لحج نيوز/بقلم:جمال أحمد الظاهري -
تتسارع الاحداث بوتيرة عالية في منطقتنا العربية وعلى وجه الخصوص في منطقة شبه الجزيرة العربية التي تعتبر اليمن احد اهم الاضلاع التي ترسم حدودها، فمن الحرب «الاممية» على العراق إلى النكبة التي تبعتها، الى تعاظم الدور الايراني في المنطقة وتفاعلاته على مستوى المنطقة، مروراً بأحداث تموز «يونيو» اللبنانية -الاسرائيلية وتداعياتها، إلى تبادل الاتهامات العربية - العربية و التجاذبات العربية - الايرانية وما رافقها من نشاطات عابرة لحدود الدول كان آخرها ضلوع اجهزة استخبارات إحدى الدول في التجسس على الدول المجاورة، وصولاً إلى ما اثير حول تدخلات ايرانية في اليمن ودعم حوزاتها لمتمردي صعدة (الحوثيين)، ما جعل المنطقة مسرحاً كبيراً لاحداث وتفاعلات ونشاطات لا تتوقف .
ما أن يخبو وهج حدث ما حتى يطفو على السطح غيره في سلسلة تكاد تكون معدة سلفاً ومرسوماً مسارها بشكل محكم الحلقات متناوب ومتواتر الخطى.
صحيح ان نسبة من هذه الاحداث تبدو وكأنها أعمال ونشاطات إقليمية - عشوائية المكان والتوقيت، ذلك ما يبدو ظاهرياً إذا نظرنا الى هذه الاحداث بشكل منفرد.. لكن المتابع والمهتم بدراسة هذه الاحداث لا يستطيع التسليم بذلك ويخلص إلى وجوب قراءة هذه التطورات ضمن منظومة مجتمعة .
المتحري وغير المتحيز سيجد ان هناك قدراً كبيراً من التناغم والأهداف المشتركة التي تدور حولها التجاذبات والتباينات في المواقف والادوار وسعي عدد من اللاعبين لتحقيق أكبر قدر من النفوذ في هذه المنطقة أو تلك.
إن قراءة الاحداث وأهدافها وتمييز اللاعبين الاساسيين فيها سيؤكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن كل ما تمر به المنطقة من أحداث يمثل سلسلة مترابطة الحلقات.. يؤثر في سيرها اطراف معروفون للجميع، كل طرف منها يسعى الى إثبات تواجده ونفوذه على حساب الأطراف الآخرى .
امريكي واسرائيلي كأطراف، يهمهما ترسيخ وجودهما ونفوذهما على الساحة مع رفضهما وجود أي منازع على السيادة في هذه المنطقة الحيوية، والطرف الإيراني الذي يعتبر أن له الحق في رسم وتشكيل هوية المنطقة على اعتبار أنها تمثل الحديقة الخلفية له، وأن نجاحه (النظام الإيراني) في ذلك يكسبه قوة تفاوضية تمكنه من مقارعة القادمين من خلف البحار، متسلحاً بمقومات اقتصادية وتعاطف شعبي وأمتداد مذهبي في عدد من دول هذه المنطقة، مسنوداً بسخط ونقمة عدد من شعوب المنطقة والأمة الاسلامية التي ترى في التواجد الامريكي في المنطقة إسناداً وتقوية ومدداً للكيان الاسرائيلي المتمادي في عدوانه على شعوب المنطقة العربية .
هذه التطورات دفعت في الآونة الاخيرة ومهدت لدخول لاعبين جدد .. فمن غياب طويل وعدم اكتراث لما يدور على الساحة العربية إلى إنبعاث دور تركي فاعل وقوي ساعد على رواجه تخاذل الحكومات العربية عن نصرة قضايا المسلمين وبالاخص القضية الفلسطينية وتمادي الكيان الاسرائيلي في انتهاك الحرمات وتجويع قطاع غزة وتواطؤ الشقيق والصديق وسكوتهم عن قضية إنسانية قبل ان تكون سياسية.
هذا كله أعطى الحكومة التركية الفرصة والحق بالعودة وبقوة لتكون لاعباً قد يصبح مع الايام صاحب دور اساسي في رسم الأحداث والتطورات، متسلحاً بإرث تاريخي متمثل في الخلافة العثمانية التي كانت تسيطر على المنطقة، ما تعتبره (تدخلها) حقاً شرعياً سلب منها في الحرب العالمية الثانية.
في مقابل هذا كله نجد ان الانظمة العربية غارقة ولاهية في التعامل مع هوامش الأمور فصارت أقطارها حلبات للمتصارعين الذين يرون أن لهم الحق في وراثة في الارض والثروة والانسان ما دام ليس لها صاحب يستغلها ويدافع عنها.
