لحج نيوز/بقلم:عبدالرحمن بجَّاش -
أنا اشتي أتعامل مع رجال. مدرِّس في جامعة «...» - هذا نظام جامعي. مدرِّس نائب عميد في جامعة «...» - أُنجِّح مَنْ أُريد وأُرسِّب مَنْ أُريد. مدرِّس في جامعة «...» - تأديباً لك أعطيتك درجة صفر، كيف تتصل بي إلى البيت في الليل؟ مدرِّس في جامعة «...» - هذه الملزمة، ونحن في أول السنة، أي واحد فيكم يزيّد حرفاً، ينقِّص حرفاً، يعتبر نفسه راسباً من الآن. مدرِّس في جامعة «...». الأول يحضر طلابه إلى القاعة فيصرّ على أن يسجِّلهم غياباً لأنه «يشتي رجال»، الثاني ذهبت بنفسي إليه قلت له هكذا : أنا لا أحب - وهذا مبدأ - التوسّط لأيٍّ من أولادي، وعلى كُلٍّ منهم أن يبذل الجهد، وهو مسؤول عن النتيجة التي يحققها، لكن هذا كان مريضاً يوم اختبار مادة «...»، وقبل أن أطلب تدخلك ما رأيك فيه طوال العام؟ قال : مستوى أعماله طوال السنة جيد، قلت : إِذَاً، فقد نقص في تلك المادة ثلاث درجات، هل بالإمكان إعفاؤه طالما ومستواه جيد، انتفض قائلاً : لا، قلت : لماذا؟ قال : نظام جامعي، قلت : طيب، اعرض الأمر على مجلس الأمناء أو المجلس الأعلى أو... أو...، ومن أجل الطلاب جميعاً، ففقد لغة الكلام وظل كالآلة يردد : نظام جامعي، وأنا معه تحوَّلت إلى آلة أخرى أردد : مش قرآن مُنزل، مش قُرآن مُنزل، وخرجت، وأصدرت فرماناً لابني : ذاكر وأثبت أنك قادر، وأعدها، لأن نائب العميد ما أنزل اللَّه به من سلطان، فذاكر وفي دور أكتوبر دخل الاختبار ونجح. الثالث مدرِّس مشهور، ويكتشف خرّيجون من كليته بعد سنين وقد شغلوا وظائف كبيرة وفكَّروا في الدراسة العليا، أنهم راسبون في مادته، لأنه يقسم كل عام : «لن ينجح أحد وعلى جثّتي». والرابع يأتي إليه الطالب «س» فيخبره أن البحث الذي كلّفه بإنجازه قد أنجز، فيطلب إليه أن يتصل به ليلاً، فيفعل، فيطلب منه أن يأتيه صباحاً إلى المكتب، فيفعل، فيفاجئه : «أعطيتك صفراً تأديباً لك حتى لا تكرر تصرفك غير المؤدَّب وتتصل بي ليلاً». والخامس، واللَّه العظيم لقد كنت حاضراً تلك اللحظة، وقد قررت ذت صباح أن أدخل إلى قسم «...» في جامعة «...»، طالما ولدي فراغ - كان ذلك قبل سنوات - فاجأني ذلك المدرِّس الذي لا أزال أحترمه كشخص بما قاله، فخرجت من القاعة، ولأنه ظن أنني طالب، فقد علَّق على خروجي : «في ستّين داهية». وما بقي سمعته من أفواه طلاب جامعيين يشتكون دائماً من أن لا لغة بينهم وبين مدرّسيهم، والعلاقة في معظمها - حتى لا نظلم كل المدرِّسين - قائمة على الشخط والنخط، اللذين كانا، وإلى حد كبير لا يزالان سائدين في المدارس. وبالأمس الأول - واللَّه حدث هذا - جلست إلى صديق، هو مدرِّس جامعي، فأتى بابنه، فشكا لي بمرارة أنه من بداية العام إلى اللحظة لم يدخل سوى محاضرتين، برغم أنه يدفع رسوم «الموازي»، وشكا : «المدرِّسون لا يتفاهمون معنا». وانظر في العالم المتقدم تجد المدرِّس صديقاً للطالب، لا يمس ذلك كرامته، لكن يبدو أن القمع الذي عانيناه من علاقتنا بمدرسينا في الابتدائية وما بعدها يفور فجأة في أعماقنا ونواجه به طلابنا، أجزم أن هناك مدرِّسين جيدين وعلاقتهم بطلبتهم علاقة صداقة، استطاعوا أن يتخلصوا من آثار قمع مدرّسيهم، فأسسوا ورسّخوا لغة للتفاهم حتى يعوضوا طلبتهم ما لم يجدوه عند مدرّسيهم، وذلك هو الذي يؤدي بالنتيجة إلى خروج طلاب من الجامعة مُفكِّرين وليس مجرد ببّغاوات، ولي مَثَلٌ ونموذج في زميلة المدرسة الدكتورة رؤوفة حسن، التي طالما وقفت على علاقتها الرائعة مع طلبتها أصدقائها يوم أن كانت عميدة لكلية الإعلام، وهي صورة لا بد أن تتكرر في الكليات الأخرى، ويحولها كل المدرِّسين الجامعيين إلى سلوك جامعي يومي، لأن التنافر الذي يؤسسه للعلاقة الثنائية مدرِّسون يعانون من «عُقد» سيؤدي بالتعليم الجامعي إلى الهاوية، على أنه من الجيد الإشارة - أيضاً - إلى أن الطلبة ليسوا كلهم ملائكة، لكنهم يظلون طلبة، والواجب يملي على المدرِّس أن يروّضهم، وإلا لماذا سُمِّي مدرِّساً؟
[email protected]