لحج نيوز/متابعات -
توالت ردود أفعال المثقفين المصريين بعد البلاغ، الذي تقدم به عدد من المحامين المصريين إلى النائب العام، طالبوا فيه بمصادرة الكتاب التراثي - ألف ليلة وليلة -.
وجاءت ردود الفعل حادة وطالت ثقافات عربية أخرى، وقدمت تصنيفات للعقل العربي ولثقافتنا العربية، منها ما هو صحراوي يحتقر المرأة ويعتبرها معرّة، وأخرى حضارية تجمع أجناساً كثيرة وقناعات مختلفة وتحترم المرأة، ووصف مثقفون آخرون الثقافة المعادية بـ (ثقافة النفط)، ويرون أنها تعادي الخيال ولا ترى في الإبداع الأدبي إلا جانبه الحسي.
وطال الهجوم التاريخ العربي القديم والحديث، فقال الدكتور جابر عصفور في ندوة نظمتها هيئة الكتّاب المصرية، حول رسالة الدكتوراه التي كتبتها الراحلة سهير القلماوي عن كتاب ألف ليلة وليلة: "إن قيام هيئة الكتاب المصرية بمناقشة كتاب ألف ليلة وليلة جاء في الوقت الذي يتعرض فيه إلى هجمة شرسة من خفافيش الظلام، واعتقد انه إذا كان هناك كتاب يفخر به العرب فسيكون (ألف ليلة وليلة)، وقد تحدثت سهير القلماوى فى الفصل الأول من دراستها عن رحلة الكتاب التي انتقل فيها من الثقافة العربية إلى كافة الثقافات".
وأكد أن "ثقافتنا العربية في صراع مستمر بين عقليتين، الأولى هي عقلية الصحراء، والثانية عقلية المدينة، فعقلية الصحراء تحتقر المرأة وتعتبرها معرّة، أما عقلية المدينة أو العقلية الحضارية فهي عقلية مختلفة تجمع أجناساً كثيرة وقناعات مختلفة وتحترم المرأة".
وعن الأسماء في (ألف ليلة وليلة) يذهب عصفور إلى أن "اسم شهرزاد يعني بالفارسية ابنة المدينة، واسم شهريار يعني بالفارسية أيضا ابن المدينة، إذن (ألف ليلة وليلة) يمثل عقلية مدنية تنتقل فيها المرأة من وضع الصحراء التي تحتقرها إلى وضع المدينة التي تحترمها، ويعد الكتاب "تعبيراً عن هذا الاختلاف بين المرأة المحتقرة في البادية، والمرأة في المدينة ذات العقلية المثقفة المتفتحة والرجل الذي يسمح بأن تتفوق عليه المرأة، وان تصبح أكثر خبرة ومعرفة منه، ولأنها من حكى بنت المدينة (شهرزاد)، فهي تنتصر لأخلاق المدينة وتنتصر على شهريار الحاكم الباطش المستبد من خلال حكايات، تجمع حكمة الأولين والآخرين وليست مصادفة أن بطلة الليالي امرأة تمثل عقلية المدينة، وان أول دراسة تكتب عنها قدمت من امرأة، فالمرأة القديمة تعود في عقلية امرأة جديدة، وهذه المرأة الجديدة هي التي تدرس الحكايات دراسة علمية أدبية".
وذكر الدكتور عصفور أن "الهجوم الذي يُشنّ الآن على الكتاب يعد عودة للتيار السلفي، الذي ظهر بعد نكسة 67 ونظرة البداوة التي غزت مصر، حيث انتشر هذا التيار السلفي الوهابي الصحراوي ليحارب كل إنتاج إبداعي ينسب إلى المدينة، وأعتقد أن الذين يحاربون ألف ليلة وليلة هم بقايا الفكر الصحراوي البدوي، الذي التفت إليه يوسف إدريس في روايته (النداهة)"، مؤكداً أن "المجتمع لا بد أن يتطور من فكر القرية إلى فكر المدينة، وان التطور الحضاري يحدث بالانتقال من عقلية الصحراء إلى عقلية المدينة، وإذا نظرنا إلى أي فيلسوف عربي نجده ابن مدينة مثل الفارابي أو ابن رشد وغيرهما".
وأضاف : "أن العقلية السلفية لم تتوقف وإنما تطل برأسها من حين لحين، كالحرباء لتهاجم عقلية المدينة ويجب أن نقف جميعاً في وجه السلفية الوهابية الصحراوية، التي تحاول نشر أفكارها".
وأكد الدكتور عصفور أن هذه الدعوة المرفوعة ضد الكتاب "لا قيمة لها من الناحية القانونية، لأن هناك حكماً قضائياً صادراً بتداول وبيع الكتاب".
من ناحية أخرى، حذّر كتّاب مصريون في مؤتمر أدبي باتحاد الكتاب بالقاهرة من آثار ما وصفوه بـ (ثقافة النفط)، التي يرون أنها تعادي الخيال ولا ترى في الإبداع الأدبي إلا جانبه الحسي.
وقال أستاذ علم الاجتماع محمد حافظ دياب في المؤتمر : "إن هذه الأزمة جزء من آثار بدونة الثقافة (المصرية) و(إشاعة) ثقافة النفط، التي يرى كثيرون أنها حصاد أكثر من 30 عاما منذ رحيل عدد كبير من المصريين بمختلف شرائحهم للعمل في دول الخليج، والعودة بقيم مخالفة لقيم التسامح التي اتسمت بها مصر".
