لحج نيوز/بقلم: بهاء رحال -
الكل وافق وقبل ، وقد لاقت دعوة أمريكا الخاصة بالبدء في المفاوضات المباشرة الترحيب من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالإضافة الى الأطراف الدولية والعربية الذين هللوا لهذه الدعوة معتبرين ذلك إنجازاً كبيراً يتحقق ، وما أن عقدت وزيرة الخارجية الامريكية "كلينتون" مؤتمرها الصحفي الذي أعلنت فيه بدء المفاوضات في الثاني من أيلول القادم حتى توالت البيانات الصادرة من كلا الطرفين لقبول الدعوة الامريكية وما جاء فيها رغم التحفظات الكبيرة ورغم أنها أتت في شكلها المنحاز لحكومة نتنياهو التي نجحت مرة أخرى في فرض شروطها على الساحة الدولية وإستطاعت أن تنتصر على الصوت العربي والقرار العربي من المحيط الى الخليج الذي كان وقبل أيام قليلة يضع شروطاً ويطالب بالتزام إسرائيل بها وضرورة إلزامها بوقف الاستيطان ووقف عمليات التهويد بالقدس وتطبيق شروط عملية السلام وفق قرارات الشرعية الدولية والتوقف عن سياسات الاحتلال في فرض الأمر الواقع ، لكن هذا الموقف العربي لم يصمد كثيراً فسقط وتراجع وها هو اليوم يوافق بالعودة الى المفاوضات المباشرة دون أن تلبي إسرائيل أي من تلك المتطلبات لنجاح العملية السلمية ، فالقضايا التي توقفت لأجلها المفاوضات لم يتحقق منها شيء وما كان شرطاً للعودة للمفاوضات سواء فيما يتعلق بالقدس أو بالاستيطان أو بالقضايا الأخرى ها هو اليوم على حالة بل هو يتصاعد في وتيرته بشكل أخطر وأكبر فلماذا إذن توقفت المفاوضات منذ البداية أو ليس الأجدر أن نلتزم بمواقفنا أكثر ولا نبدل المواقف بين ليلة وضحاها ، أوليس الأجدر أن نتخذ مواقفاً مدروسة بشكل أكبر ومخطط لها مسبقاً بدلاً من ألمواقف المحرجة التي إنتصرت عليها السياسة الإسرائيلية وأخذت الجميع الى مفاوضات مباشرة دون أن توقف الإستيطان ومع إستمرار مسلسل تهويد القدس .
إستسلام ورضوخ وعودة الى المفاوضات ، دون وجود ضمانات دولية ودون مرجعية حقيقة ودون توقف الاستيطان وتهويد القدس ومصادرة الاراضي وبناء الجدار ودون الإعتراف بالقرارت الدولية ووسط الدعوات اليمينية المتطرفه لحكومة نتنياهو وإعترافها بأنها غير مستعده لتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والاتفاقيات الموقعه بين الجانبين ، ستنطلق المفاوضات المباشرة كما كانت في السابق دون جدوى ولن تحقق نتائج ملموسة كما تشير الكثير من التوقعات ، ولن تحقق أي من الأهداف سوى تلك التي تتعلق بتضليل الرأي العالمي من جديد خدمة لسياسة الأمر الواقع الذي تنتهجها حكومة نتنياهو بالإضافة الى أنها حققت شيئاً ليس غريباً وهو كسر الموقف العربي الذي توحد خلف إشتراطات ثم سرعان ما عدل عنها بشكل غريب لم يكن متوقعاً بهذه الطريقة التي سارت به وعملية التقزيم الذي وصلت اليه المواقف العربية .
نعرف أن بالسياسة متغيرات ولكن نعرف أيضاً أن بها ثوابت كما بها متغيرات ، والمواقف السياسية هي ثوابت وهي أحدى أدوات النجاح للوصول الى الأهداف الموضوعة بعناية ودقة فالسياسة بلا ثوابت تكون إنهزام وتقزم وتكون رضوخ ولا تحقق إلا التراجع المستمر وهذا ما حدث بالفعل مع القرار العربي الأخير الذي اتخذه العرب وهم مجتمعين بقبولهم العودة الى المفاوضات وقد أسقطوا شروطهم وثوابتهم بشكل سريع ومفاجئ ودون مبرر سوى انه الرضوخ للشروط الامريكية المنحازة الى حكومة نتنياهو التي إنتصرت في إقناع البيت الأبيض على ضرورة ألعودة الى المفاوضات المباشرة للإستفادة من الوقت الذي تريده إسرائيل لخدمة أهدافها ومخططاتها الاستيطانية والاحتلالية .
إذا كانت العودة للمفاوضات أمر محتوم ولا بديل عنه ، فلماذا إذن منذ البداية نرفض التفاوض ونضع شروط لا تطبق ثم نعود الى طاولة التفاوض من جديد بلا إشتراطات وبلا ضمانات ونقبل الدعوة الأمريكية على حالها ونحن نعرف مسبقاً نوايا هذه الحكومة اليمينية ونعرف أنها تريد هذه المفاوضات فقط كغطاء لسياساتها الاحتلالية ولا تريد أن تقدم أي استحقاقات عملية على الأرض لنجاح عملية السلام لأنها حكومة حرب لا حكومة سلام .