لحج نيوز/استـــــطلاع:سمـــير الفقــيه -
اختلالات.. تشوهات.. تذبذبات.. اهتزازات.. مضاربات مصطلحات ومفردات طغت على توصيف المشهد الحالي لوضع »الريال« النقدي والمالي وقيمته أمام العملات الأجنبية.
فيما التداعيات المصاحبة تنذر بمخاضات ومناخات سلبية وسيئة على واقع الاقتصاد الوطني الذي لا يتحمل مزيداً من التعقيد والتأزيم حيث معدلات التضخم ستزيد ومداخيل الأفراد ستتآكل وأسعار السلع لن تكون بمنأى عن الغليان.
والأيادي الخفية التي ادمنت »المضاربة« في مأمن من المساءلة وفي منأى عن الرقابة كيف يكون المشهد في الأيام القليلة القادمة وما هي المعالجات الحقيقية والإجراءات الفعلية للحيلولة دون هذا النزيف وذلك التدهور الذي ابتلع ميزان المدفوعات واستنزف المداخيل ويرجع الدكتور طه الفسيل استاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء أسباب تدهور العملة الوطنية إلى جملة من الاختلالات والتشوهات في البناء الهيكلي للاقتصاد اليمني واعتماده على مصدر واحد للحصول على العملة الأجنبية والمتمثلة في عوائد النفط التي تراجعت حصة اليمن منها، ناهيك عن تراجع أسعاره في السوق الدولية ،وكذا انخفاض عائدات اليمن من مبيعات الغاز..
مشيراً إلى أن هذه المصادر الرئيسية لمداخيل اليمن من العملات الصعبة.
ويتابع د. الفسيل ولما كانت مصادر اليمن من العملات الصعبة تأتي من طريق تصدير النفط والغاز فإن هذه المصادر تخضع للتذبذب وعدم الاستقرار بالإضافة إلى العديد من العوامل الاقتصادية والإدارية المتعلقة بالسياسة النقدية وإدارة النقد الأجنبي في بلادنا إلى جانب استنزاف العملة الأجنبية في تلبية الاحتياجات الخارجية وتأمين طلبات المسافرين من العملة الصعبة لاّسباب إدارية أو علاجية أو تعليمية أو سياحية.
ظاهرة
ويضيف الفسيل لقد اضحت ظاهرة »الدولرة« هي المسيطرة حيث أصبح كل شيء يقوم بالدولار الأمر الذي يدفع بعض أصحاب الأموال للمضاربة بأسعار الدولار وشراء أكبر قدر منه، ناهيك عن التأثر بالأجواء السياسية المضطربة التي تسهم بشكل كبير في الإقبال على شراء العملات الصعبة وخاصة الدولار.
أسباب واهية
وينفي الدكتور الفسيل أن تكون زيادة المدفوعات لاستيراد مستلزمات رمضان والعيد من السلع والخدمات من الأسباب الرئيسية لتراجع سعر العملة الوطنية..
مشيراً إلى أن توفير هذه السلع يفترض أنها متوفرة قبل 4-6 أشهر من الآن.. لافتاً إلى أن انخفاض سعر العملة الوطنية أمام الدولار لن يسهم في زيادة الصادرات اليمنية كما هو متعارف عليه عالمياً ذلك أن اليمن لا يخضع للشروط الاقتصادية العالمية.
تنامي العجز
من جهته يرى الخبير الاقتصادي سالم المعمري أن تدهور سعر الريال أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى يرجع إلى عدة أسباب أبرزها وأهمها تنامي العجز الحاصل في الموازنة العامة للدولة إلى جانب العوامل التي تنتاب السوق اليمنية والتجار والمستثمرين نتيجة تجدد الأحداث الأمنية في صعدة والمحافظات الجنوبية.. وأضاف لربما يكون من الجائز والصحيح أيضا أن تأمين احتياجات شهر رمضان من السلع الأساسية قد ادى إلى زيادة الطلب على شراء العملات الأجنبية وخاصة الدولار الأمر الذي أدى إلى زيادة المضاربة في سعر الصرف لتأمين هذه الاحتياجات.
ابتزاز وتهريب
ويلفت المعمري إلى ان هناك عوامل وأسبابا مساعدة ساهمت في تدهور سعر صرف الريال مثل لجوء بعض الأشخاص الذين لديهم وفورات وسيولة مالية إلى شراء الدولار خوفا من التدهور الحاد في سعر الريال وبالتالي يلجأون إلى تحصين أنفسهم من خلال شراء الدولار والعملات الصعبة الأخرى ..
