بقلم/ بسمة عبد الفتاح -
أتذكر أنني قرأت رواية غادة الكاميليا للكاتب الفرنسي إلكسندر دوماس، بعد إتمامي الثانوية العامة ، وما زلت أتذكر كم بكيت أثناء وبعد قراءة الرواية، وما زلت أشعر بحسرة وحزن ليس على بطلة إلكسندر دوماس في الرواية الفرنسية ، ولكن لأن قصة الرواية تتكرر في واقعنا المسلم الذي يحاكي رسالة هذه الرواية إن جاز التعبير . مع اختلاف الموضوع طبعاً .
بطلة الرواية كانت ( باغية ) بالاصطلاح العربي، وكانت جميلة جداً على حد وصف الكاتب ، ولكنها في إحدى اللحظات أرادت أن تنتشل نفسها من الوحل الاجتماعي الذي كانت تعيش فيه عندما أحبها أحد النبلاء ، وأراد أن يتزوجها ، وأحبت أن تعيش معه كامرأة صالحة ، ولكنها وجدت أن المجتمع يرفضها ولو كانت صالحة ، لأن سمعة والد هذا النبيل ستتمرغ في التراب إن ارتبطت هي بولده ،ولأنها أحبت بصدق رضخت بطلة الرواية «مرغريت» لطلب والد النبيل حتى لا يفقد الشخص الذي أحبته أهله ومحبيه بسبب اقترانه بها ،وهكذا عادت لمستنقع المجون الذي كانت تعيشه ،كما عاد الشخص الذي أحبته للعالم نفسه ، كرد فعل لرفضها الاقتران به بعد وعدها لأبيه بالابتعاد عن ولده ،حتى لا تشكل هذه العلاقة تهديداً لسمعة الأب .
هذه الرواية- مع فارق الموضوع – تذكرني كثيراً بما يحدث في واقعنا المسلم عندما يترك الإنسان عمل السوء ، ويهديه الله إلى تغيير حياته إلى الأفضل ، فيكون إنساناً مستقيماً ، يذكرني كيف أن الناس يحبون نبش ذاكرة الماضي كلما رآوه ، وكأن البشر يجب أن يكونوا ملائكة ، ولا أدري ما فائدة ترديدهم لقول الرسول عليه الصلاة والسلام “التوبة تجب ما قبلها” وقوله : “التائب من الذنب كمن لا ذنب له” إن لم يعملوا بهذه الأقوال .
الحقيقة التي نعرفها جميعاً أن ديننا الإسلامي دين تسامح ، وكلنا نردد هذا الكلام على الورق ، وفي المنابر والمحاضرات والحصص الدراسية ، ومجالس القات ، ....إلخ ، لكن عند التطبيق ، تتبخر كلماتنا ، ويظل سلوكنا هو السائد ، سلوكنا الذي يبتعد كل البعد عن روح الإسلام وتعاليمه . سأضرب لكم مثالاً سمعته في واقعنا القريب:
كانت إحدى النساء تلقي محاضرة ، وإذا بامرأة أخرى تمتعض وتزم شفتيها قائلة بلهجتنا الدارجة “ قد عملت بالسبع وذمته ، والآن جايه تحاضر” بمعنى أنها غير مقتنعة بامرأة أخطأت ثم تابت ، لكن عندما تشاهد غانية أو راقصة وضعت الحجاب على رأسها ، وطبّلت لها الصحف والمجلات ، تظل تحمد الله الذي هداها ، وتمدح حجابها ، وتصر على أن المكياج الذي تضعه المغنية على وجهها باهتاً ، ولا يؤثر على حجابها ،حتى لو كان فاقعاً ، ويراه الأعمى .
وهذا يعني أن مجتمعنا للأسف أغلبه عاطفي يقتنع بسرعة بالدعاية ، ويرفض الواقع ، تماماً مثل الحكايا والشائعات الاجتماعية التي تشوه سمعة الناس ، فإذا رأيناهم وعرفناهم بقلوب صادقة يظل الماضي هو المسيطر على أفكارنا سواء كان حقيقة أم شائعة .
باختصار:في الأغلب نحن البشر لا نغفر لبعضنا ، ونلتقط لبعضنا كل ما يشعل الكراهية ، والحقد في النفوس ، ونرى الشوك في الورد ونعجز أن نرى الندى فوقها إكليلاً .