لحج نيوز/بقلم: وليد شقير -
بموازاة التفاوض الإيراني مع المجتمع الدولي على الملف النووي، واقتراحات تخصيب اليورانيوم في روسيا وإعادة نقله الى مفاعلات إنتاج الطاقة في إيران، يجري نوع جديد من الحراك الداخلي في طهران، بعد الاحتجاجات الداخلية على تركيبة السلطة السياسية وممارساتها تحت غطاء ولاية الفقيه، والتي انطلقت بعد الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) الماضي.
وليس صدفة أن يتزامن سعي إيران الى التفاوض حول ملفها النووي الإيراني في جنيف أول الشهر ثم في فيينا بالأمس، مع المخاض المعقد الذي يشهده الوضع الإيراني الداخلي، وأبرز مظاهره تقدم قيادات معتدلة من الجناح المحافظ الحاكم، بما سمي «مشروع المصالحة الوطنية» الى مرشد الثورة السيد علي خامنئي، لاستعادة حد أدنى من الوئام الداخلي مع التيار الإصلاحي، في ظل المعارك المتعددة التي تخوضها طهران، خارجياً وداخلياً والمخاطر المتفاوتة الأهمية التي تنجم عنها على دورها الإقليمي.
ولعل في هذا التزامن مفارقة تستدعي المراجعة العميقة للسياسات الإيرانية التي حكمت سلوك طهران على مدى العقدين الماضيين. فبين تنطّح الرئيس محمود أحمدي نجاد الى دعوة أميركا والمجتمع الدولي الى الاتفاق معه على «إدارة العالم»، وبين استعداد طهران للقبول بإشراف المجتمع الدولي ومعه أميركا، على إنتاج اليورانيوم المخصب، وتحكّم الخارج بإعادة نقله الى إيران، ثمة فارق كبير. «فالعالم»، في هذه الحال يشترك في إدارة شأن سيادي إيراني ارتبط إنجازه بما سمّي رفض الإيرانيين المسّ بشعورهم القومي المميز تجاه رفض الغرب امتلاكهم التكنولوجيا النووية.
وإذا كان نجاح طهران في خوض «حروب بديلة» مع الغرب، في محيطها ودول أخرى أكثر بعداً، أمّن لها القدرة على التدخل في معادلات إقليمية كثيرة، من أفغانستان، الى العراق وفلسطين ولبنان مروراً بدول الخليج واليمن، فضلاً عن اختراقاتها في سورية ومصر... وولّد لديها هذا الإحساس بالقدرة على مشاركة الدول الكبرى في إدارة العالم، فإن المفارقة الأخرى تكمن في أن ممارستها نفوذها في الإقليم كانت تتم تحت عنوان الدعوة الى «المصالحة الوطنية» ودعم «الإجماع الوطني». وأبرز الساحات التي تجلّت فيها هذه الدعوات الإيرانية هي: لبنان وفلسطين والعراق... ثم اليمن.
وتطرح هذه المفارقة السؤال عما إذا كانت إيران وقعت هي أيضاً في اللعبة التي مارستها على الدول الأخرى في عملية ممارستها نفوذها داخل هذه الدول، في ظل بروز الحاجة الى «المصالحة الوطنية» ودعوة قوى من صلب مجتمعها السياسي إليها، لمناسبة الانقسام السياسي الذي تعانيه منذ أشهر، والذي بدأ يأخذ منحى خطيراً مع بروز التطرف الإرهابي، والمذهبي كما حصل في تفجير سيستان بلوشستان. وهذا يحصل بعد أن كانت تستخف بقول أطراف في الأزمة اللبنانية لقادتها، رداً على تغطيتها ضلوعها في دعم أطراف داخلية ضد أخرى، بالدعوة الى المصالحة وتأمين الإجماع الوطني: لماذا لا تسعون في إيران الى تأمين الإجماع الوطني في بلادكم بين المذاهب وأصحاب الحقوق المحرومين منها، ومختلف القوى السياسية ولا تعطونها حرية التحرك مثلما هي الحال عندنا؟
قد يكون الدهاء والعراقة الفارسيان وراء البراغماتية الإيرانية في التفاوض مع الغرب، وفي ظهور قوى من النظام تدعو الى المصالحة الوطنية، إلا أن الصحيح أيضاً أن ثمة معادلات دولية وإقليمية جديدة باتت تدفع حكّام طهران الى التفكير بشيء من التواضع. فالخصومات التي راكمتها السياسات الإيرانية خلال السنوات الماضية الخارجية والأمنية، مع الدول المحيطة والدول البعيدة، ومع دول إسلامية مهمة وأخرى غربية، والتي باتت جزءاً من الخلافات الداخلية لأن الإصلاحيين يدعون الى مراجعتها، باتت تفرض على طهران أن تلملم أذرعها التي امتدت بعيداً وتوسعت وعبرت الكثير من الحدود الجغرافية والسياسية، فأنشأت لها عداوات لا تحصى. بل ان التهمة التي تسوقها طهران الى الولايات المتحدة الأميركية بأنها هي من أطلق العنان للصراع السنّي – الشيعي في المنطقة تطبيقاً لمخطط الفوضى الخلاقة، باتت موجهة من قوى تشارك إيران في اتهام أميركا بهذا المخطط، أصبحت تعتبر أن السياسات الإيرانية جعلت إيران شريكاً في هذا المخطط.
بعض التواضع الذي ينتظره كثر من إيران، بات مطلوباً من «حزب الله» في لبنان. ولهذا حديث آخر.
* نقلا عن "الحياة" اللندنية