مشيراً إلى أن هناك عوامل نفسية تسهم في زيادة تدهور سعر الريال لدى بعض المستثمرين نتيجة لما يتعرضون له من ابتزاز من قبل موظفي الدولة حيث يضطرون إلى شراء العملات الصعبة وتهريبها إلى الخارج وخاصة أصحاب المشاريع الاستثمارية التي بدأت بالظهور في الآونة الأخيرة وترحيلها إلى مناطق أخرى خارج اليمن..
لافتا إلى أن هؤلاء وإن كانوا قليلين إلاّ أنهم ساهموا بشكل أو بآخر في شراء العملات الصعبة من الأسواق وترحيلها إلى الخارج.
مضاربة
استاذ الاقتصاد بجامعة تعز الدكتور محمد القحطاني يشير إلى أن ما يحدث من نزيف لقوة العملة الوطنية وتدهور أمام العملات الأجنبية الأخرى لا يعدو كونه » مضاربات« وتلاعبا بأسعار الصرف من قبل أولئك الذين يقومون بتلقف ما يضخه البنك المركزي من سيولة مالية من العملات الصعبة.
ولفت إلى أن البنك المركزي تقع عليه مسؤولية ضبط الوضع المالي في البلد وأنه باستطاعته ضبط أولئك الذين يمارسون دور »التلاعب والمضاربة« بأسعار صرف الريال وأن البنك لو اراد فعلا التحكم والسيطرة وضبط السوق المالية لا تخذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق هؤلاء لانه يعرفهم..
مشيرا إلى ان ذلك يّعد من الحلول السريعة والناجعة لوقف النزيف والتدهور في العملة الوطنية.
تدخلات
وأضاف أنه من غير المعقول أن يقوم البنك المركزي بالتدخل لـ8 مرات متتالية وفي فترة وجيزة لضخ مئات الملايين من الدولارات ثم لا يكون هناك استقرار نقدي ومالي في السوق اليمنية..الأمر الذي يشير ويدلل على وجود أياد خفية ادمنت التلاعب والمضاربة وعلى البنك أن يضع حداً لهؤلاء.
كما اشار الدكتور القحطاني إلى توجهات وتدخلات البنك الدولي الذي يرى مصلحة في انخفاض قيمة صرف الريال أمام الدولار لكي تعاني الموازنة العامة من عجوزات مستمرة وبالتالي ترتفع القدرة لديها لمواجهه احتياجاتها والتزاماتها المالية خصوصا من ايرادات النفط والغاز.
بعيدة المدى
أما الاصلاحات بعيدة المدى التي يراها الدكتور القحطاني فهي الهيكل الاقتصادي وتنمية الموارد الذاتية للبلد عبر اشاعة مناخات الاستثمارات الأمنة وتنويع الصادرات غير النفطية عبر تنميتها بحيث تمثل أهم مصادر المداخيل المالية من العملات الصعبة.
واضاف: لابد ان يوازي ذلك تعديلات في الجسم الحكومي يلبي المتغيرات ويواكب التطورات الحاصلة في الاقتصاد العالمي وكذا معالجة اشكاليات العجوزات المزمنة في موازنات الدولة التي للأسف يتم معالجتها عبر إجراءات بسيطة وسهلة تتمثل في توسعة الأوعية الضريبية والإصدارات النقدية الجديدة وطلب الاعتمادات الإضافية.
عجوزات
من جهته يرى الدكتور عبدالواحد العفوري أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز ورئيس جمعية الصناعيين اليمنيين السابق أن هناك عدة أسباب لتدهور صرف الريال أمام الدولار والتي منها عجز الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2009م، والعجز في ميزان المدفوعات بسبب انخفاض صادرات بلادنا من النفط والسلع الأخرى.
ويتابع د. العفوري بالقول: كما أن الممارسات المتبعة في رسم السياسات النقدية لم تكن بمستوى التحديات التي تواجهها العُملة الوطنية.. فبدلاً من أن يقوم البنك المركزي بتغطية الاعتمادات المستندية للبنوك التجارية التي تريد الاستيراد.. تضطر هذه الأخيرة إلى النزول للسوق والقيام بعملية مضاربة للريال لشراء الدولار وتلبية احتياجاتها من المستوردات.
