“ حاولت ان اشرح لك كثيراً ماذا يعني ان أكون “مهمشا” في هذه البلاد ، قلت لك ودموعي منهمرة “ انا فدى ابوك تخيل نفسك مكاني” !
تخيل انك ماشي في الشارع ودهستك سيارة فصرخت وانت تنزف من شدة الألم ، وبدلا من ان يسعفك الذي دهسك إذا به يصدمك مرة اخرى ليقضي عليك وكأنه ينتقم منك لأنك صرخت وهتفت :«آه» ولسان حاله يقول لك “مت وانت ساكت”.
قلت لك وأنا أموت من الجوع وافترش كرتونا في زاوية مظلمة لم تطاها ايادي ناهبي الاراضي بالحديدة ، تخيل انك فقير أنقع ، لم تأكل شيئا منذ ايام ، ونفسك عزيزة ما تشتي تمد يدك لاحد ، تتأمل حالك وتدمع عينيك وتبكي على نفسك تنام على عظام بطنك وتصحو عليها ، ولاتجد فتات خبز ، ولاتجد حتى برميل للقمامة فيه شيء يؤكل ، ويمر الوقت وجوعك يتزايد وشيئا فشيئا يتساقط جسمك وتضيق رئتيك وتتقطع انفاسك ، ثم تموت جوعا.
قلت لك وانا أتخيل مسبحك الخاص الذي تشغله بالريموت كنترول تخيل انك تعيش في محوى تنتشر فيه الاوبئة وتغزوه الحميات معزول عن الخارطة الحكومية بلا ماء ولاصرف صحي ولا كهرباء ولاحتى حبة بارامول.
تخيل انك تكنس الشارع ودون ان تشعر يتطاير الغبار باتجاه المسؤول الفلاني اثناء مروره مع مرافقيه فصرخ غاضبا كمن لدغته أفعى وامر مرافقيه بضربك وتأديبك.
قلت لك والمرض يعصف بي تخيل انك أحد افراد الجيش البرتقالي تحمل مكنسة بدلا من البندقية وتعلم الناس النظافة بدلا من الطاخ طيخ والبم دبم ، وفي شدة مرضك تتفاجأ بأنك ممنوع من الاجازات وان المشرف سيفصلك وحقوقك المادية مع الريح ، تنهض من فراش مرضك وتجمع احزانك وتتحدى ألمك وتتأبط المكنسة بذراعيك وتجوب الشوارع وأنت تئن وتتأوه ثم تسقط مغشيا عليك فلاتجد يدا تمتد اليك أو كائنا يوقف سيارته ليسعفك ولا تسمع حتى صوت يسألك ما لك يا أخي؟!
قلت لك وانا أتامل قصرك العالي تخيل انك مولود في مدينة من الصفيح يغطيها الذباب والنامس وتسكن في صندقة من العلب الفارغة مساحتها بضعة امتار تتقاسمها مع كومة اطفالك وبين الحين والآخر تستقبل فيها الملاريا والبلهارسيا وحمى الضنك.
أشتي عيالي يأكلوا مثل عيالكم و يلعبوا معاهم في حديقة واحدة ويسيروا يدرسوا سوى في المدرسة وينجحوا سوى ويدخلوا الجامعة سوى ونسير نحضر حفل التخرج حقهم سوى.
اشتي عيالي يشربوا ماء نظيف ويسكنوا حي راقي ومخطط فيه شبكة ماء وصرف صحي وكهرباء وبقالة فيها شمع.
اشتي بيت على شارع رئيسي الطابق الاول اعمره حجر سوداء وأجره دكاكين و الثاني حجر بيضاء اسكن فيه والثالث بلك احمر ازوّج فيه العيال والرابع اسوّيه “مجلس” والخامس “طيرمانة”.
شفت اني اشبهك في كل شيء ، وهذه حقيقة تحاول دائما ان تقتلعها من جذور ذهنك لأنك اناني ومغرور ولان ابليس زيد عليك وخلاك تفكر بنفس طريقة تفكيره وهي أنه مخلوق من عجينة ثانية ، الحقيقة تقول ان اباك وابي واحد هو آدم وأمي وامك واحدة هي حواء ، واننا محكومون بشرع الخالق الذي ينص على اننا سواسية مثل اسنان المشط واكرمنا عنده “اتقانا”.
تنادونني يا خادم وانتم عارفين ان خادم القوم سيدهم وان عنترة كان اشجع واحد في قبيلة بني عبس وان بلال رضي الله عنه كان مؤذن الرسول واحد المبشرين بالجنة.
يعني مش شايفين اوباما يقود النظام العالمي الجديد.
ولو تجوا لكلام الصدق كلكم في هذه البلاد خدم ، تدفعون ثمن الكبر والنفخة الكذابة ، كنا نحن المهمشين آلاف معدودة نسكن في محاوي وكنتم حينها تذبحون الخرفان وتسكنون البيوت الفارهة وتعاملوننا بثقافة السادة والعبيد حتى قلبها الله عليكم وحصلتم على كرت احمر بعد حرب الخليج وخرج اكثر من مليون ونصف مغترب منكم وسكنوا في محاوي مثلهم مثلنا يعني لاتعايرني ولا اعايرك كلنا في اليمن خدم.
ان وجد منا من يشحت للحصول على ريالات في جولات الشوارع والممرات فأنتم تفعلون ضعف ما نفعل للحصول على ملايين الدولارات في جولات الدول المانحة والمنظمات الدولية.
وبعدين حيركم علينا كل واحد عامل نفسه ذئب بالشهدة وثعل بالوادي داخل البلاد تزأرون في وجوه الضعفاء والمهمشين كالأسود وعندما تخرجوا خارج البلاد يدب الضعف فيكم ويعاملونكم كالمهمشين.
يكفيني فخرا وشرفا ان ضميري انظف من البردة وقلبي انظف من الثلج ، واننا نحن المهمشين نمثل خمسة وتسعين بالمائة من اساتذة النظافة في اليمن ونحن ننظف البلد ونعكس نظافة قلوبنا وضمائرنا ، ولكن من ينظف تلك القلوب المتكدسة بزبالة الفساد اولئك الذين نظفوا الخزينة العامة بمكانس كروشهم“.
صحيفة حديث المدينة ـ