لحج نيوز/كتب - أحمد محمود -
لا تزال مدينة رفح المصرية التي تحتضن الأنفاق الأتية من الجانب الفلسطيني تشهد تغيرات علي الصعيد الثقافي والمادي والاخلاقي تغيرات لم يسبق لها مثيل ، ولا يزال الحديث عن تلك المدينة السيناوية أشبة بحكاوي الف ليلة وليلة ، لأنه بالفعل يحتاج إلي ألف ليلة لننقل الصورة التي أختلفت 180 درجة عن تلك المدينة الحدودية التي تعج بالأنفاق لدرجة أن أهلها يسمونها جزيرة عائمة فوق الأنفاق ،والحديث عن الأنفاق في تلك المدينة أصبح شئ بارزا وعلامة تميز رفح عن غيرها من مدن ال شمال نظرا لقربها وتلاصقها بجارتها غزة إن الأفراط في حفر الأنفاق وغياب الرقابة الحكومية علي البضائع المدخلة ،ساعد المتربحون والاهثون خلف الثروة ،لفعل أي شئ من اجل الحصول علي المال ،حيث أن العمل في الأنفاق يدر علي صاحبة وعلي العمال وخلافه أموالا لا يجدونها في اي وظيفة او اي مهنة من المهن الأخري ،وبالرغم من ان الحكومة المصرية تعتبر العمل في الأنفاق جريمة يعاقب عليها القانون ، إلا أن العمال واصحاب الأنفاق لا يجدون في ذلك غضاضة ويباشرون أعمالهم في الخفاء رغم معرفتهم بخطورة العمل في تلك الأنفاق بل ويزيد علي ذلك ان التكتل العائلي والعشائري في المنطقة يقوي من شكيمة الأفراد علي الحكومة بل وأبتزاز افراد الأمن ، ويكثر في الأونة الاخيرة الخلافات القبلية بين افراد العائلات المختلفة في مدينة رفح حيث أن العمل في الأنفاق شعب كثير من الأمور واتسعت العلاقات في التجارة والتربح ولتتسع من ورائها الخلافات الناتجة عن عدم الاتفاق في الحسابات وغيره ، حكي لنا بعض أهالي المدينة أن وضع المدينة قبل الأنفاق كان أكثر أمنا واستقرار بعد قدومها ، ولم تكن الأنفاق باب خير للمدينة بل باب جحيم غير فيه شكل المدينة الهادئ ونمطها التقليدي حيث أن أصحاب الحرف والمهن تركوا صنعتهم ، والمزارعون لم تزرع أراضيهم بعد ان عرف الناس الأنفاق ومرابحهاالأنفاق لم تدع أحداً الا خاطبت عقله للعمل فيها واستدرجت الجميع ، حتي ان الأطفال لم تسلم من استدراج الانفاق لهم وفي احصائية علي أحدي المواقع بلغ عدد الاطفال العاملين في ألانفاق نسبة 40% من عدد العمال ، وفي مقابلة مع أحد الأطفال العاملين في النفق صرح لنا أنه يفضل جو العمل في الأنفاق عن المدرسة حيث أنه يجد ما يسد به حاجة اهله بعد موت والده وان يوميه العامل في سنه تفوق 200 جنيه مصري ، وبالرغم من احد الأطفال العاملين هناك حدثنا عن موت أحد اصدقائه من الجانب الاخر امام عينه في انهيار نفق بعد نجاته الا انه لا يزال يري ان العمل في النفق ليس عيباً وانه لا يوجد شئ يمكن ان يمنعه عن خياره لم تجد الحكومة المصرية حتي الأن ، طريقة تمنع بها الأنفاق بشكل جذري حيث أن الانفاق في أزدياد والعمل فيها يجري علي قدم وساق ،وبالرغم من الحملات اليومية والمستمرة ومداهمة المخازن واماكن الانفاق وتواجدها الا أنه لا سبيل من الحد من العمل فيها ، حدثنا أحد اهالي المدينة أن العمل في الأنفاق يجري مجري الدم في الوريد بين أوساط سكان مدينة رفح بل الشمال السيناوي بأكمله ، بل يمتد إلي قلب القاهرة ليثير شهوة التجار والحالمين في جني الثروات من خلال التجارة مع غزة
وفي حديث مع احد افراد الأمن أعرب عن استيائه الشديد لتواجدهم في المدينة وعن مدي معاناتهم حيث التشديد عليهم في الخدمة ومعاملة أهالي المنطقة بطرق غير لائقة وعدم توافر الخدمات في تلك المنطقة النائية الصحراوية الطقس ، وعلي الجانب الاخر تحدث الينا أحد السادة البارزين في مدينة رفح من شيوخ القبائل ، أن الأنفاق بكل تبريراتها وبكل الزخم النفعي الذي يتشدق به الكثير ، إلا أنها وبال علينا وعلي شعبنا وعلي الشعب الفلسطيني ولم تقدم للمواطن العادي والقضية سوي مزيدا ً من الخسارة ومزيداً من الحقد الطبقي والعشائري بين أفراد المجتمع بل وافراد الاسرة الواحدة
جنون المادة واللهث وراء تكوين الثروات صارت هي العملة الرائجة في تلك المدينة الهادئة التي خلعت ثوبها المنمق وأرتدت ثوباً لم يجد الشيخ فارس القمبز له مماثل حيث قال لنا ، أنني لا اجد في قواميس ذاكرتي وصف للثوب الجديد الذي اتشحت به مدينتنا غاب دور (المختار) وشيخ العشيرة ، وغاب دور الكبار ولم يعد لهم مكان في مقابل لغة القوة والمال وأعرب لنا عن أن كل ما كان يختص رفح المصرية ويميزها عن غيرها ألقي في أكياس البضائع التي تدخل الأنفاق وضاع في عتمتها
ويكمل حتي أن الأفراح التي كانت تميز مدينتنا اخذت طابع دخيل علينا وكذلك المأتم زاد فيها البهرجة والذبائح والولائم التي نهي عنها ديننا الحنيف ،وبفعل المال وكثرته صار الأمر سهلا ونسينا الكثير من الموروثات التي كنا نتحصن خلفها اهمها دور شيخ القبيلة الذي اختفي تماما ولم يعد له دوراً يذكر،وفي مقاطعة لأحد الجالسين شبه قطاع غزة بفم الوحش الذي لا يشبع وهو ما جعل نسبة كبيرة من سكان رفح المصرية يعملون في الانفاق ويجدون في ذلك سعيا للرزق وتحسين من اوضاعهم المادية ، واعرب عن قلقة عن مسار القضية الفلسطينية وما أحدثته الأنفاق من التخلي عن الكثير من الحقوق الواجبة
أخيراً يعتقد الكثير من الناس أن تلك الأنفاق بوضعها الراهن لا يمكن أن تقيم دولة للفلسطينين أو انها ستحرر المسجد الاقصي ، ولكن مزيدا من التراجع ومزيدا من البعد عن الهدف وتحييدا عن المسار الصحيح الا يستفيق المسئولون ويتفق المتناحرون ويفتح المعبر لتعود لغزة عنفوانها وللمدينة الهادئة المصرية هدوئها الا يكفينا ما أصابنا من لغط سياسي لا يرحم يتذوق الجميع مرارته |