لحج نيوز/استطلاع - محمود الحداد - بالرغم من انتهاج بلادنا النهج الديمقراطي والذي يتيح للمواطن حرية التعبير عن آرائه وبالتالي إشاعة روح المحبة والتسامح بصورة عصرية، كان يفترض أن يكون للمدرسة نصيب من التفاعل والتأثير الايجابي والكوادر التعليمية مع هذه السمات الحضارية باعتبار أن المدرسة حاضنة المجتمع، وهي الوسط الملائم لنشر الثقافة والعلم في أوساط الأفراد، إلا أن ما يجري هو عكس ذلك.
لدينا مدارس كثيرة سواء في الريف أو الحضر يجري فيها تثقيف سلبي قائم على أسس مناطقية وسياسية ومذهبية، ينسجم مع الثقافة المتطرفة و المتخلفة التي تشجع على نزعات متخلفة وثقافة رجعية تقليدية تعود بالمجتمع إلى الماضي البغيض سواء إلى عهود التشطير أو إلى العهد الإمامي البائد.
بالطبع ليس هذا من تهويمات الخيال فمن خلال زيارة بعض المدارس في محافظات عدن ولحج والضالع والحديث مع بعض المعلمين و أولياء الأمور وحتى الطلاب أنفسهم وجدت الجميع يؤكدون وجود ظواهر سلبية انحرفت برسالة المدرسة عن مسارها وأهدافها الدينية والوطنية.
ومن هذه الظواهر - على سبيل المثال لا الحصر- الاختلاف في وجهات النظر بين قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية، فهي تنتقل بصورة آلية إلى القواعد التنظيمية لتلك الأحزاب ومنها إلى المدرسة، حتى صارت العملية التعليمية رهينة الاختلافات السياسية، ولكل حزب أو تنظيم سياسي له أعضاء أو مناصرين في هذه المدرسة أو تلك وكأن كل حزب أو جماعة أو تنظيم يسعى لترويج فكرته ونهجه السياسي والفكري والطائفي بين الطلاب.
ووصل الحد إلى أن بعض المعلمين وبعض الإدارات المدرسية عملوا على ترسيخ لغة الكراهية والتمييز على أساس مناطقي أو مذهبي أو سياسي، ففي مدينة الحوطة بمحافظة لحج أوحى لي شيخ ستيني العمر عن قيام بعض المعلمات بترسيخ المناطقية في تعاملهن مع الطالبات، ويقول إنه على الرغم من وجوده في عدن منذ قرابة أربعين عاما إلا أن ذلك لم يشفع له، وما زالت لعنة المناطقية تحاصره أينما ذهب حتى انتقلت إلى أبنائه مشيراً إلى أن معلمة ابنته عندما تناديها تقول لها يا "دحباشية".
أيضا تشهد بعض المدارس معارك كلامية بين معلمين متشددين وآخرين منفتحين، فالطرف الأول"المتطرف" يعارض -على سبيل المثال - أي نشاط مسرحي أو غنائي في المدرسة بحجة انه منافٍ للشريعة وخروج على الخلق العام وعرف القبيلة، وذلك محاولة منه في خلق انطباع سلبي في ذهن الطلبة.. فيما يرى الطرف الثاني"المنفتح" انه من أهم مقومات المدرسة باعتباره وسيلة مناسبة لبث الوعي وتعزيز قيم سليمة تساعد على خلق مجتمع منفتح يساهم في رفع المستوى الثقافي للطلبة والطالبات في المدرسة وكذلك في المجتمع مما يخلق في ذهنهم حب التعليم والقيم الوطنية والثقة في النفس.
ومن آثار التثقيف السلبي شيوع من يحرض بعض طلاب بعض المدارس على ترديد نشيد غير النشيد الوطني للجمهورية اليمنية، إضافة إلى تغيير في صياغة الكلمات التي يحيي بها الطلاب والطالبات العلم الوطني من كلمات تحث على حب الوطن والثورة وتعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية إلى كلمات تمجد الخلافة الإسلامية أو أبطال حماس وغيرهم. .ما سبق من الأمثلة ليس إلا بعض منها التي ابتليت بها المدارس في بلادنا الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إحداث شرخ كبير في ذهن النشء.بالتأكيد أن تشخيص الظواهر السلبية في المجتمع وتحديدا في المدرسة لا تكفيه ملاحظات عابرة من هنا وهناك بقدر ما يحتاج إلى وقفة جادة من الجميع. .وإذا ما أردنا تغيير السلوكيات السلبية والأفكار المتطرفة التي تحرض على الكراهية والمناطقية والمذهبية البغيضة، علينا أن نركز بدرجة أساس على حاضنة المجتمع المدرسة باعتبارها الأكثر تأثيرا سلبا أو إيجابا على مشاعر وتوجهات الأفراد.
