حج نيوز/بقلم:أمل زاهد -
ما خفي كان أعظم مما عرضه تقرير "الوطن" يوم الجمعة الماضي من حالات مؤلمة لتحرش السائقين بالنساء، ولا يزال الكثير والكثير من القصص البشعة حبيسة صدور ضحيات التحرش ـ سواء من السائقين أم من غيرهم ـ ليس فقط خوفا من العار والشنار، ولكن تهيبا من تحميل الضحية وزر التحرش، مما يساهم في استشراء التحرش الجنسي بالنساء واستفحاله في ظل غياب القوانين والعقوبات الرادعة! ولن أخوض هنا في جدلية قيادة المرأة للسيارة وسد الذرائع على المتحرشين بها من السائقين، فقد أشبعت كرا وفرا ولن تحسم إلا بقرار حكومي، نسأل الله تعالى أن يعجل به. وأن يمن علينا أيضا بوسائل مواصلات عامة تخفف من الحاجة للسائقين، وتساهم في حل مشاكل التكدس المروري خاصة في المدن الكبرى.
الخطير أن المرأة هي المذنبة الأولى في عرف المجتمع في قضايا التحرش، لتُرفع الذنوب والخطايا عن كاهل المتحرشين، ويُرمى بالأحمال الثقال على كتفي المرأة "الفتنة"! وعليه ليس على الرجل غض بصره ولا ضبط غرائزه، ولا جهاد نفسه وتقويمها، فالآلية التبريرية "الذكورية" تمنحه صكوك الأعذار ـ على بياض ـ ليضع فيها ما يشاء من أسباب قادته للتحرش بالمرأة! وشيطان الأنوثة اللعين هو المسؤول دوما عن تهتك القيم والأخلاق.. فذلك الكائن المتشح بالسواد يصوب سهامه إلى قلاع مقاومة الحملان الوديعة من (الرجال) فيدكها دكا، وإلى أقنعة براءتهم وطهرانيتهم فيمزقها! والمرأة هي المحرض الرئيس على ارتكاب المعاصي، وإغواء أعتى الرجال وإخراجهم عن صوابهم وتنكبهم عن الطريق السوي! فلعلها كانت متبرجة تضع العباءة على الكتفين وتفوح منها روائح العطور، أو متمايلة متغنجة تخضع بالقول، أو لربما لثامها أو نقابها الكاشف عن سحر العينين فعل الأفاعيل بالمتحرش الغلبان، وصولا إلى تلبسها بجريمة كشف الوجه وإلا لما تجرأ عليها متجاوز! بينما يتم تصوير الرجل دائما بصورة الضحية المغلوب على أمره، والذي تحكمه غرائزه فلا يستطيع لفتنة المرأة صدا أو ردا! ولو افترضنا أن المرأة المتحرش بها متسربلة بالسواد من رأسها لأخمص قدميها، فلن تُعدم أسبابا تضع الوزر على أم رأسها، فمن دق الباب لا بد أن يأتيه الجواب، والذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية.. والثقافة قادرة دوما على استيلاد التبريرات؛ فلا بد أنها خرجت دون محرم يذود عنها، وبذلك نالها ما تستحق!
والأخطر أن هذا الموقف المدين للمرأة هو السبب الرئيس في تجرؤ المتحرش وتماديه، وهو أيضا سبب صمتها وتكتمها في حال تعرضها لجريمة التحرش، فنظرات الريبة والشك من أقرب الناس إليها تفقدها الثقة في نفسها وتجعلها تبتلع معاناتها. بل قد تتهم بأنها من بادرت بمغازلة الرجل، والمتحرش يدرس نفسية الضحية ويعرف تماما نقاط ضعفها، وكيفية استغلال هذا الضعف حتى يصل لابتزازها. سن قانون وعقوبة رادعة للتحرش بات اليوم ضرورة ملحة، ولكن علينا قبله أن نفكك النظرة المجتمعية المدينة للضحية، فكيف تجرؤ امرأة على رفع شكوى تحرش في ظل ثقافة تجرمها وتدينها حتى قبل أن تسمع أقوالها؟!
|