إن قبول الانظمة العربية بدور المتفرج قد افقدها تعاطف شعوبها واحترامهم، ومع كل يوم تزداد الهوة بين الانظمة والشعوب ما ساعد على قبول البعض لوجود أطراف من خارج حدود هذه الدول بل ومناصرتهم كونهم يرون فيها أملاً قد يعيد إليهم ولو بعض كرامتهم التي سلبت من اخرين دون أن يجدوا من حكامهم نصرة أو مواساة في ما يقع عليهم من اعتداء وإذلال.
غياب دور الدولة الحامية والراعية لمصالح الشعب وتكالب الأزمات على الفرد والمجتمع وتوقف النماء والرقي بحياة المواطن، كان لابد ان ينتج عنه إفرازات وجماعات وقوى مناوئة لأنظمة هذه الدول رافضة لنهجها مستندة إلى عدم رضى طاغ لدى المجتمع عن الاوضاع التي تعيشها وتوق جارف إلى التخلص من الشعور بالانهزامية وعدم القدرة على الفعل.
ومن محاولة إحياء للمد القومي إلى استقدام المد الأممي إلى العودة عميقاً والتسلح بالمد الأصولي وحتى الاعتداد الفردي بالنفس الذي قد يرى فيه البعض - وإن كان مكلفاً - اشباعاً وانتصاراً للنفس في مواجهة الحياة المملة الساكنة التي لا تقوى على التقدم ولو نصف خطوة إلى الأمام، فظهر الفعل الانتحاري وإن لم يكن له نتيجة مرجوة، المهم انه يشبع ميل صاحبه.
كل هذه المشاعر تكبتها الشعوب وتنفس عنها عندما لا تلوح لها في الافق أي بادرة تتيح لها التعبير عنها.
وبالنتيجة كانت الجفوة والتباعد بين الحاكم ورعيته وظهور الجماعات والوجاهات والطموحات لدى عدد من الطامحين والطامعين في وراثة هذه الانظمة، معتدَّين بتعاطف ومساندة قطاعات واسعة من الشعب تمثل لهم الحاضن والقاعدة التي ينطلقون منها ويختفون في صفوفها.
لا شك ان الجانب التنموي كان وما يزال الحجر الأساس الذي يقرب أو يباعد بين الحاكم والمحكوم وازدهاره أو انحساره يمثل المقياس الحقيقي الذي يقيس به العامة قدرة وكفاءة الحاكم .. وأنه المرتكز الذي تستقوي أو تضعف به هيبة ودور الدولة ومحبة وبغض أي نظام.
كما أنه القوت الذي يغذي التطرف والنزوع إلى المواجهة وحمل السلاح والتمرد، وتدهور الجانب التنموي يمثل العمامة التي يعتمرها المتمرد أو المتطرف أو التواق إلى غد أفضل.
صحيح أن الاستقرار والانسجام قد يسودان بالوعود والمراوغة لفترة من الزمن إلا أنهما لا يعمران طويلاً، ومع الأيام تترسخ القناعات ويبدأ التململ والبحث عن البدائل أياً كانت وأياً كان مصدرها.. وكما يقول المثل «صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلا قضاءها».
كما أن فساد أي عنصر أو ركن من اركان أي نظام لا ينظر إليه بمنأى عن شمولية النظام .. فيعمم الفساد أو التقصير على الاصل كونه صاحب القرار والبعد عن القاعدة الشرعية التي تقول: «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة» .. فمحاسبة الفاسد ونيله للعقاب الذي يستحقه يجمع الشعب حول قادته ويقوي عرى الثقة ويعطي الدولة الحصانة ضد من يناصبها العداء ويجدد الأمل في تقدم ورقي المجتمع ويقطع الطريق على من يريد التخريب والعبث بحياة وممتلكات الناس.
وبما أننا لسنا بمنأى عن التطورات والتفاعلات الجارية في منطقة شبه الجزيرة العربية فمن غير المعقول أن لا تشملنا بعض محاولات الاستقطاب والتجنيد لهذا الفريق أو ذاك .
ولأن السياسة لا تعتمد العزلة والتقوقع، فلا بأس من التعامل مع مفرداتها والتحرك في إطار ما يتطلبه الواقع وما تقتضيه المصلحة الوطنية مع اليقظة والحذر مما قد يجلبه هذا التفاعل من رواسب على حياة الشعب .. فلا الانطواء والانكفاء على النفس مجد ولا الانسياق والهرولة مضمونة الربح .
الاتزان ووضع الاهداف الواضحة، وتحديد ما يمكن قبوله وما لا يمكن تقبله، هو مفتاح الحل لمشاكلنا.
وتحديد أولويات التنمية يعتبر الترجمة الحقيقية للاستقرار والسير بخطى ثابتةٍ وإن كانت بطيئة أسلم وأكثر ضماناً حين
[email protected]
جمال.JPG جمال.