لحج نيوز/بقلم: جودت مناع -
أخيرا أدركت لجنة المتابعة العربية أن لا جدوى من استئناف المفاوضات مع كيان الفصل العنصري بعد قرار إدارة الرئيس أوباما وقف محاولاتها الرامية لثني الكيان عن المضي في الاستيطان على الأراضي الفلسطينية.
قرار اللجنة لم يخرج عن إطاره النظري وتجاهل الإعلان عن خيارات مكتفيا عن وقف المفاوضات بالرغم من معرفتهم أن المفاوضات ماتت من زمان وإغفال اللجنة لحقيقة أن نصف برلمان الكيان يعتقدون أنهم لا يحتلون أرض شعب آخر وكان الأفضل دفن المفاوضات وليس إبقائها في غرفة الإنعاش.
ويبدو أن الخطوة الثانية للجنة المتابعة العربية هي العودة بملفات القضية الفلسطينية إلى أحد أهم المحافل الدولية وهو مجلس الأمن الدولي الذي ارتبط اسمه بقرارات عديدة سمعت بها أجيال وطنية فلسطينية متعاقبة دون أن تفلح في حل الصراع أو إلزام الكيان بإنهاء الاحتلال الصهيوني.
من وجهة نظري هناك ثلاثة رؤى لتسوية الصراع وقد تشابكت بين ثلاثة مؤثرات هي فلسطينية وفي مواجهتها الكيان وعربية وأخرى دولية.
الرؤية الأولى الفلسطينية هي أن الكيان أنشأ ما يمسى بـ "دولة إسرائيل" عام 1948 على أرضهم وتسبب ذلك بنكبة وتشتت ملايين الوطنيين الفلسطينيين في الوطن وخارج البلاد.
الرؤية الثانية وهي الدولية والتي تمثلت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 181 الذي منح الحركة الصهيونية 56% من أرض فلسطين التاريخية مقابل 44% للوطنيين الفلسطينيين والتزم الصمت إزاء تداعيات قراره ولم يعالج مأساة الفلسطينيين منذ ذلك الحين.
الرؤية الثالثة وهي العربية المتمثلة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 عندما كانت الضفة الغربية تابعة إداريا للأردن وقطاع غزة لمصر وقد اعتبرت الأراضي في نص القرار عربية ولم يشر لكلمة فلسطين البتة.
ماذا لو فكر الوطنيين الفلسطينيين بإجراء استفتاء حول أي من القرارات المذكورة مع علمي المسبق أن الكيان يرفض مسبقا مثل هذه الآلية بالنظر لموقفه المعلن عبر سياسته الرامية لقضم مزيد من الأراضي وبرغم إعلانه الصريح بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية ولكن أين؟
أعتقد أن قرار 242 لا يتلاءم مطلقا مع الحل الفلسطيني لأنه لم يبقى سوى أقل من 20% من الأراضي وقد حشر الوطنيين الفلسطينيين داخل "كنتونات" مماثلة لتلك التي كانت قائمة في جنوب أفريقيا إبان نظام الفصل العنصري وهذه "الكنتونات" أحيطت بجدران وتشرذمت بفعل الحواجز العسكرية ووجودهم الفعلي على أقل من 5% من أراضي فلسطين التاريخية، كما وأن القرار صدر بتسميته الأراضي بالعربية بعد احتلال أراض مصرية وسورية بما في ذلك بقية فلسطين التي لم يكن لها تمثيل هناك آنذاك.
أما قرار 181 فقد يكون خيارا أفضل من 242 فقد يضمن نسبة 46% أي أقل من النصف لكن من شأنه الوقوف في مواجهة مشروع تهويد دولة الكيان مما يهدد وجود الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948 ومستقبل حق العودة للوطنيين إلى أراضيهم وفقا للقرار المذكور.
إن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تزايد بعد ضمان الكيان للأراضي المحتلة عام 1948 والتي لا يشغل الكيان منها سوى أقل من 15% منها، وتمثل المدن الفلسطينية الكبيرة المحتلة مثل يافا وحيفا وتل أبيب وغيرها بما في ذلك القرى التي تدميرها ويبلغ عددها أكثر من 400 قرية تم محوها في إطار خطة إلغاء وجود شعب عن أرضه لم يشهدها التاريخ المعاصر.