وأضاف في بحثه (الجنس والتراث.. نموذج الليالي) أن "التحرز من التعامل مع قضية الجنس يمثل جانبا من المعرفة المقموعة في ثقافتنا العربية، إذ يتم تناول هذه المسألة بوجل وحذر يجعل الاقتراب منها أمرا شائكا وملغوما يحوطه الإقصاء".
ورصد دياب مؤلفات عربية "رأت في الجنس خبزا يوميا"، لعشرات من الكتّاب منهم الإمام جلال الدين السيوطي، مشددا على أن "أصحاب هذه الأعمال لم يكونوا من المهمشين المتمردين أو منحرفي الأخلاق بل من المشتغلين المرموقين بالفقه والقضاء" في مصر وتونس وغيرهما.
وقال إن كتاب (ألف ليلة وليلة) أثر شعبي ذو مكانة مرموقة في المكتبة العالمية، واهتم به الدارسون كما ترجم إلى معظم اللغات "وألهم الأدباء في الغرب والشرق وانفتحت له أبواب الفولكلور والانثروبولوجيا والتاريخ وعلم الاجتماع، ورحبت به الدراسات المقارنة في الجامعات وما زالت حكاياته تغري المشتغلين بالمسرح والسينما والموسيقى والإذاعة والتلفزيون، عن طريق استلهام حكاياته وإعادة صياغتها بما يلائم روح الزمان والمكان".
وشدد على أن (الليالي) تزدحم بمغامرات الروح والجسد، وتضج بأصوات الأمراء وصرخات المهمشين، وتسودها علاقات الاغتراب القائمة بين طبقات المجتمع، وأنه في ضوء هذه الأمور يمكن النظر إلى عالمها كاستمرار لعلاقات السيطرة والتحكم.
وتابع أن هذه العلاقات تحيل إلى واقع اجتماعي وسياسي لا يغفر فيه الرجال للحرائر بمقدار ما يتسامحون مع الجواري، إضافة إلى فكرة استلاب النساء والجواري والعبيد والفقراء.
وأوضح أن الدلالة الجنسية في علاقات السادة والعبيد متمثلة في الأميرة والعبد، تحيل إلى واقع اجتماعي وسياسي يصبح فيه البشر المهمشون مجرد أشياء، فجسد الأميرة في نظام سياسي فرض العبودية وجنى ثمارها يظل "حلما يؤرق طبقة العامة نتيجة إحساس أفرادها بالإحباط والخيبة... تلك حال من رفض المهانة، التي يتعرض لها أو هي شعور بالانتقام من طبقة السادة التي تستأثر بكل النساء، وحين تتحقق العلاقة بين العبد وسيدته تختفي المسافة بين العبودية والسيادة".
ووصف دياب البلاغ المقدم للنائب العام لمصادرة الكتاب بأنه "إشارة لانحطاط ثقافة التلقي، وفي ظروف ضعف شروط المقاومة المضادة أمام معسكر جاهلي يرتدي من الأقنعة الزائفة ما لا صلة له بدين حنيف ليس فيه ما يصطدم بهذا العمل، إنها القراءة المتربصة القائمة على الإدانة والتكفير".
وقال الكاتب قاسم مسعد عليوة في بحثه (ألف ليلة وليلة وآخر دعاوى الحسبة)، إن الحث على مصادرة الكتب "كما طالب المحتسبون (المحامون مقدمو البلاغ)، هو الوجه الآخر للتطرف الذي تعاني منه البلاد في الآونة الأخيرة، ولم تكن تعاني منه بدليل أن هذه الكتاب طبع في مصر عام 1862، توالت طبعاته وهو من تحقيق الشيخ محمد قطة العدوي الذي تخرج في الأزهر".
وحث على نشر ببليوجرافيا تحليلية بالكتب والدراسات التي تناولت (ألف ليلة وليلة)، بمختلف اللغات لفهم عالمية هذا الكتاب.
يشار إلى أن كتابا مصريين نددوا بالدعوة التي أطلقها مجموعة من المحامين الإسلاميين لحظر كتاب "ألف ليلة وليلة" باعتبار انه "إباحي". وجاء ذلك بعد قيام هيئة قصور الثقافة بإعادة طبع الكتاب والذي نفذ من الأسواق.
وكانت جماعة "محامون بلا قيود" قد تقدمت ببلاغ للنائب العام يطالب بمصادرة "الف ليلة وليلة"، ورأى المحامون الإسلاميون أن الكتاب يحوي "كما هائلا من العبارات الجنسية الصريحة المتدنية والقميئة والداعية إلى الفجور والفسق وإشاعة الفاحشة وازدراء الأديان والعديد من الجرائم المعاقب عليها طبقا لنصوص قانون العقوبات"، وتضمنت الدعوى أرقام الصفحات والفصول التي تضم مثل هذه العبارات الجنسية.
ونسب تليفزيون (العربية) لأيمن عبد الحكيم من جماعة "محامون بلا قيود" القول : "انه صدم لكم العبارات الخادشة".
ومن جانبه، قال المتحدث باسم اتحاد الكتاب أن هؤلاء المحامين "يتصرفون كطالبان".
وأضاف محمد سلماوي في تصريحات لوكالة فرانس برس "أن هؤلاء الذين يدمرون تراثنا يسيرون على نفس خطى طالبان عندما دمروا تماثيل بوذا".
كما قال رئيس هيئة قصور الثقافة احمد مجاهد "ان المصريين شعب قارئ ولن يتأثر بهؤلاء الذين يريدون قمع الحرية".
|