كما أن التدخلات المتتالية للبنك المركزي وضخ المزيد من السيولة النقدية من العملات الصعبة قد ذهبت إلى جيوب المضاربين ولم تحقق الجدوى الاقتصادية والمالية بقدر ما ذهبت إلى ساحات المضاربة وإلى جيوب المضاربين.
وأضاف د. العفوري: كان يفترض أن تكون السياسة الصحيحة المتبعة من قبل السلطة النقدية المختصة أن يتم تغطية الاعتمادات المستندية للبنوك التجارية المعتمدة لسد الاحتياجات من الاستيراد.
حرب غير معلنة
ويلفت د. العفوري إلى أن من الأسباب التي قادت إلى تدهور صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية الأخرى ما يجري بين الحكومة والتجار من حرب وإن كانت غير معلنة حول قانون ضريبة المبيعات وما رافق ذلك من تجاذبات ومد وجزر بين الطرفين وعمليات ابتزاز انعكست سلباً على أداء الوضع الاقتصادي والنقدي في البلد.
انعدام الثقة
ويتابع د. العفوري: مما لا شك فيه أن هناك سياسة نقدية مرتبكة وعجزاً في الموازنة وعجزاً في الميزان العام »ميزان المدفوعات« وشعور المضاربين بأن ما من قدرات لدى الجهات المختصة والسلطات النقدية تجعل الأمور تحت السيطرة.. الأمر الذي ولَّد شعوراً بعدم الثقة في الإجراءات والآليات المتخذة لدعم قيمة الريال.
كما يرى الدكتور العفوري أن لكل من الصيارفة والموردين والبنوك دوراً في تدهور سعر صرف العملة نتيجة للأسباب والمبررات المذكورة أعلاه.. وإذا لم تكن لدى السلطة النقدية المختصة المتمثلة اليوم بالبنك المركزي آلية تضبط إيقاع هذه العملية فإن الوضع سيزداد انحداراً وتدهوراً.
تعويم
الدكتور علي سيف كليب أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة صنعاء يرى أن أزمة تدهور سعر صرف العملة أمام العملات الأجنبية تبدأ منذ اتباع السياسات النقدية التي انتهجت مبدأ »التعويم« أو تعويم العملة ولم تصاحب ذلك باتباع سياسة نقدية تتحكم في أسعار الفائدة والتحكم بالعرض النقدي.
ويضيف د. كليب: إن ما جرى من عمليات ضخ من السيولة للنقد الأجنبي خلال الفترة الماضية لم تذهب سوى إلى دعم مجموعة من الأشخاص المضاربين.. مؤكداً على ضرورة إيجاد سياسة مالية داعمة ومتحكمة بما يتم عرضه من نقد أجنبي في السوق وتفعيل دور الرقابة على كل فواتير ومستندات الاستيراد.. حيث يتم الاستيراد بشكل مبالغ فيه حتى بات البلد منكشفاً أمام العالم الخارجي من حيث عمليات الاستيراد المُبالغ فيها والتي تكبد اقتصاد البلد استنزاف الكثير من النقد الأجنبي.
مضاربة
ويشير د. كليب إلى أن هناك أشخاصاً يقومون بعمليات مضاربة.. وذلك نتيجة عدم الثقة بالعُملة المحلية.. وهذا بدوره أدى إلى زيادة الضغط على المعروض النقدي.. كما أن تدني عملية الإنتاج النفطي وتراجع عوائد قطاع السياحة قد قلل من وجود العرض النقدي من العملات الأجنبية في السوق المالية.
ويضيف د. كليب: سواءً كانت أسعار الصرف الموجودة حالياً عبر نشرات البنك المركزي حقيقية أو غير حقيقية فإن ذلك يفترض تدخل الدولة وإعمال دور الرقابة على عملية تسعير شراء وعرض الصرف الأجنبي.
وأضاف إن جزءاً كبيراً من الأزمة الحالية يتطلب وضع معالجات آنية وحاسمة تتطلب في البداية ضبط كبار تجار العُملة وعمل ضوابط على عملية الاستيراد وذلك لإيقاف عملية التصاعد الكبير لأسعار العملات مقابل انهيار صرف الريال وإعادة النظر في السياسات النقدية والمالية التي يجب أن يدعم بعضها بعضاً في دعم قيمة العملة الوطنية.. |