الوطنيون الفلسطينيون مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالتمسك بحقهم وليس الهروب إلى الأمام وإبقاء الباب مفتوحا للخيارات الفاشلة بسبب الصلف الصهيوني وإن خيار المطالبة بدولة واحدة يعيش عليها الجميع تحت مظلة القانون وبشرط تنفيذ حق العودة والتعويض عن استخدام الممتلكات الفلسطينية منذ الاحتلال عام 1948 يبقى الخيار الأفضل والمتاح حاليا.
كنا ننتظر من لجنة المتابعة الهروب بنا إلى الخلف وليس إلى الأمام لأن الأول يمنحنا الأمل بعودة الحقوق المشروعة إلى أصحباها ومن شأنه أن الإبقاء علينا في مواجهة سياسية في غياب المواجهة العسكرية لكن المقاومة الشعبية خيار من شأنه أن يدعم الهروب إلى الخلف كي يصبح الكيان محاصرا من الأمام والخلف.
قد يسخر البعض من هذا الطرح ولكن ما العمل مع كيان اقترب من القضاء على كل الوطن الفلسطيني ليتفرغ للخروج إلى البلدان العربية الأخرى في إطار مشروع "إسرائيل الكبرى "لطالما هذا الحلم المجنون يراود قادة الكيان حتى يومنا هذا.
إن المجتمع الدولي مطالب بتطبيق قرار 181 بالرغم من اختلال موازين العدالة بعد أن منح الكيان بذلك القرار أكثر من نصف أرض فلسطين وليس قرار 242 الذي لن يضمن حق الفلسطينيين ولا يلبي تنفيذ عناصر القرار المذكور.
أما قرار 241 فهو قرار يتحدث عن أراض عربية وقد وقعت كل من مصر والأردن اتفاقيات سلام مع الكيان أما سوريا فلم تحصل على حقها باستعادة الجولان المحتل، لكن الوطنيين الفلسطينيين يتعرضون للاحتيال السياسي تحت غطاء دولي غربي يطمح بإبقاء الوطنيين الفلسطينيين في قفص الوهم التفاوضي وهو ما ينذر بانفجار جديد بسبب هذا الإغفال الاستعماري.
إن قرار 242 قرار ظالما وكان وقعه قاسيا علينا وصدر في وضع لم يكن للوطنيين الفلسطينيين ممثلا شرعيا وإن تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965 أي قبل صدوره بعامين وفي حالة ضعف فلسطينية.
لذلك فإن الوطنيين الفلسطينيين مطالبون بالتمسك بحقهم الوطني وإن طال أمد الاحتلال ففي أيامنا هذه يعيش نحو خمسة ملايين فلسطيني في فلسطين التاريخية وهي قوة ديموغرافية تحققت بالرغم من إرهاب الاحتلال وجرائمه التي ارتكبها ضد الإنسانية.
وعليه فإن خيار التوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بوقف الاستيطان هروب إلى الأمام بدلا من المطالبة بإنهاء الاحتلال كليا إذا ما أرادت لجنة المتابعة العربية استخدام الدبلوماسية بدلا من خيارات أخرى لا تحبذها ولن تستخدمها.
ولعل الوضع السياسي والأمني للوطنيين الفلسطينيين بعد موت السلام يفضي بمصالحة وطنية على أساس نتائج الاستفتاء المقترح حول رؤية أصحاب الأرض الشرعيين لتقرير مصيرهم وهو آليه وطنية مشروعة لشعب يشكل أغلبية السكان حاليا في فلسطين التاريخية، ومن شأنه ضمان عدم الانفراد من أي جهة كانت في تقرير شكل المصير لشعب يعاني تحت وطأة احتلال الشر منذ أكثر من ستة عقود خلت دون وازع أو رادع. وإن أكبر حركتين فلسطينيتين وهما "فتح" و "حماس" مطالبتين بالدرجة الأولى لرأب الصدع في النضال الوطني لأن فلسطين أكبر من الجميع وأيا كان.
كاتب صحفي ومستشار إعلامي
[email protected]