأرض عدن.
واستدل أصحاب هذا الرأي على أن المكان كثيف الظلال يسمى جنة. ومن ثم فإن معنى (اهبطوا منها جميعًا) يقصد به الانتقال من بقعة مرتفعة إلى بقعة أقل ارتفاعًا، أو إلى بقعة منخفضة، كما في قوله تعالى: (اهبطوا مصرًا).
وتابع البدراوي أن من قالوا بخلق آدم في الأرض، رجحوا أن الجنة كانت في الأرض أيضًا؛ إذ لم يذكر القرآن أنه تم نقله إلى السماء.
ولو نُقل آدم إلى السماء لكان أولى بالذكر في القرآن -والكلام للبدراوي- لأن العروج إلى السماء فيه تكريم، وجنة السماء قال الله في شأنها: (لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا إلا قيلًا سلامًا سلامًا)، و(وما هم منها بمخرجين). أما الجنة المذكورة في قصة آدم فلغا فيها إبليس وكذَّب.
وحسب القصة القرآنية، فإن التجول في أي مكان بجنة آدم وحواء كان مباحًا، وكذلك الأكل من كل ثمارها، إلا شجرة واحدة نهى الله عنها. وكان هذا النهي هو الاختبار: (وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين).
إلا أن آدم لم ينجح في هذا الامتحان (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)، وكانت النتيجة: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة)، وكان الأمر في نهاية المطاف أن هبط آدم وزوجته من الجنة واستقرا في الأرض.
مكان الهبوط
وتختلف الآراء في مكان هبوط آدم إلى الأرض، فيما أكثرت الأحاديث الموضوعة في تناوله، ومنه ما ذكره "البدراوي" منقولًا عن الديلمي عن علي، قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه)، فقال: "إن الله أهبط آدم بالهند، ومكث آدم بها مائة سنة باكيًا على خطيئته".. إلى آخر الحديث الموضوع.
أما رأي من قالوا إن الجنة كانت في السماء، فيقولون إن آدم نزل بالهند وحواء بجدة وإبليس بالبصرة والحية بأصبهان.
لكن هذه التفرقة ليس لها من داعٍ -حسب البدراوي- إذ تثير السؤال: كيف التقى آدم حواء بعد ذلك وبينهما آلاف الأميال وليس له علم بالاتجاهات ولا خبرة لعبور الأنهار ولم يكن قد استأنس من الحيوانات ما يمكنه من عبور الصحاري والقفار؟!
والقائلون بهذا الرأي يقولون إن الله كان يطوي الأرض لآدم في كل خطوة كذا ميل! فيما قرب ابن عمر المسافة فقال: أهبط آدم بالصفا وحواء بالمروة.
أما البدراوي فيرجح أن جنة الاختبار كانت في مكان مرتفع بمدينة عدن اليمنية، وحين أخرج منها آدم هبط إلى السهول المنخفضة، مشيرًا إلى أن الأقرب للعقل هو خروج آدم وحواء معًا وهبوطهما في مكان واحد.
واستشهد المؤلف بكتاب "معالم تاريخ الإنسانية"، الذي يرجح فيه " هـ. ج. ويلز" أن مكان ظهور أول إنسان بالعصر الحجري الحديث، هو مكان ما من آسيا الجنوبية الغربية، وهو اليمن؛ ما يتفق مع القائلين بأن الجنة كانت في عدن.
ويرى البدراوي أن ولد آدم انتشروا من هذه البقعة (عدن) ليعمروا الأرض؛ فمنهم من ذهب إلى جنوب شرق آسيا وأستراليا –مع افتراض أن شكل اليابسة على الأرض كان مختلفًا في ذلك الحين بدرجة كبيرة- ومنهم من هاجروا غربًا عبر مضيق باب المندب الذي كان جافًّا حينها، متجهين إلى جبال إثيوبيا، ومنهم من ساروا بمحاذاة الساحل الغربي للبحر الأحمر، متجهين شمالًا إلى مصر، ومنهم من ساروا بمحاذاة الساحل الشرقي للبحر الأحمر، متجهين إلى الشام وفلسطين |