تحريض الطلاب
محاولات تسييس الطلاب والعملية التعليمية لم تظل حبيسة أسوار المدارس بل تطورت الى خروج بعض الطلاب للمشاركة في مسيرات ومظاهرات تدعو لها أحزاب وعناصر متطرفة، ولكل منها أهدافها الخفية التي لا تظهر على السطح شأنها شان الأهداف الظاهرة التي تحمل طابعا إنسانيا يهتم بهموم ومعاناة المواطنين.
وما حدث في بعض مديريات محافظات أبين ولحج والضالع من قيام عناصر انفصالية بزج طلاب وطالبات بعض المدارس في أعمال الشغب والفوضى والاعتداء على المصالح العامة والخاصة والتحريض على الكراهية على أساس مناطقي ورفع أعلام شطرية والدعوة إلى الانفصال، ليس إلا صورة معبرة عن استغلال المدرسة وتسييسها في تنفيذ مآرب تخريبية وتآمرية.
رفض الذرائع
وقد كان المبرر الوحيد الذي يجمعهم هو تدهور الخدمات العامة وتعثر مشاريع التنمية إضافة إلى انتشار الفساد المالي والإداري والفقر والبطالة.. وفي الحقيقة من منا في كل مناطق أنحاء الجمهورية اليمنية لا يعاني من كل هذا.. فكلنا في المعاناة سواء وان اختلفت فهي باختلاف مصادرها فقط.. ورغم ذلك لا يمكن أن تكون هذه المعاناة سببا في مساعدة الفوضويين والانفصاليين على إشعال الفتنة والاقتتال بين الإخوة اليمنيين.
لقد وجدت عقلاء كثر في المناطق المتضررة يستنكرون بشدة ما صدر من العناصر الانفصالية التي قامت بإحراق المصالح العامة ومصالح المواطنين من المحافظات الأخرى.
معتبرين ذلك جرماً تحرمه الشريعة والعادات والتقاليد اليمنية ومرتكبي هذا الجرم ليسوا سوى عناصر ضالة حادت عن الطريق الحق بقصد أو بدون قصد. ويبقى الثابت منطقيا عند هؤلاء العقلاء أن مسألة الوحدة ستبقى خطا أحمر لا يجب المساس به، فهم يؤمنون بأنها حسمت خياراتها منذ 22مايو 1990م ولا مجال للعودة بالبلاد إلى زمن التشطير، لأن العودة تعني العودة للاقتتال والتصفيات والسحل والتعذيب والمصادرة وغير ذلك وهذا مستحيل.
ولما سألت عن المسؤول في السماح للطلاب والطالبات بالمشاركة في مسيرات ومظاهرات الحراك الانفصالي التي غلب عليها الطابع الفوضوي، أوضح أحد أعيان ومشايخ مديرية ردفان- أن معظم المدارس في المديرية تعاني من انفلات وتسيب إداري.
وقال بحدة : قبل أن تطالبونا بضبط الطلاب ومنعهم من الخروج في مسيرات الحراك الانفصالي طالبوا الجهات المعنية أن تضبط المدرسين وتلزمهم بأداء عملهم على أكمل وجه. ويتابع بقوله : من الطبيعي أن ينصرف الطلاب إلى أي أعمال طالما وهم لا يجدون فائدة من ذهابهم إلى المدارس خاصة في ظل وجود التسيب الإداري وتغيب المعلمين.
فضائح المدارس
ويقول شاكياً بمرارة من واقع حال التعليم في مناطقهم: إن تقصير المدرسين وغيابهم المستمر وفساد وتهاون الإدارات المدرسية والتعليمية قد وصل بهم إلى أن يتجرأ بعضهم في استئجار بعض الطلاب من حديثي التخرج من الثانوية لتغطية أعمالهم في المدارس التي يعملون بها مقابل أجر زهيد لا يزيد عن خمسة آلاف ريال في الشهر.
