لحج نيوز/بقلم:أمل زاهد -
ضع في بطنك (بطيخة صيفي) وتناول فطورك وأنت قرير العين مرتاح البال، وما عليك إلا أن (تخشخش) جيبك للعاملين في المسجد ليتأكدوا من أنه عامرٌ بالفلوس، ثم بإمكانك أن تحجز مكانا خلف الإمام مباشرة، وعلى قد فلوسك ستتربع وتحتل المكان الذي يتشوف له كل المصلين في المسجد! نعم يا سادة يا كرام هذا ما يقوله الخبر المنشور بصحيفة المدينة الأسبوع الماضي؛ فهناك من يلجئون لحجز الصفوف الأمامية في المساجد مقابل أجر مالي ليصلوا التراويح خلف الإمام مباشرة، وتتم هذه العملية عن طريق عمال في المساجد يقومون بحجز الصفوف مقابل الأجر!
ويبدو - والله أعلم- أن كلا حسب فلوسه؛ فمن يقدم مبلغا أقل سيكون مكانه أبعد قليلا عن الإمام؛ وقرب المكان من الإمام يتناسب مع المبلغ المنقود؛ والصفوف الأمامية محجوزة للأكابر وعلية القوم القادرين على الدفع، أما الغلابة والمساكين فمكانهم الصفوف الخلفية، وعليه لن يشفع لهم الحرص على القدوم للمسجد مبكرا، وليس لهم إلا التراجع للوراء! أما أنت يا صاحب الجيب العامر والمحفظة المكتنزة، فلا تحرص على التبكير في القدوم للمسجد، ولا الإسراع في الخروج من البيت قبل صلاة العشاء، فستنال مزية الصف الأول حصريا دون بذل جهد أو مكابدة عناء؛ وإكراما لفلوسك المكان محجوز والموضع محفوظ وكأنك اشتريته!
المؤسف أن تطوع الصلاة لمنطق الاستهلاك والمتاجرة والعرض والطلب، دون أن يرف للمستأجر أو للمؤجر ضمير أو يوخزهما وازع ديني أو أخلاقي ! والمستأجر يمارس صلاحيات وميزات يظن أن من حقه امتلاكها بالمال ؛ مستثمرا وموظفا حاجة العامل وفقره أو جهله أو طمعه! وهكذا يمارس الفساد والرشوة والمحسوبية في بيوت الله وفي شهر رمضان المبارك ومن خلال أداء صلاة القيام! فتلبس الأمور أضدادها وتخالف مضامينها وتناقض معانيها، وتُقلب منظومة الأخلاق عاليها سافلها، وتجرد الصلاة من أهم قيمها ودروسها؛ وتستحل حرمة المكان وكأنه ملك للبائع أو للشاري وليس وقفا لله تعالى لا يملكه أحد سواه!
يأتي خبر صحيفة المدينة أيضا على ما حدث منذ عام في الحرم المكي حيث كانت تؤجر الصفوف بمبلغ 500 ريال، وهكذا أيضا يتم تكريس التمييز الطبقي، والمفاضلة بين الناس على أساس المال والجاه والثروة، وليس من منطلق التقوى! وذلك في عبادة الصلاة نفسها؛ التي تعزز قيمة المساواة بين البشر؛ غنيهم وفقيرهم، وعربيهم وأعجميهم، وأسودهم وأبيضهم. فكلهم سواسية بين يدي الله وفي حضرة عظمته، فتنحني الهامات وتطأطأ الرؤوس وتخضع الجباه للحي القيوم، وتتقزم الأنا وتتوارى خجلا أمام عظمة المشهد وقوة ما يرمز إليه من معان.
ختاما: أتساءل ما قيمة الصلاة إن كانت لا تنهى عن الفحشاء والمنكر ولا تقوم الأخلاق؟! وما قيمة أداء صلاة التراويح خلف الإمام مباشرة عندما تهدم قيم الصلاة وتقوض معانيها؟!