وأضاف : لدينا مدرسة أساسية ويعمل بها ثمانية مدرسين ، إلا أنهم على قلتهم مقارنة بمدارس أخرى في بعض المحافظات لا تجد في المدرسة في أغلب الأوقات سوى مدرس واحد فقط !!ثم تساءل : ماذا سيعمل هذا المدرس بمفرده؟ وما الفائدة التي يجنيها الطلاب عند ذهابهم إلى المدرسة؟بالطبع طلابنا أصبحوا لا يجدون في المدارس ما يدفعهم على حب التعليم، مما يجعلهم يفضلون تركها للالتحاق بمدرسة الحياة وفيها يتعلمون كل شيء الايجابي والسلبي.
أعلام شطرية
وفي سياق الهم الذي نحن بصدده اعتدنا دائماً أن لا نرى الأعلام الوطنية ترفرف باستمرار إلا في المدارس، غير أن معظم مدارس ردفان لم يعد علم الوحدة يرفرف عليها، وما من أحد في المدرسة يهتم بهذا، حتى النشيد الوطني لم تعره الإدارات المدرسية أدنى اهتمام، لهذا ليس غريباً أن بعض الطلاب في مدارس لحج وابين والضالع لا يعرفون شيئاً عن الوحدة ولا عن تاريخ 22 مايو 1990م . حتى صار رفع أعلام شطرية في بعض مدارس مديرية ردفان أمرا طبيعياً لا يستثير غضب الطلاب، فهم لا يعرفون ماذا يعني رفع علم تشطيري في المدرسة التي أوجدتها لهم الوحدة.
البعض منهم حاول مجتهدا تبرير ظهور بعض الإعلام الشطرية في المدارس إلى عدم وجود أسوار تحميها وعدم اعتماد حراسة لهذه المدارس، مما جعلها في متناول العابثين والفوضويين، حيث يتم رفع العلم الوحدوي في الصباح ثم يأتي عناصر الحراك الانفصالي بعد الدوام المدرسي لتستبدله بعلم التشطير.
مراجعة واعادة نظر
هذا الحال و ما آل إليه من تدهور في رسالة المدرسة يجعلنا أكثر إيمانا بأن المدرسة لا تؤدي دورها في ترسيخ وتعزيز حب الوطن ووحدته، ولا تنمي لدى الأطفال قيم الحب والتسامح والتعاون ولا تساعدهم على ترك العادات السيئة والسلوكيات السلبية والتصرفات غير المسئولة .
حيث أصبحت الغاية من التعليم في ذهنية هؤلاء الطلاب هو الحصول على الشهادة فقط.
وأصبح اليأس والقنوط وفقدان الأمل الشيء الذي يتسلل الى وجدان الطلاب والطالبات وهكذا صار الوطن وأمنه واستقراره في منظورهم لا يعني بالنسبة لهم شيء.وكما عجزت المدرسة عن تعليم الطلاب والطالبات المهارات والمعارف الأساسية، عجزت أيضا من أن تكسبهم الاتجاهات الإيجابية المتعلقة بالمواطنة الصالحة والولاء والانتماء للوطن والحفاظ على وحدته وسيادته الوطنية...عجز مطبق طغى على واقع المؤسسات التعليمية.
فهل هناك من أمل للحصول على مدرسة وظيفتها - كما هي في البلدان المتقدمة - مؤسسة تربوية اجتماعية ذات مهمة نبيلة، وأساس بناء الفرد والمجتمع، وتكويِن شخصيته وتربيته وتزويِده بالقيم الإسلامية وبالمثل العليا، وإكسابه المعارف والمهارات التي تساعده على الإسهام في بناء مجتمعه وتنميته وتطويره علمياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وحضارياً وسلوكياً.
المتطلع لحال المدارس ودورها السلبي في لحج والضالع وبعض المناطق يجد أنها ليست سوى صورة مصغرة من واقع التعليم في بلادنا، وهذا يعني أن على أصحاب القرار أن يراجعوا السياسة التعليمية، حتى لا تصير المدارس حاضنة لتفريخ الانفصاليين والعنصريين والمخربين والإرهابيين، وليعلموا أن عقول أبنائنا ما زالت صفحة بيضاء وإن لم تملؤها المدارس بقيم الخير والفضيلة والتسامح والولاء والانتماء لهذا الوطن، فهناك من يسعون لملئها بالأفكار العدوانية الشيطانية التي تشجع على الكراهية والعنف والدمار.
|